للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

تَقَدَّمَ قَرِيبًا فِي بَابِ مِنْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ أَنْتِ عَلَيَّ حَرَامٌ: وَلَمْ يَكُنْ مَعَهُ إِلَّا مِثْلُ الْهُدْبَةِ فَلَمْ يَقْرَبْنِي إِلَّا هَنَةً وَاحِدَةً وَلَمْ يَصِلْ مِنِّي إِلَى شَيْءٍ أَفَأَحِلُّ لِزَوْجِي الْأَوَّلِ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ : لَا تَحِلِّينَ لِزَوْجِكِ الْأَوَّلِ الْحَدِيثَ، وَفِي رِوَايَةِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ كَمَا تَقَدَّمَ أَيْضًا فِي أَوَائِلِ الطَّلَاقِ: وَإِنَّمَا مَعَهُ مِثْلُ الْهُدْبَةِ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ : لَعَلَّكِ تُرِيدِينَ أَنْ تَرْجِعِي إِلَى رِفَاعَةَ، لَا، الْحَدِيثَ. وَسَيَأْتِي فِي اللِّبَاسِ مِنْ طَرِيقِ أَيُّوبَ، عَنْ عِكْرِمَةَ أَنَّ رِفَاعَةَ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ فَتَزَوَّجَهَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنِ الزَّبِيرِ، قَالَتْ عَائِشَةُ: فَجَاءَتْ وَعَلَيْهَا خِمَارٌ أَخْضَرُ فَشَكَتْ إِلَيْهَا - أَيْ إِلَى عَائِشَةَ - مِنْ زَوْجِهَا وَأَرَتْهَا خَضْرَةٌ بِجِلْدِهَا، فَلَمَّا جَاءَ رَسُولُ اللَّهِ وَالنِّسَاءُ يُبْصِرْنَ بَعْضُهُنَّ بَعْضًا قَالَتْ عَائِشَةُ: مَا رَأَيْتَ مَا يَلْقَى الْمُؤْمِنَاتِ، لَجِلْدُهَا أَشَدُّ خَضْرَةً مِنْ ثَوْبِهَا. وَسَمِعَ زَوْجُهَا فَجَاءَ وَمَعَهُ ابْنَانِ لَهُ مِنْ غَيْرِهَا، قَالَتْ: وَاللَّهِ مَا لِي إِلَيْهِ مِنْ ذَنْبٍ إِلَّا أَنَّ مَا مَعَهُ لَيْسَ بِأَغْنَى عَنِّي مِنْ هَذِهِ - وَأَخَذَتْ هُدْبَةً مِنْ ثَوْبِهَا - فَقَالَ: كَذَبَتْ وَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنِّي لَأَنْفُضُهَا نَفْضَ الْأَدِيمِ، وَلَكِنَّهَا نَاشِزَةٌ تُرِيدُ رِفَاعَةَ. قَالَ: فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ لَمْ تَحِلَّ لَهُ، الْحَدِيثَ.

وَكَأَنَّ هَذِهِ الْمُرَاجَعَةَ بَيْنَهُمَا هيَ الَّتِي حَمَلَتْ خَالِدَ بْنَ سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ عَلَى قَوْلِهِ الَّذِي وَقَعَ فِي رِوَايَةِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ، فَإِنَّ فِي آخِرِ الْحَدِيثِ كَمَا سَيَأْتِي فِي كِتَابِ اللِّبَاسِ مِنْ طَرِيقِ شُعَيْبٍ عَنْهُ قَالَ: فَسَمِعَ خَالِدُ بْنُ سَعِيدٍ قَوْلَهَا وَهُوَ بِالْبَابِ فَقَالَ: يَا أَبَا بَكْرٍ، أَلَا تَنْهَى هَذِهِ عَمَّا تَجْهَرُ بِهِ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ ؟ فَوَاللَّهِ مَا يَزِيدُ رَسُولُ اللَّهِ عَلَى التَّبَسُّمِ. وَفِيهِ مَا كَانَ الصَّحَابَةُ عَلَيْهِ مِنْ سَلُّوكِ الْأَدَبِ بِحَضْرَةِ النَّبِيِّ وَإِنْكَارُهُمْ عَلَى مَنْ خَالَفَ ذَلِكَ بِفِعْلِهِ أَوْ قَوْلِهِ لِقَوْلِ خَالِدِ بْنِ سَعِيدٍ، لِأَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ وَهُوَ جَالِسٌ أَلَا تَنْهَى هَذِهِ؟ وَإِنَّمَا قَالَ خَالِدٌ ذَلِكَ لِأَنَّهُ كَانَ خَارِجَ الْحُجْرَةِ، فَاحْتَمَلَ عِنْدَهُ أَنْ يَكُونَ هُنَاكَ مَا يَمْنَعُهُ مِنْ مُبَاشَرَةِ نَهْيِهَا بِنَفْسِهِ، فَأَمَرَ بِهِ أَبَا بَكْرٍ لِكَوْنِهِ كَانَ جَالِسًا عِنْدَ النَّبِيِّ مُشَاهِدًا لِصُورَةِ الْحَالِ، وَلِذَلِكَ لَمَّا رَأَى أَبُو بَكْرٍ النَّبِيَّ يَتَبَسَّمُ عِنْدَ مَقَالَتِهَا لَمْ يَزْجُرْهَا، وَتَبَسُّمُهُ كَانَ تَعَجُّبًا مِنْهَا، إِمَّا لِتَصْرِيحِهَا بِمَا يَسْتَحِي النِّسَاءُ مِنَ التَّصْرِيحِ بِهِ غَالِبًا، وَإِمَّا لِضَعْفِ عَقْلِ النِّسَاءِ لِكَوْنِ الْحَامِلِ لَهَا عَلَى ذَلِكَ شِدَّةَ بُغْضِهَا فِي الزَّوْجِ الثَّانِي وَمَحَبَّتِهَا فِي الرُّجُوعِ إِلَى الزَّوْجِ الْأَوَّلِ، وَيُسْتَفَادُ مِنْهُ جَوَازُ وُقُوعِ ذَلِكَ.

(تَنْبِيهٌ): وَقَعَ فِي جَمِيعِ الطُّرُقِ مِنْ قَوْلِ خَالِدِ بْنِ سَعِيدٍ، لِأَبِي بَكْرٍ أَلَا تَنْهَى هَذِهِ عَمَّا تَجْهَرُ بِهِ؟ أَيْ تَرْفَعُ بِهِ صَوْتَهَا، وَذَكَرَهُ الدَّاوُدِيُّ بِلَفْظِ تَهْجُرُ بِتَقْدِيمِ التاء عَلَى الْجِيمِ، وَالْهُجْرُ بِضَمِّ الْهَاءِ الْفُحْشُ مِنَ الْقَوْلِ، وَالْمَعْنَى هُنَا عَلَيْهِ، لَكِنَّ الثَّابِتَ فِي الرِّوَايَاتِ مَا ذَكَرْتُهُ، وَذَكَرَ عِيَاضٌ أَنَّهُ وَقَعَ كَذَلِكَ فِي غَيْرِ الصَّحِيحِ. وَتَقَدَّمَ الْبَحْثُ فِي الشَّهَادَاتِ مَعَ مَنِ اسْتَدَلَّ بِكَلَامِ خَالِدٍ هَذَا لِجَوَازِ الشَّهَادَةِ عَلَى الصَّوْتِ.

قَوْلُهُ: (حَتَّى تَذُوقِي عُسَيْلَتَهُ وَيَذُوقَ عُسَيْلَتَكِ) كَذَا فِي الْمَوْضِعَيْنِ بِالتَّصْغِيرِ، وَاخْتُلِفَ فِي تَوْجِيهِهِ فَقِيلَ: هِيَ تَصْغِيرُ الْعَسَلِ لِأَنَّ الْعَسَلَ مُؤَنَّثٌ، جَزَمَ بِهِ الْقَزَّازُ ثُمَّ قَالَ: وَأَحْسَبُ التَّذْكِيرَ لُغَةً. وَقَالَ الْأَزْهَرِيُّ: يُذَكَّرُ وَيُؤَنَّثُ، وَقِيلَ: لِأَنَّ الْعَرَبَ إِذَا حَقرَتِ الشَّيْءِ أَدْخَلَتْ فِيهِ هَاءِ التَّأْنِيثِ، وَمِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُمْ: دُرَيْهِمَاتٌ فَجَمَعُوا الدِّرْهَمَ جَمْعَ الْمُؤَنَّثِ عِنْدَ إِرَادَةِ التَّحْقِيرِ، وَقَالُوا أَيْضًا فِي تَصْغِيرِ هِنْدٍ: هُنَيْدَةُ. وَقِيلَ: التَّأْنِيثُ بِاعْتِبَارِ الْوَطْأَةِ إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّهَا تَكْفِي فِي الْمَقْصُودِ مِنْ تَحْلِيلِهَا لِلزَّوْجِ الْأَوَّلِ، وَقِيلَ: الْمُرَادُ قِطْعَةٌ مِنَ الْعَسَلِ وَالتَّصْغِيرُ لِلتَّقْلِيلِ إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّ الْقَدْرَ الْقَلِيلَ كَافٍ فِي تَحْصِيلِ الْحِلِّ، قَالَ الْأَزْهَرِيُّ: الصَّوَابُ أَنَّ مَعْنَى الْعُسَيْلَةِ حَلَاوَةُ الْجِمَاعِ الَّذِي يَحْصُلُ بِتَغْيِيبِ الْحَشَفَةِ فِي الْفَرْجِ، وَأَنَّثَ تَشْبِيهًا بِقِطْعَةٍ مِنْ عَسَلٍ. وَقَالَ الدَّاوُدِيُّ: صُغِّرَتْ لِشِدَّةِ شَبَهِهَا بِالْعَسَلِ وَقِيلَ: مَعْنَى الْعُسَيْلَةُ النُّطْفَةُ، وَهَذَا يُوَافِقُ قَوْلَ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ. وَقَالَ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ: ذَوْقُ الْعُسَيْلَةِ كِنَايَةٌ عَنِ الْمُجَامَعَةِ وَهُوَ تَغْيِيبُ حَشَفَةِ الرَّجُلِ فِي فَرْجِ الْمَرْأَةِ، وَزَادَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ: حُصُولُ الْإِنْزَالِ. وَهَذَا الشَّرْطُ انْفَرَدَ بِهِ