للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

الْجِيمِ وَالرَّاءِ وَالْأَوَّلُ أَصْوَبُ، وَالْجُرُفُ الَّذِي أُضِيفَ إِلَيْهِ شَفَا فِي الْآيَةِ الْأُخْرَى غَيْرُ شَفَا هُنَا، وَقَدْ قَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿شَفَا حُفْرَةٍ﴾ شَفَا جُرُفٍ، وَهُوَ يَقْتَضِي التَّسْوِيَةَ بَيْنَهُمَا فِي الْإِضَافَةِ، وَإِلَّا فَمَدْلُولُ جُرُفٍ غَيْرُ مَدْلُولِ حُفْرَةٍ، فَإِنَّ لَفْظَ شَفَا يُضَافُ إِلَى أَعْلَى الشَّيْءِ وَمِنْهُ قَوْلُهُ: ﴿شَفَا جُرُفٍ﴾ وَإِلَى أَسْفَلِ الشَّيْءِ مِنْهُ ﴿شَفَا حُفْرَةٍ﴾ وَيُطْلَقُ شَفَا أَيْضًا عَلَى الْقَلِيلِ تَقُولُ: مَا بَقِيَ مِنْهُ شَيْءٌ غَيْرَ شَفَا أَيْ غَيْرَ قَلِيلٍ، وَيُسْتَعْمَلُ فِي الْقُرْبِ وَمِنْهُ أَشْفَى عَلَى كَذَا أَيْ قَرُبَ مِنْهُ.

قَوْلُهُ: ﴿تُبَوِّئُ﴾ تَتَّخِذُ مُعَسْكَرًا) هُوَ تَفْسِيرُ أَبِي عُبَيْدَةَ، قَالَ فِي قَوْلِهِ: ﴿وَإِذْ غَدَوْتَ مِنْ أَهْلِكَ تُبَوِّئُ الْمُؤْمِنِينَ مَقَاعِدَ لِلْقِتَالِ﴾ أَيْ تَتَّخِذُ لَهُمْ مَصَافَّ وَمُعَسْكَرًا. وَقَالَ غَيْرُهُ: تُبَوِّئُ تُنْزِلُ، بَوَّأَهُ أَنْزَلَهُ، وَأَصْلُهُ مِنَ الْمَبَاءَةِ وَهِيَ الْمَرْجِعُ. وَالْمَقَاعِدُ جَمْعُ مَقْعَدٍ وَهُوَ مَكَانُ الْقُعُودِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ فِي غَزْوَةِ أُحُدٍ.

قَوْلُهُ: ﴿رِبِّيُّونَ﴾ الْجُمُوعُ، وَاحِدُهَا رِبِّيٌّ) هُوَ تَفْسِيرُ أَبِي عُبَيْدَةَ قَالَ فِي قَوْلِهِ: ﴿وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ﴾ قَالَ: الرِّبِّيُّونَ الْجَمَاعَةُ الْكَثِيرَةُ، وَاحِدُهَا رِبِّيٌّ، وَهُوَ بِكَسْرِ الرَّاءِ فِي الْوَاحِدِ وَالْجَمْعِ قِرَاءَةُ الْجُمْهُورِ. وَعَنْ عَلِيٍّ وَجَمَاعَةٍ بِضَمِّ الرَّاءِ وَهُوَ مِنْ تَغْيِيرِ النَّسَبِ فِي الْقِرَاءَتَيْنِ إِنْ كَانَتِ النِّسْبَةُ إِلَى رَبِّ، وَعَلَيْهَا قِرَاءَةُ ابْنِ عَبَّاسٍ رَبِّيُّونَ بِفَتْحِ الرَّاءَ، وَقِيلَ: بَلْ هُوَ مَنْسُوبٌ إِلَى الرُّبَّةِ أَيِ الْجَمَاعَةِ وَهُوَ بِضَمِّ الرَّاءِ وَبِكَسْرِهَا، فَإِنْ كَانَ كَذَلِكَ فَلَا تَغْيِيرَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

قَوْلُهُ: (تُحِسُّونَهُمْ: تَسْتَأْصِلُونَهُمْ قَتْلًا) وَقَعَ هَذَا بَعْدَ قَوْلِهِ وَاحِدُهَا رِبِّيٌّ وَهُوَ تَفْسِيرُ أَبِي عُبَيْدَةَ أَيْضًا بِلَفْظِهِ وَزَادَ: يُقَالُ حَسَسْنَاهُمْ مِنْ عِنْدِ آخِرِهِمْ أَيِ اسْتَأْصَلْنَاهُمْ، وَقَدْ تَقَدَّمَ بَيَانُ ذَلِكَ فِي غَزْوَةِ أُحُدٍ.

قَوْلُهُ: (غُزًّا وَاحِدُهَا غَازٍ) هُوَ تَفْسِيرُ أَبِي عُبَيْدَةَ أَيْضًا، قَالَ فِي قَوْلِهِ: ﴿أَوْ كَانُوا غُزًّى﴾ لَا يَدْخُلُهَا رَفْعٌ وَلَا جَرٌّ لِأَنَّ وَاحِدُهَا غَازٍ، فَخَرَجَتْ مَخْرَجَ قَائِلٍ وَقُوَّلٍ انْتَهَى. وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ (غُزًّا) بِالتَّشْدِيدِ جَمْعُ غَازٍ وَقِيَاسُهُ غُزَاةٌ، لَكِنْ حَمَلُوا الْمُعْتَلَّ عَلَى الصَّحِيحِ كَمَا قَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ، وَقَرَأَ الْحَسَنُ وَغَيْرُهُ غَزَا بِالتَّخْفِيفِ فَقِيلَ: خَفَّفَ الزَّايَ كَرَاهِيَةَ التَّثْقِيلِ، وَقِيلَ: أَصْلُهُ غُزَاةٌ وَحَذَفَ الْهَاءَ.

قَوْلُهُ: ﴿سَنَكْتُبُ مَا قَالُوا﴾ سَنَحْفَظُ) هُوَ تَفْسِيرُ أَبِي عُبَيْدَةَ أَيْضًا، لَكِنَّهُ ذَكَرَهُ بِضَمِّ الْيَاءِ التَّحْتَانِيَّةِ عَلَى الْبِنَاءِ لِلْمَجْهُولِ وَهِيَ قِرَاءَةُ حَمْزَةَ، وَكَذَلِكَ قَرَأَ وَقَتْلُهُمْ بِالرَّفْعِ عَطْفًا عَلَى الْمَوْصُولِ لِأَنَّهُ مَنْصُوبُ الْمَحَلِّ، وَقِرَاءَةُ الْجُمْهُورِ بِالنُّونِ لِلْمُتَكَلِّمِ الْعَظِيمِ، وَقَتْلَهُمْ بِالنَّصْبِ عَلَى الْمَوْصُولِ لِأَنَّهُ مَنْصُوبُ الْمَحَلِّ، وَتَفْسِيرُ الْكِتَابَةِ بِالْحِفْظِ تَفْسِيرٌ بِاللَّازِمِ، وَقَدْ كَثُرَ ذَلِكَ فِي كَلَامِهِمْ كَمَا مَضَى وَيَأْتِي.

قَوْلُهُ: ﴿نُزُلا﴾ ثَوَابًا: وَيَجُوزُ وَمُنْزَلٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ كَقَوْلِكَ أَنْزَلْتُهُ) هُوَ قَوْلُ أَبِي عُبَيْدَةَ أَيْضًا بِنَصِّهِ، وَالنُّزُلُ مَا يُهَيَّأُ لِلنَّزِيلِ وَهُوَ الضَّيْفُ، ثُمَّ اتُّسِعَ فِيهِ حَتَّى سُمِّيَ بِهِ الْغَدَاءُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِلضَّيْفِ. وَفِي نُزُلٍ قَوْلَانِ: أَحَدُهُمَا مَصْدَرٌ وَالْآخَرُ أَنَّهُ جَمْعُ نَازِلٍ كَقَوْلِ الْأَعْشَى: أَوْ تَنْزِلُونَ فَإِنَّا مَعْشَرٌ نُزُلٌ أَيْ نُزُولٌ، وَفِي نَصْبِ نُزُلًا فِي الْآيَةِ أَقْوَالٌ: مِنْهَا أَنَّهُ مَنْصُوبٌ عَلَى الْمَصْدَرِ الْمُؤَكِّدِ لِأَنَّ مَعْنَى ﴿لَهُمْ جَنَّاتٌ﴾ نُنْزِلُهُمْ جَنَّاتٍ نُزُلًا، وَعَلَى هَذَا يَتَخَرَّجُ التَّأْوِيلُ الْأَوَّلُ لِأَنَّ تَقْدِيرَهُ يُنْزِلُهُمْ جَنَّاتٍ رِزْقًا وَعَطَاءً مِنْ عِنْدِ اللَّهِ. وَمِنْهَا أَنَّهُ حَالٌ مِنَ الضَّمِيرِ فِي فِيهَا أَيْ مُنْزَلَةً عَلَى أَنَّ نُزُلًا مَصْدَرٌ بِمَعْنَى الْمَفْعُولِ، وَعَلَيْهِ يَتَخَرَّجُ التَّأْوِيلُ الثَّانِي.

قَوْلُهُ: ﴿وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ﴾: الْمُسَوَّمُ الَّذِي لَهُ سِيمَاءُ بِعَلَامَةٍ، أَوْ بِصُوفَةٍ، أَوْ بِمَا كَانَ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ: الْخَيْلُ الْمُسَوَّمَةُ الْمُطَهَّمَةُ الْحِسَانُ. وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبْزَى: الْمُسَوَّمَةُ الرَّاعِيَةُ) أَمَّا التَّفْسِيرُ الْأَوَّلُ فَقَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ: الْخَيْلُ الْمُسَوَّمَةُ الْمُعَلَّمَةُ بِالسِّيمَاءِ، وَقَالَ أَيْضًا فِي قَوْلِهِ: ﴿مِنَ الْمَلائِكَةِ مُسَوِّمِينَ﴾ أَيْ مُعَلِّمِينَ. وَالْمَسْمُومُ الَّذِي لَهُ سِيمَاءُ بِعَلَامَةٍ أَوْ بِصُوفَةٍ أَوْ بِمَا كَانَ. وَأَمَّا قَوْلُ مُجَاهِدٍ فَرُوِّينَاهُ فِي تَفْسِيرِ الثَّوْرِيِّ رِوَايَةَ أَبِي حُذَيْفَةَ عَنْهُ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ، وَكَذَا أَخْرَجَهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ، عَنِ الثَّوْرِيِّ. وَأَمَّا قَوْلُ ابْنِ جُبَيْرٍ فَوَصَلَهُ أَبُو حُذَيْفَةَ أَيْضًا بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ إِلَيْهِ. وَأَمَّا قَوْلُ