للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

الْغَيْلَانِيَّاتِ مِنْ رِوَايَةِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا رَأَتِ النَّبِيَّ يُكَلِّمُ رَجُلًا وَهُوَ رَاكِبٌ، فَلَمَّا دَخَلَ قُلْتُ: مَنْ هَذَا الَّذِي كُنْتَ تُكَلِّمُهُ، قَالَ: بِمَنْ تُشَبِّهِينَهُ؟ قُلْتُ: بِدِحْيَةَ بْنِ خَلِيفَةَ، قَالَ: ذَاكَ جِبْرِيلُ أَمَرَنِي أَنْ أَمْضِيَ إِلَى بَنِي قُرَيْظَةَ.

قَوْلُهُ: (قَالَ أَبِي) بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَكَسْرِ الْمُوَحَّدَةِ الْخَفِيفَةِ، وَالْقَائِلُ هُوَ مُعْتَمِرُ بْنُ سُلَيْمَانَ، وَقَوْلُهُ: فَقُلْتُ لِأَبِي عُثْمَانَ، أَيِ النَّهْدِيِّ الَّذِي حَدَّثَهُ بِالْحَدِيثِ، وَقَوْلُهُ مِمَّنْ سَمِعْتَ هَذَا؟ قَالَ: مِنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ فِيهِ الِاسْتِفْسَارُ عَنِ اسْمِ مَنْ أُبْهِمَ مِنَ الرُّوَاةِ وَلَوْ كَانَ الَّذِي أُبْهِمَ ثِقَةً مُعْتَمَدًا، وَفَائِدَتُهُ احْتِمَالُ أَنْ لَا يَكُونَ عِنْدَ السَّامِعِ كَذَلِكَ، فَفِي بَيَانِهِ رَفْعٌ لِهَذَا الِاحْتِمَالِ، قَالَ عِيَاضٌ وَغَيْرُهُ: وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّ لِلْمَلَكِ أَنْ يَتَصَوَّرَ عَلَى صُورَةِ الْآدَمِيِّ. وَأَنَّ لَهُ هُوَ فِي ذَاتِهِ صُورَةً لَا يَسْتَطِيعُ الْآدَمِيُّ أَنْ يَرَاهُ فِيهَا لِضَعْفِ الْقُوَى الْبَشَرِيَّةِ إِلَّا مَنْ يَشَاءُ اللَّهُ أَنْ يُقَوِّيَهُ عَلَى ذَلِكَ، وَلِهَذَا كَانَ غَالِبُ مَا يَأْتِي جِبْرِيلُ إِلَى النَّبِيِّ فِي صُورَةِ الرَّجُلِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي بَدْءِ الْوَحْيِ وَأَحْيَانًا يَتَمَثَّلُ لِيَ الْمَلَكُ رَجُلًا وَلَمْ يَرَ جِبْرِيلَ عَلَى صُورَتِهِ الَّتِي خُلِقَ عَلَيْهَا إِلَّا مَرَّتَيْنِ كَمَا ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ.

وَمِنْ هُنَا يَتَبَيَّنُ وَجْهُ دُخُولِ حَدِيثِ أُسَامَةَ هَذَا فِي هَذَا الْبَابِ. قَالُوا: وَفِيهِ فَضِيلَةٌ لِأُمِّ سَلَمَةَ، وَلِدِحْيَةَ، وَفِيهِ نَظَرٌ، لِأَنَّ أَكْثَرَ الصَّحَابَةِ رَأَوْا جِبْرِيلَ فِي صُورَةِ الرَّجُلِ لَمَّا جَاءَ فَسَأَلَهُ عَنِ الْإِيمَانِ وَالْإِسْلَامِ وَالْإِحْسَانِ، وَلِأَنَّ اتِّفَاقَ الشَّبَهِ لَا يَسْتَلْزِمُ إِثْبَاتَ فَضِيلَةٍ مَعْنَوِيَّةٍ، وَغَايَتُهُ أَنْ يَكُونَ لَهُ مَزِيَّةً فِي حُسْنِ الصُّورَةِ حَسْبُ، وَقَدْ قَالَ لِابْنِ قَطَنٍ حِينَ قَالَ: إِنَّ الدَّجَّالَ أَشْبَهُ النَّاسِ بِهِ فَقَالَ: أَيَضُرُّنِي شَبَهُهُ؟ قَالَ: لَا.

الْحَدِيثُ الرَّابِعُ: قَوْلُهُ: (عَنْ أَبِيهِ) هُوَ أَبُو سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيُّ كَيْسَانُ، وَقَدْ سَمِعَ سَعِيدٌ الْمَقْبُرِيُّ الْكَثِيرَ مِنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَسَمِعَ مِنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَوَقَعَ الْأَمْرَانِ فِي الصَّحِيحَيْنِ، وَهُوَ دَالٌّ عَلَى تَثَبُّتِ سَعِيدٍ وَتَحَرِّيهِ.

قَوْلُهُ: (مَا مِنَ الْأَنْبِيَاءِ نَبِيٌّ إِلَّا أُعْطِيَ) هَذَا دَالٌّ عَلَى أَنَّ النَّبِيَّ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ مُعْجِزَةٍ تَقْتَضِي إِيمَانَ مَنْ شَاهَدَهَا بِصِدْقِهِ، وَلَا يَضُرُّهُ مَنْ أَصَرَّ عَلَى الْمُعَانَدَةِ. (مِنَ الْآيَاتِ) أَيِ الْمُعْجِزَاتِ الْخَوَارِقِ.

قَوْلُهُ: (مَا مِثْلُهُ آمَنَ عَلَيْهِ الْبَشَرُ) مَا مَوْصُولَةٌ وَقَعَتْ مَفْعُولًا ثَانِيًا لِأُعْطِيَ، وَمِثْلُهُ مُبْتَدَأٌ، وَآمَنَ خَبَرُهُ، وَالْمِثْلُ يُطْلَقُ وَيُرَادُ بِهِ عَيْنُ الشَّيْءِ وَمَا يُسَاوِيهِ، وَالْمَعْنَى أَنَّ كُلَّ نَبِيٍّ أُعْطِيَ آيَةً أَوْ أَكْثَرَ مِنْ شَأْنِ مَنْ يُشَاهِدُهَا مِنَ الْبَشَرِ أَنْ يُؤْمِنَ بِهِ لِأَجْلِهَا، وَعَلَيْهِ بِمَعْنَى اللَّامِ أَوِ الْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ، وَالنُّكْتَةُ فِي التَّعْبِيرِ بِهَا تَضَمُّنُهَا مَعْنَى الْغَلَبَةِ، أَيْ يُؤْمِنُ بِذَلِكَ مَغْلُوبًا عَلَيْهِ بِحَيْثُ لَا يَسْتَطِيعُ دَفْعَهُ عَنْ نَفْسِهِ، لَكِنْ قَدْ يَجْحَدُ فَيُعَانِدُ، كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: ﴿وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْمًا﴾ وَقَالَ الطِّيبِيُّ: الرَّاجِعُ إِلَى الْمَوْصُولِ ضَمِيرُ الْمَجْرُورِ فِي عَلَيْهِ وَهُوَ حَالٌ، أَيْ مَغْلُوبًا عَلَيْهِ فِي التَّحَدِّي، وَالْمُرَادُ بِالْآيَاتِ الْمُعْجِزَاتِ وَمَوْقِعُ الْمِثْلِ مَوْقِعُهُ مِنْ قَوْلِهِ: ﴿فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِثْلِهِ﴾ أَيْ: عَلَى صِفَتِهِ مِنَ الْبَيَانِ وَعُلُوِّ الطَّبَقَةِ فِي الْبَلَاغَةِ.

(تَنْبِيهٌ): قَوْلُهُ آمَنَ وَقَعَ فِي رِوَايَةٍ حَكَاهَا ابْنُ قُرْقُولٍ أُومِنَ بِضَمِ الْهَمْزَةِ ثُمَّ وَاوٍ، وَسَيَأْتِي فِي كِتَابِ الِاعْتِصَامِ. قَالَ: وَكَتَبَهَا بَعْضُهُمْ بِالْيَاءِ الْأَخِيرَةِ بَدَلَ الْوَاوِ. وَفِي رِوَايَةِ الْقَابِسِيِّ أَمِنَ بِغَيْرِ مَدٍّ مِنَ الْأَمَانِ، وَالْأَوَّلُ هُوَ الْمَعْرُوفُ.

قَوْلُهُ: (وَإِنَّمَا كَانَ الَّذِي أُوتِيتُهُ وَحْيًا أَوْحَاهُ اللَّهُ إِلَيَّ) أَيْ إِنَّ مُعْجِزَتِي الَّتِي تَحَدَّيْتُ بِهَا الْوَحْيُ الَّذِي أُنْزِلَ عَلَيَّ وَهُوَ الْقُرْآنُ لِمَا اشْتَمَلَ عَلَيْهِ مِنَ الْإِعْجَازِ الْوَاضِحِ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ حَصْرُ مُعْجِزَاتِهِ فِيهِ، وَلَا أَنَّهُ لَمْ يُؤْتَ مِنَ الْمُعْجِزَاتِ مَا أُوتِيَ مَنْ تَقَدَّمَهُ، بَلِ الْمُرَادُ أَنَّهُ الْمُعْجِزَةُ الْعُظْمَى الَّتِي اخْتُصَّ بِهَا دُونَ غَيْرِهِ، لِأَنَّ كُلَّ نَبِيٍّ أُعْطِيَ مُعْجِزَةً خَاصَّةً بِهِ لَمْ يُعْطَهَا بِعَيْنِهَا غَيْرُهُ تَحَدَّى بِهَا قَوْمَهُ، وَكَانَتْ مُعْجِزَةُ كُلِّ نَبِيٍّ تَقَعُ مُنَاسِبَةً لِحَالِ قَوْمِهِ كَمَا كَانَ السِّحْرُ فَاشِيًا عِنْدَ فِرْعَوْنَ، فَجَاءَهُ مُوسَى بِالْعَصَا عَلَى صُورَةِ مَا يَصْنَعُ السَّحَرَةُ لَكِنَّهَا تَلَقَّفَتْ مَا صَنَعُوا، وَلَمْ يَقَعْ ذَلِكَ بِعَيْنِهِ لِغَيْرِهِ، وَكَذَلِكَ إِحْيَاءُ عِيسَى الْمَوْتَى وَإِبْرَاءُ الْأَكْمَهِ وَالْأَبْرَصِ لِكَوْنِ