للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

فِي كِتَابِهِ تَعْظِيمُ ق دْرِ الصَّلَاةِ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنَ الْأَئِمَّةِ نَحْوَ ذَلِكَ، وَمَا نُقِلَ عَنِ السَّلَفِ صَرَّحَ بِهِ عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي مُصَنَّفِهِ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، وَمَالِكِ بْنِ أَنَسٍ، وَالْأَوْزَاعِيِّ، وَابْنِ جُرَيْجٍ، وَمَعْمَرٍ وَغَيْرِهِمْ، وَهَؤُلَاءِ فُقَهَاءُ الْأَمْصَارِ فِي عَصْرِهِمْ. وَكَذَا نَقَلَهُ أَبُو الْقَاسِمِ اللَّالِكَائِيُّ فِي كِتَابِ السُّنَّةِ عَنِ الشَّافِعِيِّ، وَأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ، وَإِسْحَاقَ بْنِ رَاهْوَيْه، وَأَبِي عُبَيْدٍ وَغَيْرِهِمْ مِنَ الْأَئِمَّةِ، وَرَوَى بِسَنَدِهِ الصَّحِيحِ عَنِ الْبُخَارِيِّ قَالَ: لَقِيتُ أَكْثَرَ مِنَ أَلْفِ رَجُلٍ مِنَ الْعُلَمَاءِ بِالْأَمْصَارِ فَمَا رَأَيْتُ أَحَدًا مِنْهُمْ يَخْتَلِفُ فِي أَنَّ الْإِيمَانَ قَوْلٌ وَعَمَلٌ، وَيَزِيدُ وَيَنْقُصُ.

وَأَطْنَبَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ، وَاللَّالِكَائِيُّ فِي نَقْلِ ذَلِكَ بِالْأَسَانِيدِ عَنْ جَمْعٍ كَثِيرٍ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَكُلِّ مَنْ يَدُورُ عَلَيْهِ الْإِجْمَاعُ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ. وَحَكَاهُ فُضَيْلُ بْنُ عِيَاضٍ، وَوَكِيعٌ عَنْ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ، وَقَالَ الْحَاكِمُ فِي مَنَاقِبِ الشَّافِعِيِّ: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ الْأَصَمُّ، أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ قَالَ: سَمِعْتُ الشَّافِعِيَّ يَقُولُ: الْإِيمَانُ قَوْلٌ وَعَمَلٌ، وَيَزِيدُ وَيَنْقُصُ. وَأَخْرَجَهُ أَبُو نُعَيْمٍ فِي تَرْجَمَةِ الشَّافِعِيِّ مِنَ الْحِلْيَةِ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنِ الرَّبِيعِ وَزَادَ: يَزِيدُ بِالطَّاعَةِ وَيَنْقُصُ بِالْمَعْصِيَةِ. ثُمَّ تَلَا ﴿وَيَزْدَادَ الَّذِينَ آمَنُوا إِيمَانًا﴾ الْآيَةَ. ثُمَّ شَرَعَ الْمُصَنِّفُ يَسْتَدِلُّ لِذَلِكَ بِآيَاتٍ مِنَ الْقُرْآنِ مُصَرِّحَةٍ بِالزِّيَادَةِ، وَبِثُبُوتِهَا يَثْبُتُ الْمُقَابِلُ، فَإِنَّ كُلَّ قَابِلٍ لِلزِّيَادَةِ قَابِلٌ لِلنُّقْصَانِ ضَرُورَةً.

قَوْلُهُ: وَالْحُبُّ فِي اللَّهِ وَالْبُغْضُ فِي اللَّهِ مِنَ الْإِيمَانِ، هُوَ لَفْظُ حَدِيثٍ أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ مِنْ حَدِيثِ أَبِي أُمَامَةَ وَمِنْ حَدِيثِ أَبِي ذَرٍّ وَلَفْظُهُ: أَفْضَلُ الْأَعْمَالِ الْحُبُّ فِي اللَّهِ وَالْبُغْضُ فِي اللَّهِ. وَلَفْظُ أَبِي أُمَامَةَ: مَنْ أَحَبَّ لِلَّهِ وَأَبْغَضَ لِلَّهِ وَأَعْطَى لِلَّهِ وَمَنَعَ لِلَّهِ فَقَدِ اسْتَكْمَلَ الْإِيمَانَ. وَلِلتِّرْمِذِيِّ مِنْ حَدِيثِ مُعَاذِ بْنِ أَنَسٍ نَحْوَ حَدِيثِ أَبِي أُمَامَةَ، وَزَادَ أَحْمَدُ فِيهِ: وَنَصَحَ لِلَّهِ وَزَادَ فِي أُخْرَى: وَيُعْمِلُ لِسَانَهُ فِي ذِكْرِ اللَّهِ وَلَهُ عَنْ عَمْرِو بْنِ الْجَمُوحِ بِلَفْظِ لَا يَجِدُ الْعَبْدُ صَرِيحَ الْإِيمَانِ حَتَّى يُحِبَّ لِلَّهِ وَيُبْغِضَ لِلَّهِ وَلَفْظُ الْبَزَّارِ رَفَعَهُ: أَوْثَقُ عُرَى الْإِيمَانِ الْحُبُّ فِي اللَّهِ وَالْبُغْضُ فِي اللَّهِ، وَسَيَأْتِي عِنْدَ الْمُصَنِّفِ: آيَةُ الْإِيمَانِ حُبُّ الْأَنْصَارِ، وَاسْتُدِلَّ بِذَلِكَ عَلَى أَنَّ الْإِيمَانَ يَزِيدُ وَيَنْقُصُ ; لِأَنَّ الْحُبَّ وَالْبُغْضَ يَتَفَاوَتَانِ.

قَوْلُهُ: (وَكَتَبَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ إِلَى عَدِيِّ بْنِ عَدِيٍّ) أَيِ ابْنِ عُمَيْرَةَ الْكِنْدِيِّ، وَهُوَ تَابِعِيٌّ مِنْ أَوْلَادِ الصَّحَابَةِ، وَكَانَ عَامِلُ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ عَلَى الْجَزِيرَةِ فَلِذَلِكَ كَتَبَ إِلَيْهِ، وَالتَّعْلِيقُ الْمَذْكُورُ وَصَلَهُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ، وَأَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي كِتَابِ الْإِيمَانِ لَهُمَا مِنْ طَرِيقِ عِيسَى بْنِ عَاصِمٍ قَالَ: حَدَّثَنِي عَدِيُّ بْنُ عَدِيٍّ قَالَ: كَتَبَ إِلَيَّ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ: أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّ لِلْإِيمَانِ فَرَائِضَ وَشَرَائِعَ. . . إِلَخْ.

قَوْلُهُ: (إِنَّ لِلْإِيمَانِ فَرَائِضَ) كَذَا ثَبَتَ فِي مُعْظَمِ الرِّوَايَاتِ بِاللَّامِ، وَفَرَائِضَ بِالنَّصْبِ عَلَى أَنَّهَا اسْمُ إِنَّ، وَفِي رِوَايَةِ ابْنِ عَسَاكِرَ: فَإِنَّ الْإِيمَانَ فَرَائِضُ عَلَى أَنَّ الْإِيمَانَ اسْمُ إِنَّ وَفَرَائِضُ خَبَرُهَا، وَبِالْأَوَّلِ جَاءَ الْمَوْصُولُ الَّذِي أَشَرْنَا إِلَيْهِ.

قَوْلُهُ: (فَرَائِضَ) أَيْ: أَعْمَالًا مَفْرُوضَةً، (وَشَرَائِعَ) أَيْ: عَقَائِدَ دِينِيَّةً، (وَحُدُودًا) أَيْ: مَنْهِيَّاتٍ مَمْنُوعَةً، (وَسُنَنًا) أَيْ: مَنْدُوبَاتٍ.

قَوْلُهُ: (فَإِنْ أَعِشْ فَسَأُبَيِّنُهَا) أَيْ: أُبَيِّنُ تَفَارِيعَهَا لَا أُصُولَهَا ; لِأَنَّ أُصُولَهَا كَانَتْ مَعْلُومَةً لَهُمْ جُمْلَةً، عَلَى تَجْوِيزِ تَأْخِيرِ الْبَيَانِ عَنْ وَقْتِ الْخِطَابِ إِذِ الْحَاجَةُ هُنَا لَمْ تَتَحَقَّقْ. وَالْغَرَضُ مِنْ هَذَا الْأَثَرِ أَنَّ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ كَانَ مِمَّنْ يَقُولُ بِأَنَّ الْإِيمَانَ يَزِيدُ وَيَنْقُصُ حَيْثُ قَالَ: استكمل ولم يستكمل. قَالَ الْكِرْمَانِيُّ: وَهَذَا عَلَى إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ، وَأَمَّا عَلَى الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى فَقَدْ يُمْنَعُ ذَلِكَ ; لِأَنَّهُ جَعَلَ الْإِيمَانَ غَيْرَ الْفَرَائِضِ. قُلْتُ: لَكِنَّ آخِرَ كَلَامِهِ يُشْعِرُ بِذَلِكَ وَهُوَ قَوْلُهُ: فَمَنِ اسْتَكْمَلَهَا أَيِ الْفَرَائِضَ وَمَا مَعَهَا فَقَدِ اسْتَكْمَلَ الْإِيمَانَ. وَبِهَذَا تَتَّفِقُ الرِّوَايَتَانِ. فَالْمُرَادُ أَنَّهَا مِنَ الْمُكَمِّلَاتِ ; لِأَنَّ الشَّارِعَ أَطْلَقَ عَلَى مُكَمِّلَاتِ الْإِيمَانِ إِيمَانًا.

قَوْلُهُ: (وَقَالَ إِبْرَاهِيمُ Object: ﴿وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي﴾ أَشَارَ إِلَى تَفْسِيرِ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، وَمُجَاهِدٍ وَغَيْرِهِمَا لِهَذِهِ الْآيَةِ، فَرَوَى ابْنُ جَرِيرٍ بِسَنَدِهِ الصَّحِيحِ إِلَى سَعِيدٍ قَالَ: قَوْلُهُ ﴿لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي﴾ أَيْ: يَزْدَادَ يَقِينِي. وَعَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ: لِأَزْدَادَ إِيمَانًا إِلَى إِيمَانِي، وَإِذَا ثَبَتَ ذَلِكَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ Object مَعَ أَنَّ نَبِيَّنَا Object قَدْ أُمِرَ بِاتِّبَاعِ مِلَّتِهِ - كَانَ كَأَنَّهُ ثَبَتَ عَنْ نَبِيِّنَا Object ذَلِكَ. وَإِنَّمَا فَصَلَ الْمُصَنِّفُ بَيْنَ هَذِهِ الْآيَةِ وَبَيْنَ