للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وَالنَّبِيُّ بَيْنَ أَظْهُرِنَا) فِي رِوَايَةِ أَبِي عَاصِمٍ، عَنْ عُمَرَ بْنِ مُحَمَّدٍ عِنْدَ الْإِسْمَاعِيلِيِّ كُنَّا نَسْمَعُ بِحَجَّةِ الْوَدَاعِ.

قَوْلُهُ: (وَلَا نَدْرِي مَا حِجَّةُ الْوَدَاعِ) كَأَنَّهُ شَيْءٌ ذَكَرَهُ النَّبِيُّ فَتَحَدَّثُوا بِهِ وَمَا فَهِمُوا أَنَّ الْمُرَادَ بِالْوَدَاعِ وَدَاعُ النَّبِيِّ ، حَتَّى وَقَعَتْ وَفَاتُهُ بَعْدَهَا بِقَلِيلٍ فَعَرَفُوا الْمُرَادَ، وَعَرَفُوا أَنَّهُ وَدَّعَ النَّاسَ بِالْوَصِيَّةِ الَّتِي أَوْصَاهُمْ بِهَا أَنْ لَا يَرْجِعُوا بَعْدَهُ كُفَّارًا، وَأَكَّدَ التَّوْدِيعَ بِإِشْهَادِ اللَّهِ عَلَيْهِمْ بِأَنَّهُمْ شَهِدُوا أَنَّهُ قَدْ بَلَّغَ مَا أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ بِهِ، فَعَرَفُوا حِينَئِذٍ الْمُرَادَ بِقَوْلِهِمْ: حِجَّةُ الْوَدَاعِ. وَقَدْ وَقَعَ فِي الْحَجِّ فِي بَابِ الْخُطْبَةِ بِمِنًى مِنْ رِوَايَةِ عَاصِمِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ زَيْدٍ عَنْ أَبِيهِ عَنِ ابْنِ عُمَرَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ فَوَدَّعَ النَّاسَ وَقَدَّمْتُ هُنَاكَ مَا وَقَعَ عِنْدَ الْبَيْهَقِيِّ أَنَّ سُورَةَ ﴿إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ﴾ نَزَلَتْ فِي وَسَطِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ، فَعَرَفَ النَّبِيُّ أَنَّهُ الْوَدَاعُ، فَرَكِبَ وَاجْتَمَعَ النَّاسُ فَذَكَرَ الْخُطْبَةَ.

قَوْلُهُ: (فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ) فِي رِوَايَةِ أَبِي نُعَيْمٍ فِي الْمُسْتَخْرَجِ فَحَمِدَ رَسُولُ اللَّهِ اللَّهَ وَحْدَهُ وَأَثْنَى عَلَيْهِ الْحَدِيثَ، وَذَكَرَ فِيهِ قِصَّةَ الدَّجَّالِ وَفِيهِ: أَلَا إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَ عَلَيْكُمْ دِمَاءَكُمْ، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ هَذِهِ الْخُطْبَةَ كُلَّهَا كَانَتْ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ، وَقَدْ ذَكَرَ الْخُطْبَةَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ جَمَاعَةٌ مِنَ الصَّحَابَةِ لَمْ يَذْكُرْ أَحَدٌ مِنْهُمْ قِصَّةَ الدَّجَّالِ فِيهَا إِلَّا ابْنُ عُمَرَ، بَلِ اقْتَصَرَ الْجَمِيعُ عَلَى حَدِيثِ إِنَّ أَمْوَالَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ الْحَدِيثَ، وَقَدْ أَوْرَدَ الْمُصَنِّفُ مِنْهَا حَدِيثَ جَرِيرٍ، وَأَبِي بَكْرَةَ هُنَا وَحَدِيثَ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي الْحَجِّ، وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي الْحَجِّ مِنْ رِوَايَةِ عَاصِمِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ زَيْدٍ وَهُوَ أَخُو عُمَرَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ زَيْدٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ بِدُونِهَا، وَزِيَادَةُ عُمَرَ بْنِ مُحَمَّدٍ صَحِيحَةٌ؛ لِأَنَّهُ ثِقَةٌ، وَكَأَنَّهُ حَفِظَ مَا لَمْ يَحْفَظْهُ غَيْرُهُ، وَسَيَأْتِي شَرْحُ مَا تَضَمَّنَتْهُ هَذِهِ الزِّيَادَةُ فِي كِتَابِ الْفِتَنِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.

٤٤٠٤ - حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ خَالِدٍ، حَدَّثَنَا زُهَيْرٌ، حَدَّثَنَا أَبُو إِسْحَاقَ، قَالَ: حَدَّثَنِي زَيْدُ بْنُ أَرْقَمَ، أَنَّ النَّبِيَّ : غَزَا تِسْعَ عَشْرَةَ غَزْوَةً وَأَنَّهُ حَجَّ بَعْدَ مَا هَاجَرَ حَجَّةً وَاحِدَةً لَمْ يَحُجَّ بَعْدَهَا حَجَّةَ الْوَدَاعِ. قَالَ أَبُو إِسْحَاقَ: وَبِمَكَّةَ أُخْرَى.

الْحَدِيثُ التَّاسِعُ: حَدِيثُ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ، تَقَدَّمَ شَرْحُهُ فِي أَوَّلِ الْهِجْرَةِ، وَقَوْلُهُ: وَأَنَّهُ حَجَّ بَعْدَمَا هَاجَرَ حِجَّةً وَاحِدَةً لَمْ يَحُجَّ بَعْدَهَا حِجَّةَ الْوَدَاعِ يَعْنِي وَلَا حَجَّ قَبْلَهَا إِلَّا أَنْ يُرِيدَ نَفْيَ الْحَجِّ الْأَصْغَرِ وَهُوَ الْعُمْرَةُ فَلَا، فَإِنَّهُ اعْتَمَرَ قَبْلَهَا قَطْعًا.

قَوْلُهُ: (قَالَ أَبُو إِسْحَاقَ: وَبِمَكَّةَ أُخْرَى) هُوَ مَوْصُولٌ بِالْإِسْنَادِ الْمَذْكُورِ، وَغَرَضُ أَبِي إِسْحَاقَ أَنَّ لِقَوْلِهِ: بَعْدَمَا هَاجَرَ مَفْهُومًا، وَأَنَّهُ قَبْلَ أَنْ يُهَاجِرَ كَانَ قَدْ حَجَّ لَكِنِ اقْتِصَارُهُ عَلَى قَوْلِهِ أُخْرَى قَدْ يُوهِمُ أَنَّهُ لَمْ يَحُجَّ قَبْلَ الْهِجْرَةِ إِلَّا وَاحِدَةً وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ حَجَّ قَبْلَ أَنْ يُهَاجِرَ مِرَارًا، بَلِ الَّذِي لَا أَرْتَابُ فِيهِ أَنَّهُ لَمْ يَتْرُكِ الْحَجَّ وَهُوَ بِمَكَّةَ قَطُّ؛ لِأَنَّ قُرَيْشًا فِي الْجَاهِلِيَّةِ لَمْ يَكُونُوا يَتْرُكُونَ الْحَجَّ، وَإِنَّمَا يَتَأَخَّرُ مِنْهُمْ عَنْهُ مَنْ لَمْ يَكُنْ بِمَكَّةَ أَوْ عَاقَهُ ضَعْفٌ، وَإِذَا كَانُوا وَهُمْ عَلَى غَيْرِ دِينٍ يَحْرِصُونَ عَلَى إِقَامَةِ الْحَجِّ وَيَرَوْنَهُ مِنْ مَفَاخِرِهِمُ الَّتِي امْتَازُوا بِهَا عَلَى غَيْرِهِمْ مِنَ الْعَرَبِ فَكَيْفَ يُظَنُّ بِالنَّبِيِّ أَنَّهُ يَتْرُكُهُ؟ وَقَدْ ثَبَتَ مِنْ حَدِيثِ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ أَنَّهُ رَآهُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ وَاقِفًا بِعَرَفَةَ، وَأَنَّ ذَلِكَ مِنْ تَوْفِيقِ اللَّهِ لَهُ، وَثَبَتَ دُعَاؤُهُ قَبَائِلَ الْعَرَبِ إِلَى الْإِسْلَامِ بِمِنًى ثَلَاثَ سِنِينَ مُتَوَالِيَةً كَمَا بَيَّنْتُهُ فِي الْهِجْرَةِ إِلَى الْمَدِينَةِ.

٤٤٠٥ - حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ عُمَرَ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ مُدْرِكٍ، عَنْ أَبِي زُرْعَةَ بْنِ عَمْرِو بْنِ جَرِيرٍ، عَنْ جَرِيرٍ أَنَّ النَّبِيَّ قَالَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ لِجَرِيرٍ: اسْتَنْصِتْ النَّاسَ، فَقَالَ: لَا تَرْجِعُوا بَعْدِي كُفَّارًا يَضْرِبُ بَعْضُكُمْ رِقَابَ بَعْضٍ.