للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وَقَدْ تُحْذَفُ وَهُوَ نَادِرٌ. قَالَ الْكَرْمَانِيُّ: فَإِنْ قُلْتَ: أَمَّا لِلتَّفْصِيلِ، فَأَيْنَ الْقَسِيمُ؟ ثُمَّ أَجَابَ بِأَنَّ التَّقْدِيرَ أَمَّا الِابْتِدَاءُ فَهُوَ بِسْمِ اللَّهِ، وَأَمَّا الْمَكْتُوبُ فَهُوَ مِنْ مُحَمَّدٍ إِلَخْ، وَأَمَّا الْمَكْتُوبُ بِهِ فَهُوَ مَا ذُكِرَ فِي الْحَدِيثِ. وَهُوَ تَوْجِيهٌ مَقْبُولٌ، لَكِنَّهُ لَا يَطَّرِدُ فِي كُلِّ مَوْضِعٍ، وَمَعْنَاهَا الْفَصْلُ بَيْنَ الْكَلَامَيْنِ. وَاخْتُلِفَ فِي أَوَّلِ مَنْ قَالَهَا فَقِيلَ: دَاوُدُ ﵇، وَقِيلَ: يَعْرُبُ بْنُ قَحْطَانَ، وَقِيلَ: كَعْبُ بْنُ لُؤَيٍّ، وَقِيلَ: قُسُّ بْنُ سَاعِدَةَ، وَقِيلَ: سَحْبَانُ. وَفِي غَرَائِبِ مَالِكٍ، لِلدَّارَقُطْنِيِّ أَنَّ يَعْقُوبَ ﵇ قَالَهَا، فَإِنْ ثَبَتَ وَقُلْنَا: إِنَّ قَحْطَانَ مِنْ ذُرِّيَّةِ إِسْمَاعِيلَ، فَيَعْقُوبُ أَوَّلُ مَنْ قَالَهَا مُطْلَقًا، وَإِنْ قُلْنَا: إِنَّ قَحْطَانَ قَبْلَ إِبْرَاهِيمَ ﵇ فَيَعْرُبُ أَوَّلُ مَنْ قَالَهَا، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

قَوْلُهُ: (أَسْلِمْ تَسْلَمْ) فِيهِ بِشَارَةٌ لِمَنْ دَخَلَ فِي الْإِسْلَامِ أَنَّهُ يَسْلَمُ مِنَ الْآفَاتِ اعْتِبَارًا بِأَنَّ ذَلِكَ لَا يَخْتَصُّ بِهِرَقْلَ، كَمَا أَنَّهُ لَا يَخْتَصُّ بِالْحُكْمِ الْآخَرِ، وَهُوَ قَوْلُهُ: أَسْلِمْ يُؤْتِكَ اللَّهُ أَجْرَكَ مَرَّتَيْنِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ عَامٌّ فِي حَقِّ مَنْ كَانَ مُؤْمِنًا بِنَبِيِّهِ، ثُمَّ آمَنَ بِمُحَمَّدٍ ﷺ.

قَوْلُهُ: (وَأَسْلِمْ يُؤْتِكَ) فِيهِ تَقْوِيَةٌ لِأَحَدِ الِاحْتِمَالَيْنِ الْمُتَقَدِّمَيْنِ فِي بَدْءِ الْوَحْيِ، وَأَنَّهُ أَعَادَ أَسْلِمْ تَأْكِيدًا، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ: أَسْلِمْ أَوَّلًا أَيْ: لَا تَعْتَقِدْ فِي الْمَسِيحِ مَا تَعْتَقِدُهُ النَّصَارَى، وَأَسْلِمْ ثَانِيًا أَيِ: ادْخُلْ فِي دِينِ الْإِسْلَامِ، فَلِذَلِكَ قَالَ بَعْدَ ذَلِكَ: يُؤْتِكَ اللَّهُ أَجْرَكَ مَرَّتَيْنِ.

(تَنْبِيهٌ): لَمْ يُصَرِّحْ فِي الْكِتَابِ بِدُعَائِهِ إِلَى الشَّهَادَةِ لِلنَّبِيِّ ﷺ بِالرِّسَالَةِ، لَكِنَّ ذَلِكَ مُنْطَوٍ فِي قَوْلِهِ: وَالسَّلَامُ عَلَى مَنِ اتَّبَعَ الْهُدَى وَفِي قَوْلِهِ: أَدْعُوكَ بِدِعَايَةِ الْإِسْلَامِ وَفِي قَوْلِهِ: أَسْلِمْ فَإِنَّ جَمِيعَ ذَلِكَ يَتَضَمَّنُ الْإِقْرَارَ بِالشَّهَادَتَيْنِ.

قَوْلُهُ: (إِثْمُ الْأَرِيسِيِّينَ) تَقَدَّمَ ضَبْطُهُ وَشَرْحُهُ فِي بَدْءِ الْوَحْيِ، وَوَجَدْتُهُ هُنَاكَ فِي أَصْلٍ مُعْتَمَدٍ بِتَشْدِيدِ الرَّاءِ، وَحَكَى هَذِهِ الرِّوَايَةَ أَيْضًا صَاحِبُ الْمَشَارِقِ وَغَيْرُهُ، وَفِي أُخْرَى الْأَرِيسِينَ بِتَحْتَانِيَّةٍ وَاحِدَةٍ، قَالَ ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ: أَرَسَ يَأْرِسُ بِالتَّخْفِيفِ فَهُوَ أَرِيسٌ، وَأَرَّسَ بِالتَّشْدِيدِ يُؤَرِّسُ فَهُوَ إِرِّيسٌ، وَقَالَ الْأَزْهَرِيُّ: بِالتَّخْفِيفِ وَبِالتَّشْدِيدِ: الْأَكَّارُ لُغَةٌ شَامِيَّةٌ، وَكَانَ أَهْلُ السَّوَادِ أَهْلَ فِلَاحَةٍ وَكَانُوا مَجُوسًا، وَأَهْلُ الرُّومِ أَهْلَ صِنَاعَةٍ، فَأُعْلِمُوا بِأَنَّهُمْ وَإِنْ كَانُوا أَهْلَ كِتَابٍ فَإِنَّ عَلَيْهِمْ إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا مِنَ الْإِثْمِ إِثْمَ الْمَجُوسِ، انْتَهَى. وَهَذَا تَوْجِيهٌ آخَرُ لَمْ يَتَقَدَّمْ ذِكْرُهُ. وَحَكَى غَيْرُهُ أَنَّ الْأَرِيسِيِّينَ يُنْسَبُونَ إِلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَرِيسٍ، رَجُلٌ كَانَ تُعَظِّمُهُ النَّصَارَى ابْتَدَعَ فِي دِينِهِمْ أَشْيَاءَ مُخَالِفَةً لِدِينِ عِيسَى، وَقِيلَ: إِنَّهُ مِنْ قَوْمٍ بُعِثَ إِلَيْهِمْ نَبِيٌّ فَقَتَلُوهُ، فَالتَّقْدِيرُ عَلَى هَذَا: فَإِنَّ عَلَيْكَ مِثْلَ إِثْمِ الْأَرِيسِيِّينَ. وَذَكَرَ ابْنُ حَزْمٍ أَنَّ أَتْبَاعَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَرِيسٍ كَانُوا أَهْلَ مَمْلَكَةِ هِرَقْلَ، وَرَدَّهُ بَعْضُهُمْ بِأَنَّ الْأَرِيسِيِّينَ كَانُوا قَلِيلًا، وَمَا كَانُوا يُظْهِرُونَ رَأْيَهُمْ؛ فَإِنَّهُمْ كَانُوا يُنْكِرُونَ التَّثْلِيثَ. وَمَا أَظُنُّ قَوْلَ ابْنِ حَزْمٍ إِلَّا عَنْ أَصْلٍ؛ فَإِنَّهُ لَا يُجَازِفُ فِي النَّقْلِ. وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ الْأَصِيلِيِّ: الْيَرِيسِيِّينَ بِتَحْتَانِيَّةٍ فِي أَوَّلِهِ، وَكَأَنَّهُ بِتَسْهِيلِ الْهَمْزَةِ.

وَقَالَ ابْنُ سِيدَهْ فِي الْمُحْكَمِ: الْأَرِيسُ: الْأَكَّارُ؛ عِنْدَ ثَعْلَبٍ، وَالْأَمِينُ عِنْدَ كُرَاعٍ، فَكَأَنَّهُ مِنَ الْأَضْدَادِ، أَيْ: يُقَالُ لِلتَّابِعِ وَالْمَتْبُوعِ، وَالْمَعْنَى فِي الْحَدِيثِ صَالِحٌ عَلَى الرَّأْيَيْنِ، فَإِنْ كَانَ الْمُرَادُ التَّابِعَ فَالْمَعْنَى إِنَّ عَلَيْكَ مِثْلُ إِثْمِ التَّابِعِ لَكَ عَلَى تَرْكِ الدُّخُولِ فِي الْإِسْلَامِ، وَإِنْ كَانَ الْمُرَادُ الْمَتْبُوعُ، فَكَأَنَّهُ قَالَ: فَإِنَّ عَلَيْكَ إِثْمَ الْمَتْبُوعِينَ، وَإِثْمُ الْمَتْبُوعِينَ يُضَاعَفُ بِاعْتِبَارِ مَا وَقَعَ لَهُمْ مِنْ عَدَمِ الْإِذْعَانِ إِلَى الْحَقِّ مِنْ إِضْلَالِ أَتْبَاعِهِمْ. وَقَالَ النَّوَوِيُّ: نَبَّهَ بِذِكْرِ الْفَلَّاحِينَ عَلَى بَقِيَّةِ الرَّعِيَّةِ؛ لِأَنَّهُمُ الْأَغْلَبُ، وَلِأَنَّهُمْ أَسْرَعُ انْقِيَادًا. وَتُعُقِّبَ بِأَنَّ مِنَ الرَّعَايَا غَيْرِ الْفَلَّاحِينَ مَنْ لَهُ صَرَامَةٌ وَقُوَّةٌ وَعَشِيرَةٌ، فَلَا يَلْزَمُ مِنْ دُخُولِ الْفَلَّاحِينَ فِي الْإِسْلَامِ دُخُولُ بَقِيَّةِ الرَّعَايَا حَتَّى يَصِحَّ أَنَّهُ نَبَّهَ بِذِكْرِهِمْ عَلَى الْبَاقِينَ، كَذَا تَعَقَّبَهُ شَيْخُنَا شَيْخُ الْإِسْلَامِ. وَالَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ مُرَادَ النَّوَوِيِّ أَنَّهُ نَبَّهَ طَائِفَةً مِنَ الطَّوَائِفِ عَلَى بَقِيَّةِ الطَّوَائِفِ كَأَنَّهُ يَقُولُ: إِذَا امْتَنَعَتْ كَانَ عَلَيْكَ إِثْمُ كُلِّ مَنِ امْتَنَعَ بِامْتِنَاعِكَ وَكَانَ يُطِيعُ لَوْ أَطَعْتَ كَالْفَلَّاحِينَ، فَلَا وَجْهٌ لِلتَّعَقُّبِ عَلَيْهِ. نَعَمْ قَوْلُ أَبِي عُبَيْدٍ فِي كِتَابِ الْأَمْوَالِ: لَيْسَ الْمُرَادُ