للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

قَوْلُهُ: (بَابُ ﴿لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُوا﴾ الْآيَةَ) كَذَا لِأَبِي ذَرٍّ، وَلِغَيْرِهِ: إِلَى قَوْلِهِ: ﴿وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ﴾ وَذَكَرَ فِي حَدِيثِ أَنَسٍ: أَنَّ الْخَمْرَ الَّتِي هُرِيقَتِ الْفَضِيخُ وَسَيَأْتِي شَرْحُهُ فِي الْأَشْرِبَةِ. وَقَوْلُهُ: وَزَادَنِي مُحَمَّدٌ الْبِيكَنْدِيُّ، عَنْ أَبِي النُّعْمَانِ كَذَا ثَبَتَ لِأَبِي ذَرٍّ، وَسَقَطَ لِغَيْرِهِ: الْبِيكَنْدِيُّ، وَمُرَادُهُ أَنَّ الْبِيكَنْدِيَّ سَمِعَهُ مِنْ شَيْخِهِمَا أَبِي النُّعْمَانِ بِالْإِسْنَادِ الْمَذْكُورِ فَزَادَهُ فِيهِ زِيَادَةً. وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْبُخَارِيَّ سَمِعَ الْحَدِيثَ مِنْ أَبِي النُّعْمَانِ مُخْتَصَرًا، وَمِنْ مُحَمَّدِ بْنِ سَلَّامٍ الْبِيكَنْدِيِّ، عَنْ أَبِي النُّعْمَانِ مُطَوَّلًا، وَتَصَرَّفَ الزَّرَكْشِيُّ فِيهِ غَافِلًا عَنْ زِيَادَةِ أَبِي ذَرٍّ، فَقَالَ: الْقَائِلُ وَزَادَنِي هُوَ الْفَرَبْرِيُّ، وَمُحَمَّدٌ هُوَ الْبُخَارِيُّ، وَلَيْسَ كَمَا ظَنَّ ﵀، وَإِنَّمَا هُوَ كَمَا قَدَّمْتُهُ.

قَوْلُهُ: فَنَزَلَتْ تَحْرِيمُ الْخَمْرِ فَأَمَرَ مُنَادِيًا الْآمِرُ بِذَلِكَ هُوَ النَّبِيُّ ﷺ، وَالْمُنَادِي لَمْ أَرَ التَّصْرِيحَ بِاسْمِهِ، وَالْوَقْتُ الَّذِي وَقَعَ ذَلِكَ فِيهِ زَعَمَ الْوَاحِدِيُّ أَنَّهُ عَقِبَ قَوْلِ حَمْزَةَ: إِنَّمَا أَنْتُمْ عَبِيدٌ لِأَبِي، وَحَدِيثُ جَابِرٍ يَرُدُّ عَلَيْهِ.

وَالَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ تَحْرِيمَهَا كَانَ عَامَ الْفَتْحِ سَنَةَ ثَمَانٍ؛ لِمَا رَوَى أَحْمَدُ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ وَعْلَةَ قَالَ: سَأَلْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ عَنْ بَيْعِ الْخَمْرِ فَقَالَ: كَانَ لِرَسُولِ اللَّهِ ﷺ صَدِيقٌ مِنْ ثَقِيفٍ - أَوْ دَوْسٍ - فَلَقِيَهُ يَوْمَ الْفَتْحِ بِرَاوِيَةِ خَمْرٍ يُهْدِيهَا إِلَيْهِ، فَقَالَ: يَا فُلَانُ، أَمَا عَلِمْتَ أَنَّ اللَّهَ حَرَّمَهَا؟ فَأَقْبَلَ الرَّجُلُ عَلَى غُلَامِهِ، فَقَالَ: بِعْهَا. فَقَالَ: إِنَّ الَّذِي حَرَّمَ شُرْبَهَا حَرَّمَ بَيْعَهَا. وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ أَبِي وَعْلَةَ نَحْوَهُ، وَلَكِنْ لَيْسَ فِيهِ تَعْيِينُ الْوَقْتِ. وَرَوَى أَحْمَدُ مِنْ طَرِيقِ نَافِعِ بْنِ كَيْسَانَ الثَّقَفِيِّ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ كَانَ يَتَّجِرُ فِي الْخَمْرِ، وَأَنَّهُ أَقْبَلَ مِنَ الشَّامِ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي جِئْتُكَ بِشَرَابٍ جَيِّدٍ، فَقَالَ: يَا كَيْسَانُ إِنَّهَا حُرِّمَتْ بَعْدَكَ، قَالَ: فَأَبِيعُهَا؟ قَالَ: إِنَّهَا حُرِّمَتْ وَحُرِّمَ ثَمَنُهَا، وَرَوَى أَحْمَدُ، وَأَبُو يَعْلَى مِنْ حَدِيثِ تَمِيمٍ الدَّارِيِّ أَنَّهُ كَانَ يُهْدِي لِرَسُولِ اللَّهِ ﷺ كُلَّ عَامٍ روايَةَ خَمْرٍ، فَلَمَّا كَانَ عَامَ حُرِّمَتْ جَاءَ بِرَاوِيَةٍ فَقَالَ: أَشَعَرْتَ أَنَّهَا قَدْ حُرِّمَتْ بَعْدَكَ؟ قَالَ: أَفَلَا أَبِيعُهَا وَأَنْتَفِعُ بِثَمَنِهَا؟ فَنَهَاهُ. وَيُسْتَفَادُ مِنْ حَدِيثِ كَيْسَانَ تَسْمِيَةُ الْمُبْهَمِ فِي حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَمِنْ حَدِيثِ تَمِيمٍ تَأْيِيدُ الْوَقْتِ الْمَذْكُورِ فَإِنَّ إِسْلَامَ تَمِيمٍ كَانَ بَعْدَ الْفَتْحِ، وَقَوْلُهُ فَقَالَ بَعْضُ الْقَوْمِ قُتِلَ قَوْمٌ وَهِيَ فِي بُطُونِهِمْ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى، إِلَخْ لَمْ أَقِفْ عَلَى اسْمِ الْقَائِلِ.

(فَائِدَةٌ):

فِي رِوَايَةِ الْإِسْمَاعِيلِيِّ، عَنِ ابْنِ نَاجِيَةَ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ عُبَيْدَةَ، وَمُحَمَّدِ بْنِ مُوسَى، عَنْ حَمَّادٍ فِي آخِرِ هَذَا الْحَدِيثِ قَالَ حَمَّادٌ: فَلَا أَدْرِي هَذَا فِي الْحَدِيثِ - أَيْ عَنْ أَنَسٍ - أَوْ قَالَهُ ثَابِتٌ أَيْ مُرْسَلًا، يَعْنِي قَوْلَهُ فَقَالَ بَعْضُ الْقَوْمِ إِلَى آخِرِ الْحَدِيثِ. وَكَذَا عِنْدَ مُسْلِمٍ، عَنْ أَبِي الرَّبِيعِ الزَّهْرَانِيِّ، عَنْ حَمَّادٍ نَحْوُ هَذَا. وَتَقَدَّمَ لِلْمُصَنِّفِ فِي الْمَظَالِمِ عَنْ أَنَسٍ بِطُولِهِ مِنْ طَرِيقِ عَفَّانَ، عَنْ حَمَّادٍ كَمَا وَقَعَ عِنْدَهُ فِي هَذَا الْبَابِ، فَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَأَخْرَجَهُ ابْنُ مَرْدَوَيْهِ مِنْ طَرِيقِ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ بِطُولِهِ وَفِيهِ الزِّيَادَةُ الْمَذْكُورَةُ. وَرَوَى النَّسَائِيُّ، وَالْبَيْهَقِيُّ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ نَزَلَ تَحْرِيمُ الْخَمْرِ فِي نَاسٍ شَرِبُوا، فَلَمَّا ثَمِلُوا عَبَثُوا، فَلَمَّا صَحَوْا جَعَلَ بَعْضُهُمْ يَرَى الْأَثَرَ بِوَجْهِ الْآخَرِ فَنَزَلَتْ، فَقَالَ نَاسٌ مِنَ الْمُتكَلَّفِينَ: هِيَ رِجْسٌ وَهِيَ فِي بَطْنِ فُلَانٍ وَقَدْ قُتِلَ بِأُحُدٍ، فَنَزَلَتْ: ﴿لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ﴾ إِلَى آخِرِهَا.

وَرَوَى الْبَزَّارُ مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ أَنَّ الَّذِينَ قَالُوا ذَلِكَ كَانُوا مِنَ الْيَهُودِ، وَرَوَى أَصْحَابُ السُّنَنِ مِنْ طَرِيقِ أَبِي مَيْسَرَةَ عَنْ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ: اللَّهُمَّ بَيِّنْ لَنَا فِي الْخَمْرِ بَيَانًا شَافِيًا، فَنَزَلَتِ الْآيَةُ الَّتِي فِي الْبَقَرَةِ: ﴿قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ﴾ فَقُرِئَتْ عَلَيْهِ، فَقَالَ: اللَّهُمَّ بَيِّنْ لَنَا فِي الْخَمْرِ بَيَانًا شَافِيًا، فَنَزَلَتِ الَّتِي فِي النِّسَاءِ: ﴿لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى﴾ فَقُرِئَتْ عَلَيْهِ، فَقَالَ: اللَّهُمَّ بَيِّنْ لَنَا فِي الْخَمْرِ بَيَانًا شَافِيًا، فَنَزَلَتِ الَّتِي فِي الْمَائِدَةِ: فَاجْتَنِبُوهُ - إِلَى قَوْلِهِ - مُنْتَهُونَ، فَقَالَ عُمَرُ: انْتَهَيْنَا انْتَهَيْنَا وَصَحَّحَهُ عَلِيٌّ بْنُ الْمَدِينِيِّ، وَالتِّرْمِذِيُّ. وَأَخْرَجَ أَحْمَدُ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ نَحْوَهُ دُونَ قِصَّةِ عُمَرَ، لَكِنْ قَالَ عِنْدَ نُزُولِ آيَةِ الْبَقَرَةِ فَقَالَ النَّاسُ: مَا حُرِّمَ عَلَيْنَا، فَكَانُوا