للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

يَمِينٌ، فَمَنْ صَحَّ يَمِينُهُ صَحَّ لِعَانُهُ، وَقِيلَ: لَا يَصِحُّ اللِّعَانُ إِلَّا مِنْ زَوْجَيْنِ حُرَّيْنِ مُسْلِمَيْنِ، لِأَنَّ اللِّعَانَ شَهَادَةٌ وَلَا يَصِحُّ مِنْ مَحْدُودٍ فِي قَذْفٍ، وَهَذَا الْحَدِيثُ حُجَّةٌ لَلْأَوَّلِينَ لِتَسْوِيَةِ الرَّاوِي بَيْنَ لَاعَنَ وَحَلَفَ، وَيُؤَيِّدُهُ أَنَّ الْيَمِينَ مَا دَلَّ عَلَى حَثٍّ أَوْ مَنْعٍ أَوْ تَحْقِيقِ خَبَرٍ وَهُوَ هُنَا كَذَلِكَ، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ ﷺ فِي بَعْضِ طُرُقِ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ فَقَالَ لَهُ: احْلِفْ بِاللَّهِ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ إِنِّي لِصَادِقٌ، يَقُولُ ذَلِكَ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ أَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ، وَالْبَيْهَقِيُّ مِنْ رِوَايَةِ جَرِيرِ بْنِ حَازِمٍ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْهُ، وَسَيَأْتِي قَرِيبًا لَوْلَا الْأَيْمَانُ لَكَانَ لِي وَلَهَا

شَأْنٌ وَاعْتَلَّ بَعْضُ الْحَنَفِيَّةِ بِأَنَّهَا لَوْ كَانَتْ يَمِينًا لَمَا تَكَرَّرَتْ، وَأُجِيبَ بِأَنَّهَا خَرَجَتْ عَنِ الْقِيَاسِ تَغْلِيظًا لِحُرْمَةِ الْفُرُوجِ كَمَا خَرَجَتِ الْقَسَامَةُ لِحُرْمَةِ الْأَنْفُسِ، وَبِأَنَّهَا لَوْ كَانَتْ شَهَادَةً لَمْ تُكَرَّرْ أَيْضًا. وَالَّذِي تَحَرَّرَ لِي أَنَّهَا مِنْ حَيْثُ الْجَزْمُ بِنَفْيِ الْكَذِبِ وَإِثْبَاتِ الصِّدْقِ يَمِينٌ، لَكِنْ أُطْلِقَ عَلَيْهَا شَهَادَةٌ لِاشْتِرَاطِ أَنْ لَا يُكْتَفَى فِي ذَلِكَ بِالظَّنِّ بَلْ لَا بُدَّ مِنْ وُجُودِ عِلْمِ كُلٍّ مِنْهُمَا بِالْأَمْرَيْنِ عِلْمًا يَصِحُّ مَعَهُ أَنْ يَشْهَدَ بِهِ، وَيُؤَيِّدُ كَوْنَهَا يَمِينًا أَنَّ الشَّخْصَ لَوْ قَالَ: أَشْهَدُ بِاللَّهِ لَقَدْ كَانَ كَذَا لَعُدَّ حَالِفًا. وَقَدْ قَالَ الْقَفَّالُ فِي مَحَاسِنِ الشَّرِيعَةِ: كُرِّرَتْ أَيْمَانُ اللِّعَانِ لِأَنَّهَا أُقِيمَتْ مَقَامَ أَرْبَعِ شُهُودٍ فِي غَيْرِهِ لِيُقَامَ عَلَيْهَا الْحَدُّ، وَمِنْ ثَمَّ سُمِّيَتْ شَهَادَاتٍ.

٢٨ - بَاب يَبْدَأُ الرَّجُلُ بِالتَّلَاعُنِ

٥٣٠٧ - حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عَدِيٍّ، عَنْ هِشَامِ بْنِ حَسَّانَ، حَدَّثَنَا عِكْرِمَةُ، عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ ﵄: أَنَّ هِلَالَ بْنَ أُمَيَّةَ قَذَفَ امْرَأَتَهُ فَجَاءَ، فَشَهِدَ، وَالنَّبِيُّ ﷺ يَقُولُ: إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ أَنَّ أَحَدَكُمَا كَاذِبٌ، فَهَلْ مِنْكُمَا تَائِبٌ؟ ثُمَّ قَامَتْ، فَشَهِدَتْ.

قَوْلُهُ: (بَابُ يَبْدَأُ الرَّجُلِ بِالتَّلَاعُنِ) ذَكَرَ فِيهِ حَدِيثَ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قِصَّةِ هِلَالِ بْنِ أُمَيَّةَ مُخْتَصَرًا وَكَأَنَّهُ أَخَذَ التَّرْجَمَةَ مِنْ قَوْلِهِ: ثُمَّ قَامَتْ فَشَهِدَتْ فَإِنَّهُ ظَاهِرٌ فِي أَنَّ الرَّجُلَ يُقَدَّمُ قَبْلَ الْمَرْأَةِ فِي الْمُلَاعَنَةِ، وَقَدْ وَرَدَ ذَلِكَ صَرِيحًا مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ كَمَا سَأَذْكُرُهُ فِي بَابِ صَدَاقِ الْمُلَاعَنَةِ وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَمَنْ تَبِعَهُ وَأَشْهَبُ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ، وَرَجَّحَهُ ابْنُ الْعَرَبِيِّ وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: لَوِ ابْتَدَأَتْ بِهِ الْمَرْأَةُ صَحَّ وَاعْتُدَّ بِهِ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ، وَاحْتَجُّوا بِأَنَّ اللَّهَ عَطَفَهُ بِالْوَاوِ وَهِيَ لَا تَقْتَضِي التَّرْتِيبَ. وَاحْتُجَّ لَلْأَوَّلِينَ بِأَنَّ اللِّعَانَ شُرِعَ لِدَفْعِ الْحَدِّ عَنِ الرَّجُلِ، وَيُؤَيِّدُهُ قَوْلُهُ ﷺ لِهِلَالٍ الْبَيِّنَةُ وَإِلَّا حَدٌّ فِي ظَهْرِكَ فَلَوْ بُدِئَ بِالْمَرْأَةِ لَكَانَ دَفَعًا لَأَمْرٍ لَمْ يَثْبُتْ، وَبِأَنَّ الرَّجُلَ يُمْكِنُهُ أَنْ يَرْجِعَ بَعْدَ أَنْ يَلْتَعْنَ كَمَا تَقَدَّمَ فَيَنْدَفِعُ عَنِ الْمَرْأَةِ، بِخِلَافِ مَا لَوْ بَدَأَتْ بِهِ الْمَرْأَةُ.

قَوْلُهُ: (عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ) كَذَا وَصَلَهُ هِشَامُ بْنُ حَسَّانَ، عَنْ عِكْرِمَةَ، وَتَابَعَهُ عَبَّادُ بْنُ مَنْصُورٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ فِي السُّنَنِ، وَسَاقَهُ أَبُو دَاوُدَ الطَّيَالِسِيُّ فِي مُسْنَدِهِ مُطَوَّلًا، وَاخْتُلِفَ عَلَى أَيُّوبَ: فَرَوَاهُ جَرِيرُ بْنُ حَازِمٍ عَنْهُ مَوْصُولًا أَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ، وَالْبَيْهَقِيُّ فِي الْخِلَافِيَّاتِ وَغَيْرِهَا وَكَذَا أَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ، وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ، وَابْنُ الْمُنْذِرِ، وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ مِنْ رِوَايَةِ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ، عَنْ أَيُّوبَ مَوْصُولًا، وَأَخْرَجَهُ الطَّبَرِيُّ مِنْ طَرِيقِ حَمَّادٍ مُرْسَلًا، قَالَ التِّرْمِذِيُّ: سَأَلْتُ مُحَمَّدًا عَنْ هَذَا الِاخْتِلَافِ فَقَالَ: حَدِيثُ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي هَذَا مَحْفُوظٌ.

قَوْلُهُ: (إنَّ هِلَالَ بْنَ أُمَيَّةَ قَذَفَ امْرَأَتَهُ فَجَاءَ فَشَهِدَ) كَذَا أَوْرَدَهُ هُنَا مُخْتَصَرًا، وَتَقَدَّمَ فِي تَفْسِيرِ النُّورِ مُطَوَّلًا، وَفِيهِ شَرْحُ قَوْلِهِ: الْبَيِّنَةُ أَوْ حَدٌّ فِي ظَهْرِكَ وَفِيهِ قَوْلُ هِلَالٍ: لَيُنْزِلَنَّ اللَّهُ مَا يُبَرِّئُ ظَهْرِي مِنَ