للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

عَلَى الْإِغْلَاقِ نَظَرٌ، إِلَّا إِنْ كَانَ يَذْهَبُ إِلَى أَنَّ الْإِغْلَاقَ الْغَضَبُ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ قَبْلَ الْكَافِ مِيمٌ لِأَنَّهُ عَطَفَ عَلَيْهِ السَّكْرَانَ فَيَكُونُ التَّقْدِيرُ بَابَ حُكْمِ الطَّلَاقِ فِي الْإِغْلَاقِ وَحُكْمِ الْمُكْرَهِ وَالسَّكْرَانِ وَالْمَجْنُونِ إِلَخْ.

وَقَدِ اخْتَلَفَ السَّلَفُ فِي طَلَاقِ الْمُكْرَهِ، فَرَوَى ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَغَيْرُهُ عَنْ إِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ أَنَّهُ يَقَعُ، قَالَ: لِأَنَّهُ شَيْءٌ افْتَدَى بِهِ نَفْسَهُ، وَبِهِ قَالَ أَهْلُ الرَّأْيِ، وَعَنْ إِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ تَفْصِيلٌ آخَرُ: إِنْ وَرَّى الْمُكْرَهُ لَمْ يَقَعْ وَإِلَّا وَقَعَ، وَقَالَ الشَّعْبِيُّ: إِنْ أَكْرَهَهُ اللُّصُوصُ وَقَعَ وَإِنْ أَكْرَهَهُ السُّلْطَانُ فَلَا، أَخْرَجَهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ، وَوَجَّهَهُ بِأَنَّ اللُّصُوصَ مِنْ شَأْنِهِمْ أَنْ يَقْتُلُوا مَنْ يُخَالِفُهُمْ غَالِبًا بِخِلَافِ السُّلْطَانِ. وَذَهَبَ الْجُمْهُورُ إِلَى عَدَمِ اعْتِبَارِ مَا يَقَعُ فِيهِ، وَاحْتَجَّ عَطَاءٌ بِآيَةِ النَّحْلِ ﴿إِلا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ﴾ قَالَ عَطَاءٌ: الشِّرْكُ أَعْظَمُ مِنَ الطَّلَاقِ، أَخْرَجَهُ سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ، وَقَرَّرَهُ الشَّافِعِيُّ بِأَنَّ اللَّهَ لَمَّا وَضَعَ الْكُفْرَ عَمَّنْ تَلَفَّظَ بِهِ حَالَ الْإِكْرَاهِ وَأَسْقَطَ عَنْهُ أَحْكَامَ الْكُفْرِ فَكَذَلِكَ يَسْقُطُ عَنِ الْمُكْرَهِ مَا دُونَ الْكُفْرِ لِأَنَّ الْأَعْظَمَ إِذَا سَقَطَ سَقَطَ مَا هُوَ دُونَهُ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى، وَإِلَى هَذِهِ النُّكْتَةِ أَشَارَ الْبُخَارِيُّ بِعَطْفِ الشِّرْكِ عَلَى الطَّلَاقِ فِي التَّرْجَمَةِ.

وَأَمَّا قَوْلُهُ وَالسَّكْرَانُ فَسَيَأْتِي ذِكْرُ حُكْمِهِ فِي الْكَلَامِ عَلَى أَثَرِ عُثْمَانَ فِي هَذا الْبَابِ، وَقَدْ يَأْتِي السَّكْرَانُ فِي كَلَامِهِ وَفِعْلِهِ بِمَا لَا يَأْتِي بِهِ وَهُوَ صَاحٍ لِقَوْلِهِ تَعَالَى ﴿حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ﴾ فإِنَّ فِيهَا دَلَالَةً عَلَى أَنَّ مَنْ عَلِمَ مَا يَقُولُ لَا يَكُونُ سَكْرَانَ، وَأَمَّا الْمَجْنُونُ فَسَيَأْتِي فِي أَثَرِ عَلِيٍّ مَعَ عُمَرَ.

وَقَوْلُهُ وَأَمَرَهُمَا فَمَعْنَاهُ هَلْ حُكْمُهُمَا وَاحِدٌ أَوْ يَخْتَلِفُ؟ وَقَوْلُهُ وَالْغَلَطُ وَالنِّسْيَانُ فِي الطَّلَاقِ وَالشِّرْكِ وَغَيْرِهِ أَيْ إِذَا وَقَعَ مِنَ الْمُكَلَّفِ مَا يَقْتَضِي الشِّرْكَ غَلَطًا أَوْ نِسْيَانًا هَلْ يُحْكَمُ عَلَيْهِ بِهِ، وَإِذَا كَانَ لَا يُحْكَمُ عَلَيْهِ بِهِ فَلْيَكُنِ الطَّلَاقُ كَذَلِكَ، وَقَوْلُهُ وَغَيْرِهِ أَيْ وَغَيْرِ الشِّرْكِ مِمَّا هُوَ دُونَهُ، وَذَكَرَ شَيْخُنَا ابْنُ الْمُلَقِّنِ أَنَّهُ فِي بَعْضِ النُّسَخِ وَالشَّكِّ بَدَلَ الشِّرْكِ، قَالَ: وَهُوَ الصَّوَابُ، وَتَبِعَهُ الزَّرْكَشِيُّ لَكِنْ قَالَ: وَهُوَ أَلْيَقُ، وَكَأَنَّ مُنَاسَبَةَ لَفْظِ الشِّرْكِ خَفِيَتْ عَلَيْهِمَا، وَلَمْ أَرَهُ فِي شَيْءٍ مِنَ النُّسَخِ الَّتِي وَقَفْتُ عَلَيْهَا بِلَفْظِ الشَّكِّ، فَإِنْ ثَبَتَتْ فَتَكُونُ مَعْطُوفَةً عَلَى النِّسْيَانِ لَا عَلَى الطَّلَاقِ. ثُمَّ رَأَيْتُ سَلَفَ شَيْخِنَا وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ بَطَّالٍ وَقَعَ فِي كَثِيرٍ مِنَ النُّسَخِ وَالنِّسْيَانِ فِي الطَّلَاقِ وَالشِّرْكِ وَهُوَ خَطَأٌ وَالصَّوَابُ وَالشَّكُّ مَكَانَ الشِّرْكِ اهـ، فَفَهِمَ شَيْخُنَا مِنْ قَوْلِهِ فِي كَثِيرٍ مِنَ النُّسَخِ أَنَّ فِي بَعْضِهَا بلَفْظ الشَّكِّ فَجَزَمَ بِذَلِكَ.

وَاخْتَلَفَ السَّلَفُ فِي طَلَاقِ النَّاسِي فَكَانَ الْحَسَنُ يَرَاهُ كَالْعَمْدِ إِلَّا إِنِ اشْتَرَطَ فَقَالَ إِلَّا أَنْ أَنْسَى، أَخْرَجَهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ، وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ أَيْضًا عَنْ عَطَاءٍ أَنَّهُ كَانَ لَا يَرَاهُ شَيْئًا وَيَحْتَجُّ بِالْحَدِيثِ الْمَرْفُوعِ الْآتِي كَمَا سَأُقَرِّرُهُ بَعْدُ، وَهُوَ قَوْلُ الْجُمْهُورِ.

وَكَذَلِكَ اخْتُلِفَ فِي طَلَاقِ الْمُخْطِئِ فَذَهَبَ الْجُمْهُورُ إِلَى أَنَّهُ لَا يَقَعُ، وَعَنِ الْحَنَفِيَّةِ مِمَّنْ أَرَادَ أَنْ يَقُولَ لِامْرَأَتِهِ شَيْئًا فَسَبَقَهُ لِسَانُهُ فَقَالَ أَنْتِ طَالِقٌ يَلْزَمُهُ الطَّلَاقُ.

وَأَشَارَ الْبُخَارِيُّ بِقَوْلِهِ الْغَلَطُ وَالنِّسْيَانُ إِلَى الْحَدِيثِ الْوَارِدِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ مَرْفُوعًا إِنَّ اللَّهَ تَجَاوَزَ عَنْ أُمَّتِي الْخَطَأَ وَالنِّسْيَانَ وَمَا اسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ فَإِنَّهُ سَوَّى بَيْنَ الثَّلَاثَةِ فِي التَّجَاوُزِ، فَمَنْ حَمَلَ التَّجَاوُزَ عَلَى رَفْعِ الْإِثْمِ خَاصَّةً دُونَ الْوُقُوعِ فِي الْإِكْرَاهِ لَزِمَ أَنْ يَقُولَ مِثْلَ ذَلِكَ فِي النِّسْيَانِ، وَالْحَدِيثُ قَدْ أَخْرَجَهُ ابْنُ مَاجَهْ وَصَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ.

وَاخْتُلِفَ أَيْضًا فِي طَلَاقِ الْمُشْرِكِ فَجَاءَ عَنِ الْحَسَنِ، وَقَتَادَةَ، وَرَبِيعَةَ أَنَّهُ لَا يَقَعُ، وَنُسِبَ إِلَى مَالِكٍ، وَدَاوُدَ. وَذَهَبَ الْجُمْهُورُ إِلَى أَنَّهُ يَقَعُ كَمَا يَصِحُّ نِكَاحُهُ وَعِتْقُهُ وَغَيْرُ ذَلِكَ مِنْ أَحْكَامِهِ.

قَوْلُهُ (وَتَلَا الشَّعْبِيُّ: ﴿لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا﴾ رُوِّينَاهُ مَوْصُولًا فِي فَوَائِدِ هَنَّادِ بْنِ السَّرِيِّ الصَّغِيرِ مِنْ رِوَايَةِ سَلِيمٍ مَوْلَى الشَّعْبِيِّ عَنْهُ بِمَعْنَاهُ.

قَوْلُهُ (وَمَا لَا يَجُوزُ مِنْ إِقْرَارِ الْمُوَسْوِسِ) بِمُهْمَلَتَيْنِ وَالْوَاوُ الْأُولَى مَفْتُوحَةٌ وَالثَّانِيَةُ مَكْسُورَةٌ.

قَوْلُهُ (وَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ لِلَّذِي أَقَرَّ عَلَى نَفْسِهِ: أَبِكَ جُنُونٌ؟) هُوَ طَرَفٌ مِنْ حَدِيثٍ ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فِي هَذَا الْبَابِ بِلَفْظِ