للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وَالْهِبَةِ وَالصَّدَقَةِ وَالْبَيْعِ، وَلَا يَصِحُّ عِنْدَهُمْ بِلَفْظِ الْإِجَارَةِ وَلَا الْعَارِيَّةِ وَلَا الْوَصِيَّةِ، وَاخْتُلِفَ عِنْدَهُمْ فِي الْإِحْلَالِ وَالْإِبَاحَةِ، وَأَجَازَهُ الْحَنَفِيَّةُ بِكُلِّ لَفْظٍ يَقْتَضِي التَّأْبِيدَ مَعَ الْقَصْدِ، وَمَوْضِعُ الدَّلِيلِ مِنْ هَذَا الْحَدِيثِ وُرُودُ قَوْلِهِ ﷺ: مَلَّكْتُكَهَا، لَكِنْ وَرَدَ أَيْضًا بِلَفْظِ: زَوَّجْتُكَهَا قَالَ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ: هَذِهِ لَفْظَةٌ وَاحِدَةٌ فِي قِصَّةٍ وَاحِدَةٍ، وَاخْتُلِفَ فِيهَا مَعَ اتِّحَادِ مَخْرَجِ الْحَدِيثِ، فَالظَّاهِرُ أَنَّ الْوَاقِعَ مِنَ النَّبِيِّ ﷺ أَحَدُ الْأَلْفَاظِ الْمَذْكُورَةِ، فَالصَّوَابُ فِي مِثْلِ هَذَا النَّظَرُ إِلَى التَّرْجِيحِ.

وَقَدْ نُقِلَ عَنِ الدَّارَقُطْنِيِّ أَنَّ الصَّوَابَ رِوَايَةُ مَنْ رَوَى: زَوَّجْتُكَهَا وَأَنَّهُمْ أَكْثَرُ وَأَحْفَظُ، قَالَ: وَقَالَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ: يَحْتَمِلُ صِحَّةُ اللَّفْظَيْنِ، وَيَكُونُ قَالَ: لَفْظَ التَّزْوِيجِ أَوَّلًا، ثُمَّ قَالَ: اذْهَبْ فَقَدْ مَلَّكْتُكَهَا بِالتَّزْوِيجِ السَّابِقِ، قَالَ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ: وَهَذَا بَعِيدٌ؛ لِأَنَّ سِيَاقَ الْحَدِيثِ يَقْتَضِي تَعْيِينَ لَفْظَةِ قَبِلْتُ لَا تَعَدُّدَهَا وَأَنَّهَا هيَ الَّتِي انْعَقَدَ بِهَا النِّكَاحُ، وَمَا ذَكَرَهُ يَقْتَضِي وُقُوعُ أَمْرٍ آخَرَ انْعَقَدَ بِهِ النِّكَاحُ، وَالَّذِي قَالَهُ بَعِيدٌ جِدًّا، وَأَيْضًا فَلِخَصْمِهِ أَنْ يَعْكِسَ وَيَدَّعِيَ أَنَّ الْعَقْدَ وَقَعَ بِلَفْظِ التَّمْلِيكِ، ثُمَّ قَالَ: زَوَّجْتُكَهَا بِالتَّمْلِيكِ السَّابِقِ. قَالَ: ثُمَّ إِنَّهُ لَمْ يَتَعَرَّضْ لِرِوَايَةِ أَمْكَنَّاكَهَا مَعَ ثُبُوتِهَا، وَكُلُّ هَذَا يَقْتَضِي تَعَيُّنَ الْمَصِيرِ إِلَى التَّرْجِيحِ اهـ.

وَأَشَارَ بِالْمُتَأَخِّرِ إِلَى النَّوَوِيِّ فَإِنَّهُ كَذَلِكَ قَالَ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ، وَقَدْ قَالَ ابْنُ التِّينِ: لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ النَّبِيُّ ﷺ عَقَدَ بِلَفْظِ التَّمْلِيكِ وَالتَّزْوِيجِ مَعًا فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ، فَلَيْسَ أَحَدُ اللَّفْظَيْنِ بِأَوْلَى مِنَ الْآخَرِ فَسَقَطَ الِاحْتِجَاجُ بِهِ، هَذَا عَلَى تَقْدِيرِ تَسَاوِي الرِّوَايَتَيْنِ فَكَيْفَ مَعَ التَّرْجِيحِ؟ قَالَ: وَمَنْ زَعَمَ أَنَّ مَعْمَرًا وَهِمَ فِيهِ، وَرُدَّ عَلَيْهِ أَنَّ الْبُخَارِيَّ أَخْرَجَهُ فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ مِنْ رِوَايَةِ غَيْرِ مَعْمَرٍ مِثْلَ مَعْمَرٍ اهـ.

وَزَعَمَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي التَّحْقِيقِ أَنَّ رِوَايَةَ أَبِي غَسَّانَ أَنْكَحْتُكَهَا، وَرِوَايَةَ الْبَاقِينَ: زَوَّجْتُكَهَا إِلَّا ثَلَاثَةَ أَنْفُسٍ، وَهُمْ: مَعْمَرٌ، وَيَعْقُوبُ، وَابْنُ أَبِي حَازِمٍ، قَالَ: وَمَعْمَرٌ كَثِيرُ الْغَلَطِ، وَالْآخَرَانِ لَمْ يَكُونَا حَافِظَيْنِ اهـ.

وَقَدْ غَلِطَ فِي رِوَايَةِ أَبِي غَسَّانَ فَإِنَّهَا بِلَفْظِ أَمْكَنَّاكَهَا فِي جَمِيعِ نُسَخِ الْبُخَارِيِّ، نَعَمْ وَقَعَتْ بِلَفْظِ: زَوَّجْتُكَهَا عِنْدَ الْإِسْمَاعِيلِيِّ مِنْ طَرِيقِ حُسَيْنِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِي غَسَّانَ، وَالْبُخَارِيِّ أَخْرَجَهُ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي مَرْيَمَ، عَنْ أَبِي غَسَّانَ بِلَفْظِ: أَمْكَنَّاكَهَا، وَقَدْ أَخْرَجَهُ أَبُو نُعَيْمٍ فِي الْمُسْتَخْرَجِ مِنْ طَرِيقِ يَحْيَى بْنِ عُثْمَانَ بْنِ صَالِحٍ، عَنْ سَعِيدٍ شَيْخِ الْبُخَارِيِّ فِيهِ بِلَفْظِ: أَنْكَحْتُكَهَا فَهَذِهِ ثَلَاثَةُ أَلْفَاظٍ عَنْ أَبِي غَسَّانَ، وَرِوَايَةُ: أَنْكَحْتُكَهَا فِي الْبُخَارِيِّ، لِابْنِ عُيَيْنَةَ كَمَا حَرَّرْتُهُ، وَمَا ذَكَرَهُ مِنَ الطَّعْنِ فِي الثَّلَاثَةِ مَرْدُودٌ، وَلَا سِيَّمَا عَبْدَ الْعَزِيزِ فَإِنَّ رِوَايَتَهُ تَتَرَجَّحُ بِكُونِ الْحَدِيثُ عَنْ أَبِيهِ، وَآلُ الْمَرْءِ أَعْرَفُ بِحَدِيثِهِ مِنْ غَيْرِهِمْ، نِعْمَ الَّذِي تَحَرَّرَ مِمَّا قَدَّمْتُهُ أَنَّ الَّذِينَ رَوَوْهُ بِلَفْظِ التَّزْوِيجِ أَكْثَرُ عَدَدًا مِمَّنْ رَوَاهُ بِغَيْرِ لَفْظِ التَّزْوِيجِ، وَلَا سِيَّمَا وَفِيهِم مِنَ الْحُفَّاظِ مِثْلُ مَالِكٍ، وَرِوَايَةُ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ: أَنْكَحْتُكَهَا مُسَاوِيَةٌ لِرِوَايَتِهِمْ، وَمِثْلُهَا رِوَايَةُ زَائِدَةَ، وَعَدَّ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِيمَنْ رَوَاهُ بِلَفْظِ التَّزْوِيجِ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ، وَرِوَايَتُهُ بِهَذَا اللَّفْظِ فِي فَضَائِلِ الْقُرْآنِ، وَأَمَّا فِي النِّكَاحِ فَبِلَفْظِ: مَلَّكْتُكَهَا، وَقَدْ تَبِعَ الْحَافِظُ صَلَاحُ الدِّينِ الْعَلَائِيُّ، ابْنَ الْجَوْزِيِّ فَقَالَ فِي تَرْجِيحِ رِوَايَةِ التَّزْوِيجِ: وَلَا سِيَّمَا وَفِيهِمْ مَالِكٌ، وَحَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ اهـ.

وَقَدْ تَحَرَّرَ أَنَّهُ اخْتُلِفَ عَلَى حَمَّادٍ فِيهَا كَمَا اخْتُلِفَ عَلَى الثَّوْرِيِّ فَظَهَرَ أَنَّ رِوَايَةَ التَّمْلِيكِ وَقَعَتْ فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنِ الثَّوْرِيِّ، وَفِي رِوَايَةِ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ أَبِي حَازِمٍ، وَيَعْقُوبَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَحَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ، وَفِي رِوَايَةِ مَعْمَرٍ: مَلَّكْتُكَهَا وَهِيَ بِمَعْنَاهَا، وَانْفَرَدَ أَبُو غَسَّانَ بِرِوَايَةِ: أَمْكَنَّاكَهَا، وَأَخْلَقُ بِهَا أَنْ تَكُونَ تَصْحِيفًا مِنْ مَلَّكْنَاكَهَا؛ فَرِوَايَةُ التَّزْوِيجِ أَوِ الْإِنْكَاحِ أَرْجَحُ، وَعَلَى تَقْدِيرِ أَنَّ تَسَاوِيَ الرِّوَايَاتِ يَقِفُ الِاسْتِدْلَالُ بِهَا لِكُلٍّ مِنَ الْفَرِيقَيْنِ.

وَقَدْ قَالَ الْبَغَوِيُّ فِي شَرْحِ السُّنَّةِ لَا حُجَّةَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ لِمَنْ أَجَازَ انْعِقَادَ النِّكَاحِ بِلَفْظِ التَّمْلِيكِ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ كَانَ وَاحِدًا فَلَمْ يَكُنِ اللَّفْظُ إِلَّا وَاحِدًا، وَاخْتَلَفَ الرُّوَاةُ