للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

شُعَيْبٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ، وَوَقَعَ مُفَصَّلًا فِي رِوَايَةِ مَعْمَرٍ: قَالَ الزُّهْرِيِّ فَأَخْبَرَنِي عُرْوَةُ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: لَمَّا مَضَتْ تِسْعٌ وَعِشْرُونَ لَيْلَةً دَخَلَ عَلَيَّ رَسُولِ اللَّهِ الْحَدِيثَ. قُلْتُ: وَنِسْبَةُ الْإِدْرَاجِ إِلَى شُعَيْبٍ فِيهِ نَظَرٌ، فَقَدْ تَقَدَّمَ فِي الْمَظَالِمِ مِنْ رِوَايَةِ عُقَيْلٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ كَذَلِكَ، وَأَخْرَجَ مُسْلِمٌ طَرِيقَ مَعْمَرٍ كَمَا قَالَ الْإِسْمَاعِيلِيُّ مُفَصَّلَةً، وَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي تَفْسِيرِ الْأَحْزَابِ أَنَّ الْبُخَارِيَّ حَكَى الِاخْتِلَافَ عَلَى الزُّهْرِيِّ فِي قِصَّةِ التَّخْيِيرِ هَلْ هِيَ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ أَوْ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ عَائِشَةَ.

قَوْلُهُ (فَقَالَ: الشَّهْرُ تِسْعٌ وَعِشْرُونَ لَيْلَةً وَكَانَ ذَلِكَ الشَّهْرُ تِسْعًا وَعِشْرِينَ لَيْلَةً) فِي هَذَا إِشَارَةٌ إِلَى تَأْوِيلِ الْكَلَامِ الَّذِي قَبْلَهُ وَأَنَّهُ لَا يُرَادُ بِهِ الْحَصْرُ، أَوْ أَنَّ اللَّامَ فِي قَوْلِهِ الشَّهْرُ لِلْعَهْدِ مِنَ الشَّهْرِ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ ذَلِكَ أَنْ تَكُونَ الشُّهُورُ كُلُّهَا كَذَلِكَ، وَقَدْ أَنْكَرَتْ عَائِشَةُ عَلَى ابْنِ عُمَرَ رِوَايَتَهُ الْمُطْلَقَةُ أَنَّ الشَّهْرَ تِسْعٌ وَعِشْرُونَ، فَأَخْرَجَ أَحْمَدُ مِنْ طَرِيقِ يَحْيَى بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَفَعَهُ: الشَّهْرُ تِسْعٌ وَعِشْرُونَ قَالَ: فَذَكَرُوا ذَلِكَ لِعَائِشَةَ فَقَالَتْ: يَرْحَمُ اللَّهُ أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ، إِنَّمَا قَالَ: الشَّهْرُ يَكُونُ تِسْعًا وَعِشْرِينَ. وَقَدْ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ عُمَرَ بِهَذَا اللَّفْظِ الْأَخِيرِ الَّذِي جَزَمَتْ بِهِ عَائِشَةُ وَبَيَّنْتُهُ قَبْلَ هَذَا عِنْدَ الْكَلَامِ عَلَى مَا وَقَعَ فِي رِوَايَةِ سِمَاكِ بْنِ الْوَلِيدِ مِنَ الْإِشْكَالِ.

قَوْلُهُ (قَالَتْ عَائِشَةُ: ثُمَّ أَنْزَلَ اللَّهُ آيَةَ التَّخْيِيرِ) فِي رِوَايَةِ عُقَيْلٍ فَأُنْزِلَتْ وَسَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَيْهِ مُسْتَوْفًى فِي كِتَابِ الطَّلَاقِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. وَفِي الْحَدِيثِ سُؤَالُ الْعَالِمِ عَنْ بَعْضِ أُمُورِ أَهْلِهِ وَإِنْ كَانَ عَلَيْهِ فِيهِ غَضَاضَةٌ إِذَا كَانَ فِي ذَلِكَ سُنَّةٌ تُنْقَلُ وَمَسْأَلَةٌ تُحْفَظُ، قَالَهُ الْمُهَلَّبُ، قَالَ: وَفِيهِ تَوْقِيرُ الْعَالِمِ وَمَهَابَتُهُ عَنِ اسْتِفْسَارِ مَا يَخْشَى مِنْ تغيره عند ذِكْرِهِ، وَتَرَقُّبُ خَلَوَاتِ الْعَالِمِ يسْأَل عَمَّا لَعَلَّهُ لَوْ سُئِلَ عَنْهُ بِحَضْرَةِ النَّاسِ أَنْكَرَهُ عَلَى السَّائِلِ، وَيُؤْخَذُ مِنْ ذَلِكَ مُرَاعَاةُ الْمُرُوءَةِ. وَفِيهِ أَنَّ شِدَّةَ الْوَطْأَةِ عَلَى النِّسَاءِ مَذْمُومٌ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ أَخَذَ بِسِيرَةِ الْأَنْصَارِ فِي نِسَائِهِمْ وَتَرَكَ سِيرَةَ قَوْمِهِ. وَفِيهِ تَأْدِيبُ الرَّجُلِ ابْنَتَهُ وَقَرَابَتَهُ بِالْقَوْلِ لِأَجْلِ إِصْلَاحِهَا لِزَوْجِهَا، وَفِيهِ سِيَاق الْقِصَّةِ عَلَى وَجْهِهَا وَإِنْ لَمْ يَسْأَلِ السَّائِلُ عَنْ ذَلِكَ إِذَا كَانَ فِي ذَلِكَ مَصْلَحَةٌ مِنْ زِيَادَةِ شَرْحٍ وَبَيَانٍ، وَخُصُوصًا إِذَا كَانَ الْعَالِمُ يَعْلَمُ أَنَّ الطَّالِبَ يُؤْثِرُ ذَلِكَ. وَفِيهِ مَهَابَةُ الطَّالِبِ لِلْعَالِمِ وَتَوَاضُعُ الْعَالِمِ لَهُ وَصَبْرُهُ عَلَى مُسَاءَلَتِهِ وَإِنْ كَانَ عَلَيْهِ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ غَضَاضَةٌ. وَفِيهِ جَوَازُ ضَرْبِ الْبَابِ وَدَقِّهِ إِذَا لَمْ يَسْمَعِ الدَّاخِلُ بِغَيْرِ ذَلِكَ. وَدُخُولُ الْآبَاءِ عَلَى الْبَنَاتِ وَلَوْ كَانَ بِغَيْرِ إِذْنِ الزَّوْجِ، وَالتَّنْقِيبُ عَنْ أَحْوَالِهِنَّ لَا سِيَّمَا مَا يَتَعَلَّقُ بِالْمُتَزَوِّجَاتِ. وَفِيهِ حُسْنُ تَلَطُّفِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَشِدَّةُ حِرْصِهِ عَلَى الِاطِّلَاعِ عَلَى فُنُونِ التَّفْسِيرِ.

وَفِيهِ طَلَبُ عُلُوِّ الْإِسْنَادِ لِأَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ أَقَامَ مُدَّةً طَوِيلَةً يَنْتَظِرُ خَلْوَةَ عُمَرَ لِيَأْخُذَ عَنْهُ؛ وَكَانَ يُمْكِنُهُ أَخْذُ ذَلِكَ بِوَاسِطَةٍ عَنْهُ مِمَّنْ لَا يَهَابُ سُؤَالَهُ كَمَا كَانَ يَهَابُ عُمَرَ. وَفِيهِ حِرْصُ الصَّحَابَةِ عَلَى طَلَبِ الْعِلْمِ وَالضَّبْطِ بِأَحْوَالِ الرَّسُولِ . وَفِيهِ أَنَّ طَالِبَ الْعِلْمِ يَجْعَلُ لِنَفْسِهِ وَقْتًا يَتَفَرَّغُ فِيهِ لِأَمْرِ مَعَاشِهِ وَحَالِ أَهْلِهِ. وَفِيهِ الْبَحْثُ فِي الْعِلْمِ فِي الطُّرُقِ وَالْخَلَوَاتِ وَفِي حَالِ الْقُعُودِ وَالْمَشْيِ. وَفِيهِ إِيثَارُ الِاسْتِجْمَارِ فِي الْأَسْفَارِ وَإِبْقَاءِ الْمَاءِ لِلْوُضُوءِ. وَفِيهِ ذِكْرُ الْعَالِمِ مَا يَقَعُ مِنْ نَفْسِهِ وَأَهْلِهِ بِمَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ فَائِدَةٌ دِينِيَّةٌ وَإِنْ كَانَ فِي ذَلِكَ حِكَايَةُ مَا يُسْتَهْجَنُ، وَجَوَازُ ذِكْرِ الْعَمَلِ الصَّالِحِ لِسِيَاقِ الْحَدِيثِ عَلَى وَجْهِهِ، وَبَيَانُ ذِكْرِ وَقْتِ التَّحَمُّلِ. وَفِيهِ الصَّبْرُ عَلَى الزَّوْجَاتِ وَالْإِغْضَاءِ عَنْ خِطَابِهِنَّ وَالصَّفْحُ عَمَّا يَقَعُ مِنْهُنَّ مِنْ زَلَلٍ فِي حَقِّ الْمَرْءِ دُونَ مَا يَكُونُ مِنْ حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى.

وَفِيهِ جَوَازُ اتِّخَاذِ الْحَاكِمِ عِنْدَ الْخَلْوَةِ بَوَّابًا يَمْنَعُ مَنْ يَدْخُلُ إِلَيْهِ بِغَيْرِ إِذْنِهِ، وَيَكُونُ قَوْلُ أَنَسٍ الْمَاضِي فِي كِتَابِ الْجَنَائِزِ فِي الْمَرْأَةِ الَّتِي وَعَظَهَا النَّبِيُّ فَلَمْ تَعْرِفْهُ ثُمَّ جَاءَتْ إِلَيْهِ فَلَمْ تَجِدْ لَهُ بَوَّابِينَ مَحْمُولًا عَلَى الْأَوْقَاتِ الَّتِي يَجْلِسُ فِيهَا لِلنَّاسِ، قَالَ الْمُهَلَّبُ: وَفِيهِ أَنَّ لِلْإِمَامِ أَنْ يَحْتَجِبَ عَنْ بِطَانَتِهِ وَخَاصَّتِهِ عِنْدَ الْأَمْرِ بِطَرْقِهِ مِنْ جِهَةِ أَهْلِهِ حَتَّى يَذْهَبَ غَيْظُهُ وَيَخْرُجَ إِلَى النَّاسِ وَهُوَ مُنْبَسِطٌ