للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

عَبَّاسٍ كَمَا تَقَدَّمَ. فَابْنُ مَسْعُودٍ أَقْدَمُ مَنْ أَفْتَى بِالْوُقُوعِ، وَتَبِعَهُ مَنْ أَخَذَ بِمَذْهَبِهِ كَالنَّخَعِيِّ ثُمَّ حَمَّادٍ، وَأَمَّا مَا أَخْرَجَهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ، عَنِ الْقَاسِمِ أَنَّهُ قَالَ هِيَ طَالِقٌ، وَاحْتَجَّ بِأَنَّ عُمَرَ سُئِلَ عَمَّنْ قَالَ يَوْمَ أَتَزَوَّجُ فَهِيَ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي، قَالَ: لَا يَتَزَوَّجُهَا حَتَّى يُكَفِّرَ فَلَا يَصِحُّ عَنْهُ، فَإِنَّهُ مِنْ رِوَايَةِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ الْعُمَرِيِّ، عَنِ الْقَاسِمِ وَالْعُمَرِيُّ ضَعِيفٌ وَالْقَاسِمُ لَمْ يُدْرِكْ عُمَرَ، وَكَأَنَّ الْبُخَارِيَّ تَبِعَ أَحْمَدَ فِي تَكْثِيرِ النَّقْلِ عَنِ التَّابِعِينَ، فَقَدْ ذَكَرَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ فِي الْعِلَلِ أَنَّ سُفْيَانَ بْنَ وَكِيعٍ حَدَّثَهُ قَالَ: أَحْفَظُ عَنْ أَحْمَدَ مُنْذُ أَرْبَعِينَ سَنَةٍ أَنَّهُ سُئِلَ عَنِ الطَّلَاقِ قَبْلَ النِّكَاحِ فَقَالَ: يُرْوَى عَنِ النَّبِيِّ ﷺ وَعَنْ عَلِيٍّ، وَابْنِ عَبَّاسٍ، وَعَلِيِّ بْنِ حُسَيْنٍ، وَابْنِ الْمُسَيَّبِ وَنَيِّفٍ وَعِشْرِينَ مِنَ التَّابِعِينَ أَنَّهُمْ لَمْ يَرَوْا بِهِ بَأْسًا، قَالَ عَبْدُ اللَّهِ فَسَأَلْتُ أَبِي عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ: أَنَا قُلْتُهُ.

قُلْتُ: وَقَدْ تَجَوَّزَ الْبُخَارِيُّ فِي نِسْبَةِ جَمِيعِ مَنْ ذُكِرَ عَنْهُمْ إِلَى الْقَوْلِ بِعَدَمِ الْوُقُوعِ مُطْلَقًا، مَعَ أَنَّ بَعْضَهُمْ يُفَصِّلُ وَبَعْضَهُمْ يُخْتَلَفُ عَلَيْهِ، وَلَعَلَّ ذَلِكَ هُوَ النُّكْتَةُ فِي تَصْدِيرِهِ النَّقْلَ عَنْهُمْ بِصِيغَةِ التَّمْرِيضِ، وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مِنَ الْخِلَافِيَّاتِ الشَّهِيرَةِ، وَلِلْعُلَمَاءِ فِيهَا مَذَاهِبُ: الْوُقُوعُ مُطْلَقًا، وَعَدَمُ الْوُقُوعِ مُطْلَقًا، وَالتَّفْصِيلُ بَيْنَ مَا إِذَا عَيَّنَ أَوْ عَمَّمَ، وَمِنْهُمْ مَنْ تَوَقَّفَ: فَقَالَ بِعَدَمِ الْوُقُوعِ الْجُمْهُورُ كَمَا تَقَدَّمَ وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ، وَابْنِ مَهْدِيٍّ، وَأَحْمَدَ، وَإِسْحَاقَ، وَدَاوُدَ وَأَتْبَاعِهِمْ وَجُمْهُورِ أَصْحَابِ الْحَدِيثِ، وَقَالَ بِالْوُقُوعِ مُطْلَقًا أَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ، وَقَالَ بِالتَّفْصِيلِ رَبِيعَةُ، وَالثَّوْرِيُّ، وَاللَّيْثُ، وَالْأَوْزَاعِيُّ، وَابْنُ أَبِي لَيْلَى وَمَنْ قَبْلَهُمْ مِمَّنْ تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ وَهُوَ ابْنُ مَسْعُودٍ وَأَتْبَاعُهُ وَمَالِكٌ فِي الْمَشْهُورِ عَنْهُ، وَعَنْهُ عَدَمُ الْوُقُوعِ مُطْلَقًا وَلَوْ عَيَّنَ، وَعَنِ ابْنِ الْقَاسِمِ مِثْلُهُ، وَعَنْهُ أَنَّهُ تَوَقَّفَ، وكَذَا عَنِ الثَّوْرِيِّ، وَأَبِي عُبَيْدٍ.

وَقَالَ جُمْهُورُ الْمَالِكِيَّةِ بِالتَّفْصِيلِ، فَإِنْ سَمَّى امْرَأَةً أَوْ طَائِفَةً أَوْ قَبِيلَةً أَوْ مَكَانًا أَوْ زَمَانًا يُمْكِنُ أَنْ يَعِيشَ إِلَيْهِ لَزِمَهُ الطَّلَاقُ وَالْعِتْقُ، وَجَاءَ عَنْ عَطَاءٍ مَذْهَبٌ آخَرُ مُفَصَّلٌ بَيْنَ أَنْ يَشْرِطَ ذَلِكَ فِي عَقْدِ نِكَاحِ امْرَأَتِهِ أَوْ لَا، فَإِنْ شَرَطَهُ لَمْ يَصِحَّ تَزْوِيجُ مَنْ عَيَّنَهَا وَإِلَّا صَحَّ أَخْرَجَهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ، وَتَأَوَّلَ الزُّهْرِيُّ وَمَنْ تَبِعَهُ قَوْلَهُ لَا طَلَاقَ قَبْلَ نِكَاحٍ أَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى مَنْ لَمْ يَتَزَوَّجْ أَصْلًا، فَإِذَا قِيلَ لَهُ مَثَلًا تَزَوَّجْ فُلَانَةَ فَقَالَ هِيَ طَالِقٌ الْبَتَّةَ لَمْ يَقَعْ بِذَلِكَ شَيْءٌ وَهُوَ الَّذِي وَرَدَ فِيهِ الْحَدِيثِ وَأَمَّا إِذَا قَالَ إِنْ تَزَوَّجْتُ فُلَانَةَ فَهِيَ طَالِقٌ فَإِنَّ الطَّلَاقَ إِنَّمَا يَقَعُ حِينَ تَزَوَّجَهَا، وَمَا ادَّعَاهُ مِنَ التَّأْوِيلِ تَرُدُّهُ الْآثَارُ الصَّرِيحَةُ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ وَغَيْرِهِ مِنْ مَشَايِخِ الزُّهْرِيِّ فِي أَنَّهُمْ أَرَادُوا عَدَمَ وُقُوعِ الطَّلَاقِ عَمَّنْ قَالَ إِنْ تَزَوَّجَتْ فَهِيَ طَالِقٌ سَوَاءٌ خَصَّصَ أَمْ عَمَّمَ أَنَّهُ لَا يَقَعُ، وَلِشُهْرَةِ الِاخْتِلَافِ كَرِهَ أَحْمَدُ مُطْلَقًا وَقَالَ إِنْ تَزَوَّجَ لَا آمُرُهُ أَنْ يُفَارِقَ، وَكَذَا قَالَ إِسْحَاقُ فِي الْمُعَيَّنَةِ.

قَالَ الْبَيْهَقِيُّ بَعْدَ أَنْ أَخْرَجَ كَثِيرًا مِنَ الْأَخْبَارِ، ثُمَّ مِنَ الْآثَارِ الْوَارِدَةِ فِي عَدَمِ الْوُقُوعِ: هَذِهِ الْآثَارُ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ مُعْظَمَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ فَهِمُوا مِنَ الْأَخْبَارِ أَنَّ الطَّلَاقَ أَوِ الْعَتَاقَ الَّذِي عَلَّقَ قَبْلَ النِّكَاحِ وَالْمِلْكِ لَا يَعْمَلُ بَعْدَ وُقُوعِهِمَا، وَأَنَّ تَأْوِيلَ الْمُخَالِفِ فِي حَمْلِهِ عَدَمُ الْوُقُوعِ عَلَى مَا إِذَا وَقَعَ قَبْلَ الْمِلْكِ، وَالْوُقُوعُ فِيمَا إِذَا وَقَعَ بَعْدَهُ، لَيْسَ بِشَيْءٍ. لِأَنَّ كُلَّ أَحَدٍ يَعْلَمُ بِعَدَمِ الْوُقُوعِ قَبْلَ وُجُودِ عَقْدِ النِّكَاحِ أَوِ الْمِلْكِ فَلَا يَبْقَى فِي الْإِخْبَارِ فَائِدَةٌ، بِخِلَافِ مَا إِذَا حَمَلْنَاهُ عَلَى ظَاهِرِهِ فَإِنَّ فِيهِ فَائِدَةً وَهُوَ الْإِعْلَامُ بِعَدَمِ الْوُقُوعِ وَلَوْ بَعْدَ وُجُودِ الْعَقْدِ، فَهَذَا يُرَجِّحُ مَا ذَهَبْنَا إِلَيْهِ مِنْ حَمْلِ الْأَخْبَارِ عَلَى ظَاهِرِهَا وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

وَأَشَارَ الْبَيْهَقِيُّ بِذَلِكَ إِلَى مَا تَقَدَّمَ عَنِ الزُّهْرِيِّ وَإِلَى مَا ذَكَرَهُ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّأِ أَنَّ قَوْمًا بِالْمَدِينَةِ كَانُوا يَقُولُونَ إِذَا حَلَفَ الرَّجُلُ بِطَلَاقِ امْرَأَةٍ قَبْلَ أَنْ يَنْكِحَهَا ثُمَّ حَنِثَ لَزِمَ إِذَا نَكَحَهَا، حَكَاهُ ابْنُ بَطَّالٍ قَالَ: وَتَأَوَّلُوا حَدِيثَ لَا طَلَاقَ قَبْلَ نِكَاحٍ عَلَى مَنْ يَقُولُ امْرَأَةُ فُلَانٍ طَالِقٌ، وَعُورِضَ مَنْ أَلْزَمَ بِذَلِكَ بِالِاتِّفَاقِ عَلَى أَنَّ مَنْ قَالَ لِامْرَأَةٍ: إِذَا قَدِمَ فُلَانٌ فَأْذَنِي لِوَلِيِّكِ أَنْ يُزَوِّجَنِيكِ، فَقَالَتْ: إِذَا قَدِمَ فُلَانٌ فَقَدْ أَذِنْتُ لِوَلِيِّي فِي ذَلِكَ، أَنَّ فُلَانًا إِذَا قَدِمَ لَمْ يَنْعَقِدِ التَّزْوِيجُ حَتَّى تُنْشِئَ عَقْدًا جَدِيدًا. وَعَلَى