للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

آخَرَ كَالْإِجْمَاعِ، وَرُدَّ بِأَنَّ الْمَنْقُولَ عَنِ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ أَنَّ الْإِحْدَادَ لَا يَجِبُ أَخْرَجَهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ، وَنَقَلَ الْخَلَّالُ بِسَنَدِهِ عَنْ أَحْمَدَ، عَنْ هُشَيْمٍ، عَنْ دَاوُدَ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، أَنَّهُ كَانَ لَا يَعْرِفُ الْإِحْدَادَ، قَالَ أَحْمَدُ: مَا كَانَ بِالْعِرَاقِ أَشَدُّ تَبَحُّرًا مِنْ هَذَيْنِ - يَعْنِي الْحَسَنَ، وَالشَّعْبِيَّ - قَالَ: وَخَفِيَ ذَلِكَ عَلَيْهِمَا، اهـ، وَمُخَالَفَتُهُمَا لَا تَقْدَحُ فِي الِاحْتِجَاجِ، وَإِنْ كَانَ فِيهَا رَدٌّ عَلَى مَنِ ادَّعَى الْإِجْمَاعَ. وَفِي أَثَرِ الشَّعْبِيِّ تَعَقُّبٌ عَلَى ابْنِ الْمُنْذِرِ حَيْثُ نَفَى الْخِلَافَ فِي الْمَسْأَلَةِ إِلَّا عَنِ الْحَسَنِ، وَأَيْضًا فَحَدِيثُ الَّتِي شَكَتْ عَيْنَهَا - وَهُوَ ثَالِثُ أَحَادِيثِ الْبَابِ - دَالٌّ عَلَى الْوُجُوبِ، وَإِلَّا لَمْ يَمْتَنِعِ التَّدَاوِي الْمُبَاحُ، وَأُجِيبَ أَيْضًا بِأَنَّ السِّيَاقَ يَدُلُّ عَلَى الْوُجُوبِ؛ فَإِنَّ كُلَّ مَا مُنِعَ مِنْهُ إِذَا دَلَّ دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِهِ كَانَ ذَلِكَ الدَّلِيلُ دَالًّا بِعَيْنِهِ عَلَى الْوُجُوبِ كَالْخِتَانِ، وَالزِّيَادَةِ عَلَى الرُّكُوعِ فِي الْكُسُوفِ وَنَحْوِ ذَلِكَ.

قَوْلُهُ: (لِامْرَأَةٍ) تَمَسَّكَ بِمَفْهُومِهِ الْحَنَفِيَّةُ، فَقَالُوا: لَا يَجِبُ الْإِحْدَادُ عَلَى الصَّغِيرَةِ، وَذَهَبَ الْجُمْهُورُ إِلَى وُجُوبِ الْإِحْدَادِ عَلَيْهَا كَمَا تَجِبُ الْعِدَّةُ، وَأَجَابُوا عَنِ التَّقْيِيدِ بِالْمَرْأَةِ أَنَّهُ خَرَجَ مَخْرَجَ الْغَالِبِ، وَعَنْ كَوْنِهَا غَيْرَ مُكَلَّفَةٍ بِأَنَّ الْوَلِيَّ هُوَ الْمُخَاطَبُ بِمَنْعِهَا مِمَّا تُمْنَعُ مِنْهُ الْمُعْتَدَّةُ، وَدَخَلَ فِي عُمُومِ قَوْلِهِ: امْرَأَةٌ الْمَدْخُولُ بِهَا وَغَيْرُ الْمَدْخُولِ بِهَا حُرَّةً كَانَتْ أَوْ أَمَةً، وَلَوْ كَانَتْ مُبَعَّضَةً أَوْ مُكَاتَبَةً أَوْ أُمَّ وَلَدٍ إِذَا مَاتَ عَنْهَا زَوْجُهَا لَا سَيِّدُهَا؛ لِتَقْيِيدِهِ بِالزَّوْجِ فِي الْخَبَرِ خِلَافًا لِلْحَنَفِيَّةِ.

قَوْلُهُ: (تُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ) اسْتَدَلَّ بِهِ الْحَنَفِيَّةُ بِأَنْ لَا إِحْدَادَ عَلَى الذِّمِّيَّةِ لِلتَّقْيِيدِ بِالْإِيمَانِ، وَبِهِ قَالَ بَعْضُ الْمَالِكِيَّةِ وَأَبُو ثَوْرٍ، وَتَرْجَمَ عَلَيْهِ النَّسَائِيُّ بِذَلِكَ، وَأَجَابَ الْجُمْهُورُ بِأَنَّهُ ذُكِرَ تَأْكِيدًا لِلْمُبَالَغَةِ فِي الزَّجْرِ فَلَا مَفْهُومَ لَهُ، كَمَا يُقَالُ: هَذَا طَرِيقُ الْمُسْلِمِينَ وَقَدْ يَسْلُكُهُ غَيْرُهُمْ. وَأَيْضًا فَالْإِحْدَادُ مِنْ حَقِّ الزَّوْجِ، وَهُوَ مُلْتَحَقٌ بِالْعِدَّةِ فِي حِفْظِ النَّسَبِ، فَتَدْخُلُ الْكَافِرَةُ فِي ذَلِكَ بِالْمَعْنَى، كَمَا دَخَلَ الْكَافِرُ فِي النَّهْيِ عَنِ السَّوْمِ عَلَى سَوْمِ أَخِيهِ، وَلِأَنَّهُ حَقٌّ لِلزَّوْجِيَّةِ فَأَشْبَهَ النَّفَقَةَ وَالسُّكْنَى، وَنَقَلَ السُّبْكِيُّ فِي فَتَاوِيهِ عَنْ بَعْضِهِمْ أَنَّ الذِّمِّيَّةَ دَاخِلَةٌ فِي قَوْلِهِ: تُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَرَدَّ عَلَى قَائِلِهِ وَبَيَّنَ فَسَادَ شُبْهَتِهِ فَأَجَادَ، وَقَالَ النَّوَوِيُّ: قَيَّدَ بِوَصْفِ الْإِيمَانِ؛ لِأَنَّ الْمُتَّصِفَ بِهِ هُوَ الَّذِي يَنْقَادُ لِلشَّرْعِ، قَالَ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ: وَالْأَوَّلُ أَوْلَى، وَفِي رِوَايَةٍ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ أَنَّ الذِّمِّيَّةَ الْمُتَوَفَّى عَنْهَا تَعْتَدُّ بِالْأَقْرَاءِ، قَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ: هُوَ قَوْلُ مَنْ قَالَ لَا إِحْدَادَ عَلَيْهَا.

قَوْلُهُ: (عَلَى مَيِّتٍ) اسْتُدِلَّ بِهِ لِمَنْ قَالَ: لَا إِحْدَادَ عَلَى امْرَأَةِ الْمَفْقُودِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ تَتَحَقَّقْ وَفَاتُهُ، خِلَافًا لِلْمَالِكِيَّةِ.

قَوْلُهُ: (إِلَّا عَلَى زَوْجٍ) أُخِذَ مِنْ هَذَا الْحَصْرِ أَنْ لَا يُزَادَ عَلَى الثَّلَاثِ فِي غَيْرِ الزَّوْجِ أَبًا كَانَ أَوْ غَيْرَهُ، وَأَمَّا مَا أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ فِي الْمَرَاسِيلِ مِنْ رِوَايَةِ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ أَنَّ النَّبِيَّ Object رَخَصَّ لِلْمَرْأَةِ أَنْ تَحُدَّ عَلَى أَبِيهَا سَبْعَةَ أَيَّامٍ، وَعَلَى مَنْ سِوَاهُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فَلَوْ صَحَّ لَكَانَ خُصُوصُ الْأَبِ يَخْرُجُ مِنْ هَذَا الْعُمُومِ، لَكِنَّهُ مُرْسَلٌ أَوْ مُعْضَلٌ؛ لِأَنَّ جُلَّ رِوَايَةِ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنِ التَّابِعِينَ وَلَمْ يَرْوِ عَنْ أَحَدٍ مِنَ الصَّحَابَةِ إِلَّا الشَّيْءَ الْيَسِيرَ عَنْ بَعْضِ صِغَارِ الصَّحَابَةِ.

وَوَهِمَ بَعْضُ الشُّرَّاحِ فَتَعَقَّبَ عَلَى أَبِي دَاوُدَ تَخْرِيجَهُ فِي الْمَرَاسِيلِ فَقَالَ: عَمْرُو بْنُ شُعَيْبٍ لَيْسَ تَابِعِيًّا، فَلَا يَخْرُجُ حَدِيثُهُ فِي الْمَرَاسِيلِ، وَهَذَا التَّعَقُّبُ مَرْدُودٌ؛ لِمَا قُلْنَاهُ، وَلِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ أَبُو دَاوُدَ كَانَ لَا يَخُصُّ الْمَرَاسِيلَ بِرِوَايَةِ التَّابِعِيِّ كَمَا هُوَ مَنْقُولٌ عَنْ غَيْرِهِ أَيْضًا، وَاسْتُدِلَّ بِهِ لِلْأَصَحِّ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ فِي أَنْ لَا إِحْدَادَ عَلَى الْمُطَلَّقَةِ، فَأَمَّا الرَّجْعِيَّةُ فَلَا إِحْدَادَ عَلَيْهَا إِجْمَاعًا، وَإِنَّمَا الِاخْتِلَافُ فِي الْبَائِنِ، فَقَالَ الْجُمْهُورُ: لَا إِحْدَادَ، وَقَالَتِ الْحَنَفِيَّةُ وَأَبُو عُبَيْدٍ، وَأَبُو ثَوْرٍ: عَلَيْهَا الْإِحْدَادُ قِيَاسًا عَلَى الْمُتَوَفَّى عَنْهَا، وَبِهِ قَالَ بَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ، وَاحْتَجَّ الْأَوَّلُونَ بِأَنَّ الْإِحْدَادَ شُرِعَ؛ لِأَنَّ تَرْكَهُ مِنَ التَّطَيُّبِ وَاللُّبْسِ وَالتَّزَيُّنِ يَدْعُو إِلَى الْجِمَاعِ، فَمُنِعَتِ الْمَرْأَةُ مِنْهُ زَجْرًا لَهَا عَنْ ذَلِكَ فَكَانَ ذَلِكَ ظَاهِرًا فِي حق الْمَيِّتِ؛ لِأَنَّهُ يَمْنَعُهُ الْمَوْتُ عَنْ مَنْعِ الْمُعْتَدَّةِ مِنْهُ عَنِ التَّزْوِيجِ، وَلَا تُرَاعِيهِ هِيَ وَلَا تَخَافُ مِنْهُ، بِخِلَافِ الْمُطَلِّقِ الْحَيِّ فِي ذَلِكَ، وَمِنْ ثَمَّ وَجَبَتِ الْعِدَّةُ