للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

قَوْلُهُ: بَابُ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ﴾ كَرَّمْنَا وَأَكْرَمْنَا وَاحِدٌ) أَيْ فِي الْأَصْلِ، وَإِلَّا فَالتَّشْدِيدُ أَبْلَغُ، قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: كَرَّمْنَا أَيْ أَكْرَمْنَا إِلَّا أَنَّهَا أَشَدُّ مُبَالَغَةً فِي الْكَرَامَةِ انْتَهَى. وَهِيَ مِنْ كَرُمَ بِضَمِّ الرَّاءِ مِثْلُ شَرُفَ وَلَيْسَ مِنَ الْكَرَمِ الَّذِي هُوَ فِي الْمَالِ.

قَوْلُهُ: ﴿ضِعْفَ الْحَيَاةِ وَضِعْفَ الْمَمَاتِ﴾ عَذَابُ الْحَيَاةِ وَعَذَابُ الْمَمَاتِ) قَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ فِي قَوْلِهِ: ﴿ضِعْفَ الْحَيَاةِ﴾ مُخْتَصَرٌ، وَالتَّقْدِيرُ ضِعْفَ عَذَابِ الْحَيَاةِ وَضِعْفَ عَذَابِ الْمَمَاتِ. وَرَوَى الطَّبَرِيُّ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ فِي قَوْلِهِ: ﴿ضِعْفَ الْحَيَاةِ﴾ قَالَ: عَذَابُهَا ﴿وَضِعْفَ الْمَمَاتِ﴾ قَالَ: عَذَابُ الْآخِرَةِ. وَمِنْ طَرِيقِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: ضِعْفَ عَذَابِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ. وَمِنْ طَرِيقِ سَعِيدٍ، عَنْ قَتَادَةَ مِثْلُهُ. وَتَوْجِيهُ ذَلِكَ أَنَّ عَذَابَ النَّارِ يُوصَفُ بِالضِّعْفِ، قَالَ: لِقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿عَذَابًا ضِعْفًا مِنَ النَّارِ﴾ أَيْ عَذَابًا مُضَاعَفًا، فَكَأَنَّ الْأَصْلَ لَأَذَقْنَاكَ عَذَابًا ضِعْفًا فِي الْحَيَاةِ ثُمَّ حَذَفَ الْمَوْصُوفَ وَأَقَامَ الصِّفَةَ مَقَامَهُ ثُمَّ أُضِيفَتِ الصِّفَةُ إِضَافَةَ الْمَوْصُوفِ ; فَهُوَ كَمَا لَوْ قِيلَ أَلِيمُ الْحَيَاةِ مَثْلًا.

قَوْلُهُ: ﴿خِلافَكَ﴾ وَخَلْفَكَ سَوَاءٌ) قَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ فِي قَوْلِهِ: (وَإِذًا لَا يَلْبَثُونَ خَلْفَكَ إِلَّا قَلِيلًا) أَيْ بَعْدَكَ قَالَ: خِلَافُكَ وَخَلْفُكَ سَوَاءٌ، وَهُمَا لُغَتَانِ بِمَعْنًى ; وَقُرِئَ بِهِمَا. قُلْتُ: وَالْقِرَاءَتَانِ مَشْهُورَتَانِ، فَقَرَأَ خَلْفَكَ الْجُمْهُورُ، وَقَرَأَ ﴿خِلافَكَ﴾ ابْنُ عَامِرٍ وَالْإِخْوَانِ، وَهِيَ رِوَايَةُ حَفْصٍ، عَنْ عَاصِمٍ.

قَوْلُهُ: (وَنَأَى تَبَاعَدَ) هُوَ قَوْلُ أَبِي عُبَيْدَةَ، قَالَ فِي قَوْلِهِ: ﴿وَنَأَى بِجَانِبِهِ﴾ أَيْ تَبَاعَدَ.

قَوْلُهُ: (شَاكِلَتُهُ نَاحِيَتُهُ وَهِيَ مِنْ شَكَلْتُهُ) وَصَلَهُ الطَّبَرِيُّ مِنْ طَرِيقِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ: ﴿عَلَى شَاكِلَتِهِ﴾ قَالَ: عَلَى نَاحِيَتِهِ، وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ: عَلَى طَبِيعَتِهِ وَعَلَى حِدَتِهِ، وَمِنْ طَرِيقِ سَعِيدٍ، عَنْ قَتَادَةَ قَالَ: يَقُولُ عَلَى نَاحِيَتِهِ وَعَلَى مَا يَنْوِي. وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ: ﴿قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلَى شَاكِلَتِهِ﴾ أَيْ عَلَى نَاحِيَتِهِ وَخِلْقَتِهِ، وَمِنْهَا قَوْلُهُمْ هَذَا مِنْ شَكْلُ هَذَا.

قَوْلُهُ: ﴿صَرَّفْنَا﴾ وَجَّهْنَا) قَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ فِي قَوْلِهِ: ﴿وَلَقَدْ صَرَّفْنَا لِلنَّاسِ فِي هَذَا الْقُرْآنِ﴾ أَيْ وَجَّهْنَا وَبَيَّنَّا.

قَوْلُهُ: (حَصِيرًا مَحْبِسًا) (١) هُوَ قَوْلُ أَبِي عُبَيْدَةَ أَيْضًا، وَهُوَ بِفَتْحِ الْمِيمِ وَكَسْرِ الْمُوَحَّدَةِ، وَرَوَى ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ مِنْ طَرِيقِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: ﴿حَصِيرًا﴾ أَيْ سِجْنًا.

قَوْلُهُ: (قَبِيلًا مُعَايَنَةً وَمُقَابَلَةً. وَقِيلَ الْقَابِلَةُ لِأَنَّهَا مُقَابِلَتُهَا وَتَقْبَلُ وَلَدَهَا) قَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ: ﴿وَالْمَلائِكَةِ قَبِيلا﴾ مَجَازُ مُقَابَلَةٍ أَيْ مُعَايَنَةٍ، قَالَ الْأَعْشَى:

كَصَرْخَةِ حُبْلَى بَشَّرَتْهَا قَبِيلُهَا

أَيْ قَابِلَتُهَا، وَقَالَ ابْنُ التِّينِ: ضَبَطَ بَعْضُهُمْ تَقْبُلُ وَلَدَهَا بِضَمِّ الْمُوَحَّدَةِ وَلَيْسَ بِشَيْءٍ، وَرَوَى ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ مِنْ طَرِيقِ سَعِيدٍ عَنْ قَتَادَةَ ﴿قَبِيلا﴾ أَيْ جُنْدًا تُعَايِنُهُمْ مُعَايَنَةً.

قَوْلُهُ: ﴿خَشْيَةَ الإِنْفَاقِ﴾ يُقَالُ أَنْفَقَ الرَّجُلُ أَمْلَقَ وَنَفَقَ الشَّيْءِ ذَهَبَ) كَذَا ذَكَرَهُ هُنَا، وَالَّذِي قَالَهُ أَبُو عُبَيْدَةَ فِي قَوْلِهِ: ﴿وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ مِنْ إِمْلاقٍ﴾ أَيْ مِنْ ذَهَابِ مَالٍ، يُقَالُ أَمْلَقَ فُلَانٌ ذَهَبَ مَالُهُ، وَفِي قَوْلِهِ: ﴿وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلاقٍ﴾ أَيْ فَقْرٍ، وَقَوْلُهُ: نَفَقَ الشَّيْءَ ذَهَبَ هُوَ بِفَتْحِ الْفَاءِ وَيَجُوزُ كَسْرُهَا هُوَ قَوْلُ أَبِي عُبَيْدَةَ، وَرَوَى ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ مِنْ طَرِيقِ السُّدِّيِّ قَالَ: ﴿خَشْيَةَ الإِنْفَاقِ﴾ أَيْ خَشْيَةَ أَنْ يُنْفِقُوا فَيَفْتَقِرُوا.

قَوْلُهُ: ﴿قَتُورًا﴾ مُقْتِرًا) هُوَ قَوْلُ أَبِي عُبَيْدَةَ أَيْضًا.

قَوْلُهُ: ﴿لِلأَذْقَانِ﴾ مُجْتَمَعُ اللَّحْيَيْنِ، الْوَاحِدُ ذَقَنٌ) هُوَ قَوْلُ أَبِي عُبَيْدَةَ أَيْضًا، وَسَيَأْتِي لَهُ تَفْسِيرٌ آخَرُ قَرِيبًا، وَاللَّحْيَيْنِ بِفَتْحِ اللَّامِ وَيَجُوزِ كَسْرُهَا تَثْنِيَةُ لِحْيَةِ.

قَوْلُهُ: (وَقَالَ مُجَاهِدٌ: ﴿مَوْفُورًا﴾ وَافِرًا) وَصَلَهُ الطَّبَرِيُّ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ عَنْهُ سَوَاءٌ.

قَوْلُهُ: ﴿تَبِيعًا﴾ ثَائِرًا، وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: نَصِيرًا) أَمَّا قَوْلُ مُجَاهِدٍ فَوَصَلَهُ الطَّبَرِيُّ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ عَنْهُ فِي قَوْلِهِ: ﴿ثُمَّ لا تَجِدُوا لَكُمْ عَلَيْنَا


(١) في هامش طبعة بولاق: تقدم ذلك وكتب عليه الشارح، وليس بالمتن الذي بأيدينا.