للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

بِضَرْبٍ مِنَ التَّأْوِيلِ يُعْذَرُ صَاحِبُهُ فِيهِ فَمَعْنَى فَلَيْسَ مِنِّي أَيْ عَلَى طَرِيقَتِي وَلَا يَلْزَمُ أَنْ يَخْرُجَ عَنِ الْمِلَّةِ وَإِنْ كَانَ إِعْرَاضًا وَتَنَطُّعًا يُفْضِي إِلَى اعْتِقَادِ أَرْجَحِيَّةِ عَمَلِهِ، فَمَعْنَى: فَلَيْسَ مِنِّي: لَيْسَ عَلَى مِلَّتِي، لِأَنَّ اعْتِقَادَ ذَلِكَ نَوْعٌ مِنَ الْكُفْرِ. وَفِي الْحَدِيثِ دَلَالَةٌ عَلَى فَضْلِ النِّكَاحِ وَالتَّرْغِيبِ فِيهِ، وَفِيهِ تَتَبُّعُ أَحْوَالِ الْأَكَابِرِ لِلتَّأَسِّي بِأَفْعَالِهِمْ وَأَنَّهُ إِذَا تَعَذَّرَتْ مَعْرِفَتُهُ مِنَ الرِّجَالِ جَازَ اسْتِكْشَافُهُ مِنَ النِّسَاءِ، وَأَنَّ مَنْ عَزَمَ عَلَى عَمَلِ بِرٍّ وَاحْتَاجَ إِلَى إِظْهَارِهِ حَيْثُ يَأْمَنُ الرِّيَاءَ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ مَمْنُوعًا. وَفِيهِ تَقْدِيمُ الْحَمْدِ وَالثَّنَاءِ عَلَى اللَّهِ عِنْدَ إِلْقَاءِ مَسَائِلِ الْعِلْمِ وَبَيَانُ الْأَحْكَامِ لِلْمُكَلَّفِينَ وَإِزَالَةُ الشُّبْهَةِ عَنِ الْمُجْتَهِدِينَ، وَأَنَّ الْمُبَاحَاتِ قَدْ تَنْقَلِبُ بِالْقَصْدِ إِلَى الْكَرَاهَةِ وَالِاسْتِحْبَابِ.

وَقَالَ الطَّبَرِيُّ: فِيهِ الرَّدُّ عَلَى مَنْ مَنَعَ اسْتِعْمَالَ الْحَلَالِ مِنَ الْأَطْعِمَةِ وَالْمَلَابِسِ وَآثَرَ غَلِيظَ الثِّيَابِ وَخَشِنَ الْمَأْكَلِ. قَالَ عِيَاضٌ هَذَا مِمَّا اخْتَلَفَ فِيهِ السَّلَفُ فَمِنْهُمْ مَنْ نَحَا إِلَى مَا قَالَ الطَّبَرِيُّ وَمِنْهُمْ مَنْ عَكَسَ وَاحْتَجَّ بِقَوْلِهِ تَعَالَى ﴿أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمُ الدُّنْيَا﴾ قَالَ وَالْحَقُّ أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ فِي الْكُفَّارِ وَقَدْ أَخَذَ النَّبِيُّ ﷺ بِالْأَمْرَيْنِ.

قُلْتُ: لَا يَدُلُّ ذَلِكَ لِأَحَدِ الْفَرِيقَيْنِ إِنْ كَانَ الْمُرَادُ الْمُدَاوَمَةَ عَلَى إِحْدَى الصِّفَتَيْنِ، وَالْحَقُّ: إنَّ مُلَازَمَةَ اسْتِعْمَالِ الطَّيِّبَاتِ تُفْضِي إِلَى التَّرَفُّهِ وَالْبَطَرِ وَلَا يَأْمَنُ مِنَ الْوُقُوعِ فِي الشُّبُهَاتِ لِأَنَّ مَنِ اعْتَادَ ذَلِكَ قَدْ لَا يَجِدُهُ أَحْيَانًا فَلَا يَسْتَطِيعُ الِانْتِقَالَ عَنْهُ فَيَقَعُ فِي الْمَحْظُورِ كَمَا أَنَّ مَنْعَ تَنَاوُلِ ذَلِكَ أَحْيَانًا يُفْضِي إِلَى التَّنَطُّعِ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ وَيَرُدُّ عَلَيْهِ صَرِيحُ قَوْلِهِ تَعَالَى ﴿قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ﴾ كَمَا أَنَّ الْأَخْذَ بِالتَّشْدِيدِ فِي الْعِبَادَةِ يُفْضِي إِلَى الْمَلَلِ الْقَاطِعِ لِأَصْلِهَا وَمُلَازَمَةَ الِاقْتِصَارِ عَلَى الْفَرَائِضِ مَثَلًا وَتَرْكَ التَّنَفُّلِ يُفْضِي إِلَى إِيثَارِ الْبَطَالَةِ وَعَدَمِ النَّشَاطِ إِلَى الْعِبَادَةِ وَخَيْرُ الْأُمُورِ الْوَسَطُ، وَفِي قَوْلِهِ إِنِّي لَأَخْشَاكُمْ لِلَّهِ مَعَ مَا انْضَمَّ إِلَيْهِ إِشَارَةٌ إِلَى ذَلِكَ، وَفِيهِ أَيْضًا إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّ الْعِلْمَ بِاللَّهِ وَمَعْرِفَةَ مَا يَجِبُ مِنْ حَقِّهِ أَعْظَمُ قَدْرًا مِنْ مُجَرَّدِ الْعِبَادَةِ الْبَدَنِيَّةِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

الحديث الثاني.

قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا عَلِيٌّ سَمِعَ حَسَّانَ بْنَ إِبْرَاهِيمَ) لَمْ أَرَ عَلِيًّا هَذَا مَنْسُوبًا فِي شَيْءٍ مِنَ الرِّوَايَاتِ، وَلَا نَبَّهَ عَلَيْهِ أَبُو عَلِيٍّ الْغَسَّانِيُّ وَلَا نَسَبَهُ أَبُو نُعَيْمٍ كَعَادَتِهِ، لَكِنْ جَزَمَ الْمِزِّيُّ تَبَعًا لِأَبِي مَسْعُودٍ بِأَنَّهُ عَلِيُّ بْنُ الْمَدِينِيِّ، وَكَأَنَّ الْحَامِلَ عَلَى ذَلِكَ شُهْرَةُ عَلِيِّ بْنِ الْمَدِينِيِّ فِي شُيُوخِ الْبُخَارِيِّ فَإِذَا أُطْلِقَ اسْمُهُ كَانَ الْحَمْلُ عَلَيْهِ أَوْلَى مِنْ غَيْرِهِ، وَإِلَّا فَقَدْ رَوَى عَنْ حَسَّانَ - مِمَّنْ يُسَمَّى عَلِيًّا - عَلِيُّ بْنُ حَجَرٍ وَهُوَ مِنْ شُيُوخِ الْبُخَارِيِّ أَيْضًا، وَكَانَ حَسَّانُ الْمَذْكُورُ قَاضِيَ كِرْمَانَ، وَوَثَّقَهُ ابْنُ مَعِينٍ وَغَيْرُهُ، وَلَكِنْ لَهُ أَفْرَادٌ، قَالَ ابْنُ عَدِيٍّ: هُوَ مِنْ أَهْلِ الصِّدْقِ إِلَّا أَنَّهُ رُبَّمَا غَلِطَ. قُلْتُ: وَلَمْ أَرَ لَهُ فِي الْبُخَارِيِّ شَيْئًا انْفَرَدَ بِهِ، وَقَدْ أَدْرَكَهُ بِالسِّنِّ إِلَّا أَنَّهُ لَمْ يَلْقَهُ لِأَنَّهُ مَاتَ سَنَةَ سِتٍّ وَمِائَتَيْنِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَحِلَ الْبُخَارِيُّ، وَقَدْ تَقَدَّمَ شَرْحُ الْحَدِيثِ الْمَذْكُورِ فِيهِ مُسْتَوْفًى فِي تَفْسِيرِ سُورَةِ النِّسَاءِ.

٢ - بَاب قَوْلِ النَّبِيِّ ﷺ: مَنْ اسْتَطَاعَ مِنْكُمْ الْبَاءَةَ فَلْيَتَزَوَّجْ فإنَّهُ أَغَضُّ لِلْبَصَرِ وَأَحْصَنُ لِلْفَرْجِ. وَهَلْ يَتَزَوَّجُ مَنْ لَا أَرَبَ لَهُ فِي النِّكَاحِ

٥٠٦٥ - حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ حَفْصٍ، حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا الْأَعْمَشُ، قَالَ: حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ، عَنْ عَلْقَمَةَ، قَالَ: كُنْتُ مَعَ عَبْدِ اللَّهِ، فَلَقِيَهُ عُثْمَانُ بِمِنًى، فَقَالَ: يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ، إِنَّ لِي إِلَيْكَ حَاجَةً، فَخَلَيا، فَقَالَ عُثْمَانُ: هَلْ لَكَ يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ فِي أَنْ نُزَوِّجَكَ بِكْرًا، تُذَكِّرُكَ مَا كُنْتَ تَعْهَدُ؟ فَلَمَّا رَأَى عَبْدُ اللَّهِ أَنْ لَيْسَ لَهُ حَاجَةٌ إِلَى هَذَا، أَشَارَ إِلَيَّ فَقَالَ: يَا عَلْقَمَةُ، فَانْتَهَيْتُ إِلَيْهِ وَهُوَ يَقُولُ: أَمَا لَئِنْ قُلْتَ ذَلِكَ، لَقَدْ قَالَ لَنَا النَّبِيُّ ﷺ: يَا مَعْشَرَ الشَّبَابِ، مَنْ اسْتَطَاعَ مِنْكُمْ الْبَاءَةَ فَلْيَتَزَوَّجْ، وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَعَلَيْهِ بِالصَّوْمِ، فَإِنَّهُ لَهُ وِجَاءٌ.