للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

جَعَلْنَاهُ عِيدًا بَعْدَ إِدْرَاكِنَا اسْتِحْقَاقَ ذَلِكَ الْيَوْمِ لِلتَّعَبُّدِ فِيهِ، قَالَ: وَإِنَّمَا لَمْ يَجْعَلْهُ يَوْمَ النُّزُولِ؛ لِأَنَّهُ ثَبَتَ أَنَّ النُّزُولَ كَانَ بَعْدَ الْعَصْرِ، وَلَا يَتَحَقَّقُ الْعِيدُ إِلَّا مِنْ أَوَّلِ النَّهَارِ، وَلِهَذَا قَالَ الْفُقَهَاءُ: إِنَّ رُؤْيَةَ الْهِلَالِ نَهَارًا تَكُونُ لِلَّيْلَةِ الْمُسْتَقْبَلَةِ، انْتَهَى. وَالتَّنْصِيصُ عَلَى أَنَّ تَسْمِيَةَ يَوْمِ عَرَفَةَ يَوْمُ عِيدٍ يُغْنِي عَنْ هَذَا التَّكَلُّفِ؛ فَإِنَّ الْعِيدَ مُشْتَقٌّ مِنَ الْعَوْدِ، وَقِيلَ لَهُ ذَلِكَ لِأَنَّهُ يَعُودُ فِي كُلِّ عَامٍ. وَقَدْ نَقَلَ الْكَرْمَانِيُّ، عَنِ الزَّمَخْشَرِيِّ أَنَّ الْعِيدَ هُوَ السُّرُورُ الْعَائِدُ وَأَقَرَّ ذَلِكَ، فَالْمَعْنَى أَنَّ كُلَّ يَوْمٍ شُرِعَ تَعْظِيمُهُ يُسَمَّى عِيدًا انْتَهَى. وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ هُوَ عِيدٌ لِبَعْضِ النَّاسِ دُونَ بَعْضٍ، وَهُوَ لِلْحُجَّاجِ خَاصَّةً، وَلِهَذَا يُكْرَهُ لَهُمْ صَوْمُهُ، بِخِلَافِ غَيْرِهِمْ فَيُسْتَحَبُّ، وَيَوْمُ الْعِيدِ لَا يُصَامُ.

وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي شَرْحِ هَذَا الْحَدِيثِ فِي كِتَابِ الْإِيمَانِ بَيَانُ مَنْ رَوَى فِي حَدِيثِ الْبَابِ، أَنَّ الْآيَةَ نَزَلَتْ يَوْمَ عِيدٍ، وَأَنَّهُ عِنْدَ التِّرْمِذِيِّ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَأَمَّا تَعْلِيلُهُ لِتَرْكِ جَعْلِهِ عِيدًا بِأَنَّ نُزُولَ الْآيَةِ كَانَ بَعْدَ الْعَصْرِ فَلَا يَمْنَعُ أَنْ يُتَّخَذَ عِيدًا، وَيُعَظَّمُ ذَلِكَ الْيَوْمُ مِنْ أَوَّلِهِ لِوُقُوعِ مُوجَبِ التَّعْظِيمِ فِي أَثْنَائِهِ، وَالتَّنْظِيرُ الَّذِي نَظَّرَ بِهِ لَيْسَ بِمُسْتَقِيمٍ؛ لِأَنَّ مَرْجِعَ ذَلِكَ مِنْ جِهَةِ سَيْرِ الْهِلَالِ، وَإِنِّي لَأَتَعَجَّبُ مِنْ خَفَاءِ ذَلِكَ عَلَيْهِ. وَفِي الْحَدِيثِ بَيَانُ ضَعْفِ مَا أَخْرَجَهُ الطَّبَرِيُّ بِسَنَدٍ فِيهِ ابْنُ لَهِيعَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ نَزَلَتْ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ، وَضَعَّفَ مَا أَخْرَجَهُ مِنْ طَرِيقِ الْعَوْفِيِّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ الْيَوْمَ الْمَذْكُورَ لَيْسَ بِمَعْلُومٍ، وَعَلَى مَا أَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ بِسَنَدٍ مُنْقَطِعٍ أَنَّهَا نَزَلَتْ يَوْمَ التَّرْوِيَةِ وَرَسُولُ اللَّهِ ﷺ بِفِنَاءِ الْكَعْبَةِ، فَأَمَرَ النَّاسَ أَنْ يَرُوحُوا إِلَى مِنًى وَصَلَّى الظُّهْرَ بِهَا، قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: حَدِيثُ عُمَرَ أَوْلَى، هُوَ كَمَا قَالَ.

وَاسْتُدِلَّ بِهَذَا الْحَدِيثِ عَلَى مَزِيَّةِ الْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ عَلَى غَيْرِهِ مِنَ الْأَيَّامِ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى إِنَّمَا يَخْتَارُ لِرَسُولِهِ الْأَفْضَلَ، وَأَنَّ الْأَعْمَالَ تَشْرُفُ بِشَرَفِ الْأَزْمِنَةِ كَالْأَمْكِنَةِ، وَيَوْمُ الْجُمُعَةِ أَفْضَلُ أَيَّامِ الْأُسْبُوعِ، وَقَدْ ثَبَتَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا: خَيْرُ يَوْمٍ طَلَعَتْ فِيهِ الشَّمْسُ يَوْمُ الْجُمُعَةِ الْحَدِيثَ، وَلِأَنَّ فِي يَوْمِ الْجُمُعَةِ السَّاعَةَ الْمُسْتَجَابَ فِيهَا الدُّعَاءُ، وَلَا سِيَّمَا عَلَى قَوْلِ مَنْ قَالَ: إِنَّهَا بَعْدَ الْعَصْرِ، وَأَمَّا مَا ذَكَرَهُ رَزِينٌ فِي جَامِعِهِ مَرْفُوعًا: خَيْرُ يَوْمٍ طَلَعَتْ فِيهِ الشَّمْسُ يَوْمُ عَرَفَةَ وَافَقَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، وَهُوَ أَفْضَلُ مِنْ سَبْعِينَ حَجَّةٍ فِي غَيْرِهَا فَهُوَ حَدِيثٌ لَا أَعْرِفُ حَالَهُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ صَحَابِيَّهُ وَلَا مَنْ أَخْرَجَهُ، بَلْ أَدْرَجَهُ فِي حَدِيثِ الْمُوَطَّأِ الَّذِي ذَكَرَهُ مُرْسَلًا عَنْ طَلْحَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ كُرَيْزٍ، وَلَيْسَتِ الزِّيَادَةُ الْمَذْكُورَةُ فِي شَيْءٍ مِنَ الْمُوَطَّآتِ، فَإِنْ كَانَ لَهُ أَصْلٌ احْتَمَلَ أَنْ يُرَادَ بِالسَّبْعِينَ التَّحْدِيدُ أَوِ الْمُبَالَغَةُ، وَعَلَى كُلٍّ مِنْهُمَا فَثَبَتَتِ الْمَزِيَّةُ بِذَلِكَ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

٣ - بَاب ﴿فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا﴾ تَيَمَّمُوا: تَعَمَّدُوا، ﴿آمِّينَ﴾ عَامِدِينَ، أَمَّمْتُ وَتَيَمَّمْتُ وَاحِدٌ، وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: لَمَسْتُمْ وَ ﴿تَمَسُّوهُنَّ﴾، ﴿اللاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ﴾ وَالْإِفْضَاءُ: النِّكَاحُ

٤٦٠٧ - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ قَالَ: حَدَّثَنِي مَالِكٌ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ ﵂ زَوْجِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَتْ: خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فِي بَعْضِ أَسْفَارِهِ، حَتَّى إِذَا كُنَّا بِالْبَيْدَاءِ - أَوْ بِذَاتِ الْجَيْشِ - انْقَطَعَ عِقْدٌ لِي، فَأَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ عَلَى الْتِمَاسِهِ، وَأَقَامَ النَّاسُ مَعَهُ، وَلَيْسُوا عَلَى مَاءٍ وَلَيْسَ مَعَهُمْ مَاءٌ، فَأَتَى النَّاسُ إِلَى أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ فَقَالُوا: أَلَا تَرَى مَا صَنَعَتْ عَائِشَةُ بِرَسُولِ اللَّهِ ﷺ وَبِالنَّاسِ؟ وَلَيْسُوا عَلَى مَاءٍ وَلَيْسَ مَعَهُمْ مَاءٌ، فَجَاءَ أَبُو بَكْرٍ وَرَسُولُ اللَّهِ ﷺ وَاضِعٌ رَأْسَهُ عَلَى فَخِذِي قَدْ نَامَ، فَقَالَ: حَبَسْتِ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ وَالنَّاسَ، لَيْسُوا عَلَى مَاءٍ وَلَيْسَ مَعَهُمْ مَاءٌ، قَالَتْ عَائِشَةُ: فَعَاتَبَنِي أَبُو بَكْرٍ، وَقَالَ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَقُولَ، وَجَعَلَ