للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وَهُوَ قَوْلُهُ تَعَالَى: كُنْ فَكَأَنَّهُ قَالَ: هِيَ مَوْجُودَةٌ مُحْدَثَةٌ بِأَمْرِ اللَّهِ وَتَكْوِينِهِ، وَلَهَا تَأْثِيرٌ فِي إِفَادَةِ الْحَيَاةِ لِلْجَسَدِ، وَلَا يَلْزَمُ مِنْ عَدَمِ الْعِلْمِ بِكَيْفِيَّتِهَا الْمَخْصُوصَةِ نَفْيُهُ. قَالَ: وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِالْأَمْرِ فِي قَوْلِهِ: ﴿مِنْ أَمْرِ رَبِّي﴾ الْفِعْلَ، كَقَوْلِهِ: ﴿وَمَا أَمْرُ فِرْعَوْنَ بِرَشِيدٍ﴾ أَيْ فِعْلُهُ فَيَكُونُ الْجَوَابُ الرُّوحَ مِنْ فِعْلِ رَبِّي، وَإِنْ كَانَ السُّؤَالُ هَلْ هِيَ قَدِيمَةٌ أَوْ حَادِثَةٌ فَيَكُونُ الْجَوَابُ إِنَّهَا حَادِثَةٌ. إِلَى أَنْ قَالَ: وَقَدْ سَكَتَ السَّلَفُ عَنِ الْبَحْثِ فِي هَذِهِ الْأَشْيَاءِ وَالتَّعَمُّقِ فِيهَا اهـ.

وَقَدْ تَنَطَّعَ قَوْمٌ فَتَبَايَنَتْ أَقْوَالُهُمْ، فَقِيلَ: هِيَ النَّفَسُ الدَّاخِلُ وَالْخَارِجُ، وَقِيلَ الْحَيَاةُ، وَقِيلَ جِسْمٌ لَطِيفٌ يَحِلُّ فِي جَمِيعِ الْبَدَنِ، وَقِيلَ هِيَ الدَّمُ، وَقِيلَ هِيَ عَرَضٌ، حَتَّى قِيلَ إِنَّ الْأَقْوَالَ فِيهَا بَلَغَتْ مِائَةً. وَنَقَلَ ابْنُ مَنْدَهْ عَنْ بَعْضِ الْمُتَكَلِّمِينَ أَنَّ لِكُلِّ نَبِيٍّ خَمْسَةَ أَرْوَاحٍ، وَأَنَّ لِكُلِّ مُؤْمِنٍ ثَلَاثَةً، وَلِكُلِّ حَيٍّ وَاحِدَةً. وَقَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ: اخْتَلَفُوا فِي الرُّوحِ وَالنَّفْسِ، فَقِيلَ مُتَغَايِرَانِ وَهُوَ الْحَقُّ، وَقِيلَ هُمَا شَيْءٌ وَاحِدٌ، قَالَ: وَقَدْ يُعَبَّرُ بِالرُّوحِ عَنِ النَّفْسِ وَبِالْعَكْسِ، كَمَا يُعَبَّرُ عَنِ الرُّوحِ وَعَنِ النَّفْسِ بِالْقَلْبِ وَبِالْعَكْسِ، وَقَدْ يُعَبَّرُ عَنِ الرُّوحِ بِالْحَيَاةِ حَتَّى يَتَعَدَّى ذَلِكَ إِلَى غَيْرِ الْعُقَلَاءِ بَلْ إِلَى الْجَمَادِ مَجَازًا. وَقَالَ السُّهَيْلِيُّ: يَدُلُّ عَلَى مُغَايَرَةِ الرُّوحِ وَالنَّفْسِ قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي﴾ وَقَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ﴾ فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ جَعْلُ أَحَدِهِمَا مَوْضِعَ الْآخَرِ وَلَوْلَا التَّغَايُرُ لَسَاغَ ذَلِكَ.

قَوْلُهُ: (فَأَمْسَكَ النَّبِيُّ ﷺ فَلَمْ يَرُدَّ عَلَيْهِمْ) فِي رِوَايَةِ الْكُشْمِيهَنِيِّ عَلَيْهِ بِالْإِفْرَادِ، وَفِي رِوَايَةِ الْعِلْمِ فَقَامَ مُتَوَكِّئًا عَلَى الْعَسِيبِ وَأَنَا خَلْفَهُ.

قَوْلُهُ: (فَعَلِمْتُ أَنَّهُ يُوحَى إِلَيْهِ) فِي رِوَايَةِ التَّوْحِيدِ فَظَنَنْتُ أَنَّهُ يُوحَى إِلَيْهِ وَفِي الِاعْتِصَامِ فَقُلْتُ: إِنَّهُ يُوحَى إِلَيْهِ وَهِيَ مُتَقَارِبَةٌ، وَإِطْلَاقُ الْعِلْمِ عَلَى الظَّنِّ مَشْهُورٌ، وَكَذَا إِطْلَاقُ الْقَوْلِ عَلَى مَا يَقَعُ فِي النَّفْسِ. وَوَقَعَ عِنْدَ ابْنِ مَرْدَوَيْهِ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ إِدْرِيسَ، عَنِ الْأَعْمَشِ فَقَامَ وَحَنَى مِنْ رَأْسِهِ، فَظَنَنْتُ أَنَّهُ يُوحَى إِلَيْهِ.

قَوْلُهُ: (فَقُمْتُ مَقَامِي) فِي رِوَايَةِ الِاعْتِصَامِ فَتَأَخَّرْتُ عَنْهُ أَيْ أَدَبًا مَعَهُ لِئَلَّا يَتَشَوَّشَ بِقُرْبِي مِنْهُ.

قَوْلُهُ: (فَلَمَّا نَزَلَ الْوَحْيُ قَالَ) فِي رِوَايَةِ الِاعْتِصَامِ حَتَّى صَعِدَ الْوَحْيُ فَقَالَ وَفِي رِوَايَةِ الْعِلْمِ فَقُمْتُ فَلَمَّا انْجَلَى.

قَوْلُهُ: ﴿مِنْ أَمْرِ رَبِّي﴾ قَالَ الْإِسْمَاعِيلِيُّ: يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ جَوَابًا وَأَنَّ الرُّوحَ مِنْ جُمْلَةِ أَمْرِ اللَّهِ وَأَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ أَنَّ اللَّهَ اخْتَصَّ بِعِلْمِهِ وَلَا سُؤَالَ لِأَحَدٍ عَنْهُ. وَقَالَ ابْنُ الْقَيِّمِ: لَيْسَ الْمُرَادُ هُنَا بِالْأَمْرِ الطَّلَبَ اتِّفَاقًا، وَإِنَّمَا الْمُرَادُ بِهِ الْمَأْمُورُ، وَالْأَمْرُ يُطْلَقُ عَلَى الْمَأْمُورِ كَالْخَلْقِ عَلَى الْمَخْلُوقِ، وَمِنْهُ ﴿لَمَّا جَاءَ أَمْرُ رَبِّكَ﴾ وَقَالَ ابْنُ بَطَّالٍ: مَعْرِفَةُ حَقِيقَةِ الرُّوحِ مِمَّا اسْتَأْثَرَ اللَّهُ بِعِلْمِهِ بِدَلِيلِ هَذَا الْخَبَرِ، قَالَ: وَالْحِكْمَةُ فِي إِبْهَامِهِ اخْتِبَارُ الْخَلْقِ لِيُعَرِّفَهُمْ عَجْزَهُمْ عَنْ عِلْمِ مَا لَا يُدْرِكُونَهُ حَتَّى يَضْطَرَّهُمْ إِلَى رَدِّ الْعِلْمِ إِلَيْهِ. وَقَالَ الْقُرْطُبِيُّ: الْحِكْمَةُ فِي ذَلِكَ إِظْهَارُ عَجْزِ الْمَرْءِ، لِأَنَّهُ إِذَا لَمْ يَعْلَمْ حَقِيقَةَ نَفْسِهِ مَعَ الْقَطْعِ بِوُجُودِهِ كَانَ عَجْزُهُ عَنْ إِدْرَاكِ حَقِيقَةِ الْحَقِّ مِنْ بَابِ الْأَوْلَى. وَجَنَحَ ابْنُ الْقَيِّمِ فِي كِتَابِ الرُّوحِ إِلَى تَرْجِيحِ أَنَّ الْمُرَادَ بِالرُّوحِ الْمَسْئُولِ عَنْهَا فِي الْآيَةِ مَا وَقَعَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَالْمَلائِكَةُ صَفًّا﴾ قَالَ: وَأَمَّا أَرْوَاحُ بَنِي آدَمَ فَلَمْ يَقَعْ تَسْمِيَتُهَا فِي الْقُرْآنِ إِلَّا نَفْسًا. كَذَا قَالَ، وَلَا دَلَالَةَ فِي ذَلِكَ لِمَا رَجَّحَهُ، بَلِ الرَّاجِحُ الْأَوَّلُ، فَقَدْ أَخْرَجَ الطَّبَرِيُّ مِنْ طَرِيقِ الْعَوْفِيِّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي هَذِهِ الْقِصَّةِ أَنَّهُمْ قَالُوا عَنِ الرُّوحِ: وَكَيْفُ يُعَذَّبُ الرُّوحُ الَّذِي فِي الْجَسَدِ، وَإِنَّمَا الرُّوحُ مِنَ اللَّهِ؟ فَنَزَلَتِ الْآيَةُ.

وَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَيْسَ فِي الْآيَةِ دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّ اللَّهَ لَمْ يُطْلِعْ نَبِيَّهُ عَلَى حَقِيقَةِ الرُّوحِ، بَلْ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ أَطْلَعَهُ وَلَمْ يَأْمُرْهُ أَنَّهُ يُطْلِعُهُمْ، وَقَدْ قَالُوا فِي عِلْمِ السَّاعَةِ نَحْوَ هَذَا وَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَمِمَّنْ رَأَى الْإِمْسَاكَ عَنِ الْكَلَامِ فِي الرُّوحِ أُسْتَاذُ الطَّائِفَةِ أَبُو الْقَاسِمِ فَقَالَ فِيمَا نَقَلَهُ فِي عَوَارِفِ الْمَعَارِفِ عَنْهُ بَعْدَ أَنْ نَقَلَ كَلَامَ النَّاسِ فِي الرُّوحِ: وَكَانَ الْأَوْلَى الْإِمْسَاكُ عَنْ ذَلِكَ وَالتَّأَدُّبُ بِأَدَبِ النَّبِيِّ ﷺ ثُمَّ نُقِلَ عَنِ الْجُنَيْدِ