للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

فِي مَجْلِسِنَا، ارْجِعْ إِلَى رَحْلِكَ، فَمَنْ جَاءَكَ فَاقْصُصْ عَلَيْهِ، فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَوَاحَةَ: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَاغْشَنَا بِهِ فِي مَجَالِسِنَا؛ فَإِنَّا نُحِبُّ ذَلِكَ، فَاسْتَبَّ الْمُسْلِمُونَ وَالْمُشْرِكُونَ وَالْيَهُودُ، حَتَّى كَادُوا يَتَثَاوَرُونَ، فَلَمْ يَزَلْ النَّبِيُّ يُخَفِّضُهُمْ حَتَّى سَكَنُوا، ثُمَّ رَكِبَ النَّبِيُّ دَابَّتَهُ، فَسَارَ حَتَّى دَخَلَ عَلَى سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ : يَا سَعْدُ، أَلَمْ تَسْمَعْ مَا قَالَ أَبُو حُبَابٍ؟ يُرِيدُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ أُبَيٍّ، قَالَ كَذَا وَكَذَا، قَالَ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، اعْفُ عَنْهُ، وَاصْفَحْ عَنْهُ، فَوَالَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ لَقَدْ جَاءَ اللَّهُ بِالْحَقِّ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ، وَلَقَدِ اصْطَلَحَ أَهْلُ هَذِهِ الْبُحَيْرَةِ عَلَى أَنْ يُتَوِّجُوهُ، فَيُعَصِّبُونهُ بِالْعِصَابَةِ، فَلَمَّا أَبَى اللَّهُ ذَلِكَ بِالْحَقِّ الَّذِي أَعْطَاكَ اللَّهُ شَرِقَ بِذَلِكَ، فَذَلِكَ فَعَلَ بِهِ مَا رَأَيْتَ، فَعَفَا عَنْهُ رَسُولُ اللَّهِ . وَكَانَ النَّبِيُّ وَأَصْحَابُهُ يَعْفُونَ عَنْ الْمُشْرِكِينَ وَأَهْلِ الْكِتَابِ كَمَا أَمَرَهُمْ اللَّهُ، وَيَصْطبِرُونَ عَلَى الْأَذَى، قَالَ اللَّهُ ﷿: ﴿وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذًى كَثِيرًا﴾ الْآيَةَ، وَقَالَ اللَّهُ: ﴿وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ﴾ إِلَى آخِرِ الْآيَةِ. وَكَانَ النَّبِيُّ يَتَأَوَّلُ الْعَفْوَ مَا أَمَرَهُ اللَّهُ بِهِ حَتَّى أَذِنَ اللَّهُ فِيهِمْ، فَلَمَّا غَزَا رَسُولُ اللَّهِ بَدْرًا فَقَتَلَ اللَّهُ بِهِ صَنَادِيدَ كُفَّارِ قُرَيْشٍ، قَالَ ابْنُ أُبَيٍّ ابْنُ سَلُولَ وَمَنْ مَعَهُ مِنْ الْمُشْرِكِينَ وَعَبَدَةِ الْأَوْثَانِ: هَذَا أَمْرٌ قَدْ تَوَجَّهَ، فَبَايَعُوا الرَّسُولَ عَلَى الْإِسْلَامِ فَأَسْلَمُوا.

قَوْلُهُ: (بَابُ ﴿وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذًى كَثِيرًا﴾ ذَكَرَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ، أَنَّهَا نَزَلَتْ فِي كَعْبِ بْنِ الْأَشْرَفِ، فِيمَا كَانَ يَهْجُو بِهِ النَّبِيَّ وَأَصْحَابَهُ مِنَ الشِّعْرِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي الْمَغَازِي خَبَرُهُ، وَفِيهِ شَرْحُ حَدِيثِ: مَنْ لِكَعْبِ بْنِ الْأَشْرَفِ؛ فَإِنَّهُ آذَى اللَّهَ وَرَسُولَهُ، وَرَوَى ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ، وَابْنُ الْمُنْذِرِ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهَا نَزَلَتْ فِيمَا كَانَ بَيْنَ أَبِي بَكْرٍ وَبَيْنَ فِنْحَاصَ الْيَهُودِيِّ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاءُ﴾ تَعَالَى اللَّهُ عَنْ قَوْلِهِ، فَغَضِبَ أَبُو بَكْرٍ فَنَزَلَتْ.

قَوْلُهُ: (عَلَى قَطِيفَةٍ فَدَكِيَّةٍ) أَيْ: كِسَاءٍ غَلِيظٍ، مَنْسُوبٍ إِلَى فَدَكَ بِفَتْحِ الْفَاءِ وَالدَّالِ، وَهِيَ بَلَدٌ مَشْهُورٌ عَلَى مَرْحَلَتَيْنِ مِنَ الْمَدِينَةِ.

قَوْلُهُ: (يَعُودُ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ) فِيهِ عِيَادَةُ الْكَبِيرِ بَعْضَ أَتْبَاعِهِ فِي دَارِهِ. وَقَوْلُهُ: (فِي بَنِي الْحَارِثِ بْنِ الْخَزْرَجِ) أَيْ: فِي مَنَازِلِ بَنِي الْحَارِثِ، وَهُمْ قَوْمُ سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ.

قَوْلُهُ: (قَبْلَ وَقْعَةِ بَدْرٍ) فِي رِوَايَةِ الْكُشْمِيهَنِيِّ: وَقِيعَةِ.

قَوْلُهُ: (وَذَلِكَ قَبْلَ أَنْ يُسْلِمَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَيٍّ) أَيْ: قَبْلَ الْإِسْلَامِ.

قَوْلُهُ: (فَإِذَا فِي الْمَجْلِسِ أَخْلَاطٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُشْرِكِينَ عَبَدَةِ الْأَوْثَانِ وَالْيَهُودِ وَالْمُسْلِمِينَ) كَذَا فِيهِ تَكْرَارُ لَفْظِ الْمُسْلِمِينَ آخِرًا بَعْدَ الْبُدَاءَةِ بِهِ، وَالْأَوْلَى حَذْفُ أَحَدِهِمَا، وَسَقَطَتِ الثَّانِيَةُ مِنْ رِوَايَةِ مُسْلِمٍ وَغَيْرِهِ. وَأَمَّا قَوْلُهُ: عَبَدَةِ الْأَوْثَانِ فَعَلَى الْبَدَلِ مِنَ الْمُشْرِكِينَ، وَقَوْلُهُ: الْيَهُودِ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَعْطُوفًا عَلَى الْبَدَلِ أَوْ عَلَى الْمُبْدَلِ مِنْهُ وَهُوَ أَظْهَرُ؛ لِأَنَّ الْيَهُودَ مُقِرُّونَ بِالتَّوْحِيدِ، نَعَمْ مِنْ لَازِمِ قَوْلِ مَنْ قَالَ مِنْهُمْ: عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ - تَعَالَى عَنْ قَوْلِهِمُ - الْإِشْرَاكُ، وَعَطْفُهُمْ عَلَى أَحَدِ التَّقْدِيرَيْنِ تَنْوِيهًا بِهِمْ فِي الشَّرِّ، ثُمَّ ظَهَرَ لِي رُجْحَانُ أَنْ يَكُونَ عَطْفًا عَلَى الْمُبْدَلِ مِنْهُ، كَأَنَّهُ فَسَّرَ الْمُشْرِكِينَ بِعبدةِ الْأَوْثَانِ وَبِالْيَهُودِ، وَمِنْهُ يَظْهَرُ تَوْجِيهُ إِعَادَةِ لَفْظِ الْمُسْلِمِينَ