للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

النِّسْيَانُ إِلَيْهِمَا تَغْلِيبًا، وَالنَّاسِي هُوَ الْفَتَى، نَسِيَ أَنْ يُخْبِرَ مُوسَى كَمَا فِي هَذَا الْحَدِيثِ. وَقِيلَ: بَلِ الْمُرَادُ أَنَّ الْفَتَى نَسِيَ أَنْ يُخْبِرَ مُوسَى بِقِصَّةِ الْحُوتِ، وَنَسِيَ مُوسَى أَنْ يَسْتَخْبِرَهُ عَنْ شَأْنِ الْحُوتِ بَعْدَ أَنِ اسْتَيْقَظَ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ، وَكَانَ بِصَدَدِ أَنْ يَسْأَلَهُ أَيْنَ هُوَ فَنَسِيَ ذَلِكَ. وَقِيلَ: بَلِ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ: (نَسِيَا) أَخَّرَا، مَأْخُوذٌ مِنَ النِّسْيِ بِكَسْرِ النُّونِ وَهُوَ التَّأْخِيرُ، وَالْمَعْنَى أَنَّهُمَا أَخَّرَا افْتِقَادَهُ لِعَدَمِ الِاحْتِيَاجِ إِلَيْهِ، فَلَمَّا احْتَاجَا إِلَيْهِ ذَكَرَاهُ. وَهُوَ بَعِيدٌ، بَلْ صَرِيحُ الْآيَةِ يَدُلُّ عَلَى صِحَّةِ صَرِيحِ الْخَبَرِ، وَأَنَّ الْفَتَى اطَّلَعَ عَلَى مَا جَرَى لِلْحُوتِ وَنَسِيَ أَنْ يُخْبِرَ مُوسَى بِذَلِكَ. وَوَقَعَ عِنْدَ مُسْلِمٍ فِي رِوَايَةِ أَبِي إِسْحَاقَ أَنَّ مُوسَى تَقَدَّمَ فَتَاهُ لَمَّا اسْتَيْقَظَ فَسَارَ، فَقَالَ فَتَاهُ: أَلَا أَلْحَقُ نَبِيَّ اللَّهِ فَأُخْبِرُهُ، قَالَ: فَنَسِيَ أَنْ يُخْبِرَهُ وَذَكَرَ ابْنُ عَطِيَّةَ أَنَّهُ رَأَى سَمَكَةً أَحَدُ جَانِبَيْهَا شَوْكٌ وَعَظْمٌ وَجِلْدٌ رَقِيقٌ عَلَى أَحْشَائِهَا وَنِصْفُهَا الثَّانِي صَحِيحٌ، وَيَذْكُرُ أَهْلُ ذَلِكَ الْمَكَانِ أَنَّهَا مِنْ نَسْلِ حُوتِ مُوسَى، إِشَارَةً إِلَى أَنَّهُ لَمَّا حَيِيَ بَعْدَ أَنْ أَكَلَ مِنْهُ اسْتَمَرَّتْ فِيهِ تِلْكَ الصِّفَةُ ثُمَّ فِي نَسْلِهِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

قَوْلُهُ: (فَأَمْسَكَ اللَّهُ عَنْهُ جِرْيَةَ الْبَحْرِ حَتَّى كَانَ أَثَرُهُ فِي حَجَرٍ) كَذَا فِيهِ بِفَتْحِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَالْجِيمِ، وَفِي رِوَايَةٍ جُحْرٍ بِضَمِّ الْجِيمِ وَسُكُونِ الْمُهْمَلَةِ وَهُوَ وَاضِحٌ.

قَوْلُهُ: (قَالَ لِي عَمْرٌو) الْقَائِلُ هُوَ ابْنُ جُرَيْجٍ (كَأَنَّ أَثَرَهُ فِي حَجَرٍ وَحَلَّقَ بَيْنَ إِبْهَامَيْهِ وَالَّتِي) فِي رِوَايَةِ الْكُشْمِيهَنِيِّ وَاللَّتَيْنِ تَلِيَانِهِمَا يَعْنِي السَّبَّابَتَيْنِ. وَفِي رِوَايَةِ سُفْيَانَ، عَنْ عَمْرٍو فَصَارَ عَلَيْهِ مِثْلَ الطَّاقِ وَهُوَ يُفَسِّرُ مَا أَشَارَ إِلَيْهِ مِنَ الصِّفَةِ. وَفِي رِوَايَةِ أَبِي إِسْحَاقَ عِنْدَ مُسْلِمٍ فَاضْطَرَبَ الْحُوتُ فِي الْمَاءِ فَجَعَلَ لَا يَلْتَئِمُ عَلَيْهِ، صَارَ مِثْلَ الْكُوَّةِ.

قَوْلُهُ: (لَقَدْ لَقِينَا مِنْ سَفَرِنَا هَذَا نَصَبًا) كَذَا وَقَعَ هُنَا مُخْتَصَرًا، وَفِي رِوَايَةِ سُفْيَانَ فَانْطَلَقَا بَقِيَّةَ يَوْمِهِمَا وَلَيْلَتِهِمَا حَتَّى إِذَا كَانَ مِنَ الْغَدِ قَالَ مُوسَى لِفَتَاهُ: ﴿آتِنَا غَدَاءَنَا لَقَدْ لَقِينَا مِنْ سَفَرِنَا هَذَا نَصَبًا﴾ قَالَ الدَّاوُدِيُّ: هَذِهِ الرِّوَايَةُ وَهَمٌ. وَكَأَنَّهُ فَهِمَ أَنَّ الْفَتَى لَمْ يُخْبِرْ مُوسَى إِلَّا بَعْدَ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ، وَلَيْسَ ذَلِكَ الْمُرَادُ بَلِ الْمُرَادُ أَنَّ ابْتِدَاءَهَا مِنْ يَوْمِ خَرَجَا لِطَلَبِهِ، وَيُوَضِّحُ ذَلِكَ مَا فِي رِوَايَةِ أَبِي إِسْحَاقَ عِنْدَ مُسْلِمٍ فَلَمَّا تَجَاوَزَا قَالَ لِفَتَاهُ: ﴿آتِنَا غَدَاءَنَا لَقَدْ لَقِينَا مِنْ سَفَرِنَا هَذَا نَصَبًا﴾ قَالَ: وَلَمْ يُصِبْهُ نَصَبٌ حَتَّى تَجَاوَزَا وَفِي رِوَايَةِ سُفْيَانَ الْمَذْكُورَةِ وَلَمْ يَجِدْ مُوسَى النَّصَبَ حَتَّى جَاوَزَ الْمَكَانَ الَّذِي أَمَرَ اللَّهُ بِهِ.

قَوْلُهُ: (قَالَ: قَدْ قَطَعَ اللَّهُ عَنْكَ النَّصَبَ، لَيْسَتْ هَذِهِ عَنْ سَعِيدٍ) هُوَ قَوْلُ ابْنِ جُرَيْجٍ، وَمُرَادُهُ أَنَّ هَذِهِ اللَّفْظَةَ لَيْسَتْ فِي الْإِسْنَادِ الَّذِي سَاقَهُ.

قَوْلُهُ: (أَخَّرَهُ) كَذَا عِنْدَ أَبِي ذَرٍّ بِهَمْزَةٍ وَمُعْجَمَةٍ وَرَاءٍ وَهَاءٍ، ثُمَّ فِي نُسْخَةٍ مِنْهُ بِمَدِّ الْهَمْزَةِ وَكَسْرِ الْخَاءِ وَفَتْحِ الرَّاءِ بَعْدَهَا هَاءُ ضَمِيرٍ أَيْ إِلَى آخِرِ الْكَلَامِ وَأَحَالَ ذَلِكَ عَلَى سِيَاقِ الْآيَةِ، وَفِي أُخْرَى بِفَتَحَاتٍ وَتَاءِ تَأْنِيثٍ مُنَوَّنَةٍ مَنْصُوبَةٍ، وَفِي رِوَايَةِ غَيْرِ أَبِي ذَرٍّ أَخْبَرَهُ بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَسُكُونِ الْخَاءِ ثُمَّ مُوَحَّدَةٍ مِنَ الْإِخْبَارِ، أَيْ أَخْبَرَ الْفَتَى مُوسَى بِالْقِصَّةِ. وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ سُفْيَانَ فَقَالَ لَهُ فَتَاهُ: ﴿أَرَأَيْتَ إِذْ أَوَيْنَا إِلَى الصَّخْرَةِ﴾ فَسَاقَ الْآيَةَ إِلَى ﴿عَجَبًا﴾ قَالَ: فَكَانَ لِلْحُوتِ سَرَبًا وَلِمُوسَى عَجَبًا وَلِابْنِ أَبِي حَاتِمٍ مِنْ طَرِيقِ قَتَادَةَ قَالَ: عَجَبُ مُوسَى أَنْ تَسَرَّبَ حُوتٌ مُمَلَّحٌ فِي مِكْتَلٍ.

قَوْلُهُ: (فَرَجَعَا فَوَجَدَا خَضِرًا) فِي رِوَايَةِ سُفْيَانَ فَقَالَ مُوسَى: ﴿ذَلِكَ مَا كُنَّا نَبْغِ﴾ أَيْ نَطْلُبُ وَفِي رِوَايَةٍ لِلنَّسَائِيِّ هَذِهِ حَاجَتُنَا وَذَكَرَ مُوسَى مَا كَانَ اللَّهُ عَهِدَ إِلَيْهِ يَعْنِي فِي أَمْرِ الْحُوتِ.

قَوْلُهُ: (فَارْتَدَّا عَلَى آثَارِهِمَا قَصَصًا قَالَ: رَجَعَا يَقُصَّانِ آثَارَهُمَا) أَيْ آثَارَ سَيْرِهِمَا (حَتَّى انْتَهَيَا إِلَى الصَّخْرَةِ) (١) زَادَ النَّسَائِيُّ فِي رِوَايَةٍ لَهُ الَّتِي فَعَلَ فِيهَا الْحُوتُ مَا فَعَلَ وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْفَتَى لَمْ يُخْبِرْ مُوسَى حَتَّى سَارَا زَمَانًا، إِذْ لَوْ أَخْبَرَهُ أَوَّلَ مَا اسْتَيْقَظَ مَا احْتَاجَا إِلَى اقْتِصَاصِ آثَارِهِمَا.

قَوْلُهُ:


(١) في هامش طبعة بولاق: هكذا بالنسخ، وليست بالمتن هنا.