للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وَبِالْكَسْرِ فِي الِاسْمِ لَا غَيْرُ.

قَوْلُهُ: (وَكَانَتْ يَدِي تَطِيشُ فِي الصَّحْفَةِ) أَيْ: عِنْدَ الْأَكْلِ، وَمَعْنَى تَطِيشُ - وَهُوَ بِالطَّاءِ الْمُهْمَلَةِ وَالشِّينِ الْمُعْجَمَةِ بِوَزْنِ تَطِيرُ - تَتَحَرَّكُ، فَتَمِيلُ إِلَى نَوَاحِيَ الْقَصْعَةِ وَلَا تَقْتَصِرُ عَلَى مَوْضِعٍ وَاحِدٍ، قَالَهُ الطِّيبِيُّ: قَالَ: وَالْأَصْلُ أَطِيشُ بِيَدَيْ فَأَسْنَدَ الطَّيْشَ إِلَى يَدِهِ مُبَالَغَةً، وَقَالَ غَيْرُهُ: مَعْنَى تَطِيشُ: تَخِفُّ وَتُسْرِعُ، وَسَيَأْتِي فِي الْبَابِ الَّذِي يَلِيهِ بِلَفْظِ: أَكَلْتُ مَعَ النَّبِيِّ ﷺ طَعَامًا، فَجَعَلْتُ آكُلُ مِنْ نَوَاحِيَ الصَّحْفَةِ وَهُوَ يُفَسِّرُ الْمُرَادَ، وَالصَّحْفَةُ مَا تُشْبِعُ خَمْسَةً وَنَحْوَهَا، وَهِيَ أَكْبَرُ مِنَ الْقَصْعَةِ. وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ التِّرْمِذِيِّ مِنْ طَرِيقِ عُرْوَةَ: عَنْ عُمَرَ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ أَنَّهُ دَخَلَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ وَعِنْدَهُ طَعَامٌ، فَقَالَ: ادْنُ يَا بُنَيَّ، وَيَأْتِي فِي الرِّوَايَةِ الَّتِي فِي آخِرِ الْبَابِ الَّذِي يَلِيهِ: أَتَى النَّبِيُّ ﷺ بِطَعَامٍ وَعِنْدَهُ رَبِيبُهُ وَالْجَمْعُ بَيْنَهُمَا أَنَّ مَجِيءَ الطَّعَامِ وَافَقَ دُخُولَهُ.

قَوْلُهُ: (يَا غُلَامُ، سَمِّ اللَّهِ) قَالَ النَّوَوِيُّ: أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى اسْتِحْبَابِ التَّسْمِيَةِ عَلَى الطَّعَامِ فِي أَوَّلِهِ، وَفِي نَقْلِ الْإِجْمَاعِ عَلَى الِاسْتِحْبَابِ نَظَرٌ، إِلَّا إِنْ أُرِيدَ بِالِاسْتِحْبَابِ أَنَّهُ رَاجِحُ الْفِعْلِ، وَإِلَّا فَقَدْ ذَهَبَ جَمَاعَةٌ إِلَى وُجُوبِ ذَلِكَ، وَهُوَ قَضِيَّةُ الْقَوْلِ بِإِيجَابِ الْأَكْلِ بِالْيَمِينِ؛ لِأَنَّ صِيغَةَ الْأَمْرِ بِالْجَمِيعِ وَاحِدَةٌ.

قَوْلُهُ: (وَكُلْ بِيَمِينِكَ، وَمِمَّا يَلِيكَ) قَالَ شَيْخُنَا فِي شَرْحِ التِّرْمِذِيِّ: حَمَلَهُ أَكْثَرُ الشَّافِعِيَّةِ عَلَى النَّدْبِ، وَبِهِ جَزَمَ الْغَزَالِيُّ ثُمَّ النَّوَوِيُّ، لَكِنْ نَصَّ الشَّافِعِيُّ فِي الرِّسَالَةِ وَفِي مَوْضِعٍ آخَرَ مِنْ الْأُمِّ عَلَى الْوُجُوبِ. قُلْتُ: وَكَذَا ذَكَرَهُ عَنْهُ الصَّيْرَفِيُّ فِي شَرْحِ الرِّسَالَةِ وَنَقَلَ الْبُوَيْطِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ أَنَّ الْأَكْلَ مِنْ رَأْسِ الثَّرِيدِ وَالتَّعْرِيسَ عَلَى الطَّرِيقِ وَالْقِرَانَ فِي التَّمْرِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا وَرَدَ الْأَمْرُ بِضِدِّهِ حَرَامٌ، وَمَثَّلَ الْبَيْضَاوِيُّ فِي مِنْهَاجِهِ لِلنَّدَبِ بِقَوْلِهِ ﷺ: كُلْ مِمَّا يَلِيكَ وَتَعَقَّبَهُ تَاجُ الدِّينِ السُّبْكِيُّ فِي شَرْحِهِ بِأَنَّ الشَّافِعِيَّ نَصَّ فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ عَلَى أَنَّ مَنْ أَكَلَ مِمَّا لَا يَلِيهِ عَالِمًا بِالنَّهْيِ كَانَ عَاصِيًا آثِمًا. قَالَ: وَقَدْ جَمَعَ وَالِدِي نَظَائِرَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فِي كِتَابٍ لَهُ سَمَّاهُ كَشْفُ اللَّبْسِ عَنِ الْمَسَائِلِ الْخَمْسِ وَنَصَرَ الْقَوْلَ بِأَنَّ الْأَمْرَ فِيهَا لِلْوُجُوبِ. قُلْتُ: وَيَدُلُّ عَلَى وُجُوبِ الْأَكْلِ بِالْيَمِينِ وُرُودُ الْوَعِيدِ فِي الْأَكْلِ بِالشِّمَالِ فَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ مِنْ حَدِيثِ سَلَمَةَ بْنِ الْأَكْوَعِ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ رَأَى رَجُلًا يَأْكُلُ بِشِمَالِهِ، فَقَالَ: كُلْ بِيَمِينِكَ، قَالَ: لَا أَسْتَطِيعُ. قَالَ: لَا اسْتَطَعْتَ.

فَمَا رَفَعَهَا إِلَى فِيهِ بَعْدُ، وَأَخْرَجَ الطَّبَرَانِيُّ مِنْ حَدِيثِ سُبَيْعَةَ الْأَسْلَمِيَّةِ مِنْ حَدِيثِ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ رَأَى سُبَيْعَةَ الْأَسْلَمِيَّةَ تَأْكُلُ بِشِمَالِهَا، فَقَالَ: أَخَذَهَا دَاءُ غَزَّةَ، فَقَالَ: إِنَّ بِهَا قُرْحَةً، قَالَ: وَإِنْ، فَمَرَّتْ بِغَزَّةَ، فَأَصَابَهَا طَاعُونٌ فَمَاتَتْ، وَأَخْرَجَ مُحَمَّدُ بْنُ الرَّبِيعِ الْجِيزِيُّ فِي مُسْنَدِ الصَّحَابَةِ الَّذِينَ نَزَلُوا مِصْرَ وَسَنَدُهُ حَسَنٌ وَثَبَتَ النَّهْيُ عَنِ الْأَكْلِ بِالشِّمَالِ، وَأَنَّهُ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ وَمِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ عِنْدَ مُسْلِمٍ، وَعِنْدَ أَحْمَدَ بِسَنَدٍ حَسَنٍ عَنْ عَائِشَةَ رَفَعَتْهُ: مَنْ أَكَلَ بِشِمَالِهِ أَكَلَ مَعَهُ الشَّيْطَانُ الْحَدِيثَ. وَنَقَلَ الطِّيبِيُّ أَنَّ مَعْنَى قَوْلِهِ: إِنَّ الشَّيْطَانَ يَأْكُلُ بِشِمَالِهِ أَيْ: يَحْمِلُ أَوْلِيَاءَهُ مِنَ الْإِنْسِ عَلَى ذَلِكَ؛ لِيُضَادَّ بِهِ عِبَادَ اللَّهِ الصَّالِحِينَ قَالَ الطِّيبِيُّ: وَتَحْرِيرُهُ لَا تَأْكُلُوا بِالشِّمَالِ، فَإِنْ فَعَلْتُمْ كُنْتُمْ مِنْ أَوْلِيَاءِ الشَّيْطَانِ؛ فَإِنَّ الشَّيْطَانَ يَحْمِلُ أَوْلِيَاءَهُ عَلَى ذَلِكَ. انْتَهَى. وَفِيهِ عُدُولٌ عَنِ الظَّاهِرِ، وَالْأَوْلَى حَمْلُ الْخَبَرِ عَلَى ظَاهِرِهِ، وَأَنَّ الشَّيْطَانَ يَأْكُلُ حَقِيقَةً؛ لِأَنَّ الْعَقْلَ لَا يُحِيلُ ذَلِكَ، وَقَدْ ثَبَتَ الْخَبَرُ بِهِ، فَلَا يُحْتَاجُ إِلَى تَأْوِيلِهِ، وَحَكَى الْقُرْطُبِيُّ فِي ذَلِكَ احْتِمَالَيْنِ ثُمَّ قَالَ: وَالْقُدْرَةُ صَالِحَةٌ. ثُمَّ ذَكَرَ مِنْ عِنْدِ مُسْلِمٍ أَنَّ الشَّيْطَانَ يَسْتَحِلُّ الطَّعَامَ إِذَا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ، قَالَ: وَهَذَا عِبَارَةٌ عَنْ تَنَاوُلِهِ، وَقِيلَ: مَعْنَاهُ اسْتِحْسَانُهُ رَفْعَ الْبَرَكَةِ مِنْ ذَلِكَ الطَّعَامِ إِذَا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ.

قَالَ الْقُرْطُبِيُّ: وَقَوْلُهُ ﷺ: فَإِنَّ الشَّيْطَانَ يَأْكُلُ بِشِمَالِهِ ظَاهِرُهُ أَنَّ مَنْ فَعَلَ ذَلِكَ تَشَبَّهَ بِالشَّيْطَانِ، وَأَبْعَدَ وَتَعَسَّفَ مَنْ أَعَادَ الضَّمِيرَ فِي شِمَالِهِ عَلَى الْآكِلِ.

قَالَ النَّوَوِيُّ: فِي هَذِهِ الْأَحَادِيثِ اسْتِحْبَابُ الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ بِالْيَمِينِ، وَكَرَاهَةُ ذَلِكَ بِالشِّمَالِ، وَكَذَلِكَ كُلُّ أَخْذٍ وَعَطَاءٍ كَمَا وَقَعَ فِي بَعْضِ طُرُقِ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ،