للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

بِالْكِلَابِ وَالطُّيُورِ، وَهُوَ قَوْلُ الْجُمْهُورِ إِلَّا مَا رُوِيَ عَنِ ابْنِ عُمَرَ، وَابْنِ عَبَّاسٍ مِنَ التَّفْرِقَةِ بَيْنَ صَيْدِ الْكَلْبِ وَالطَّيْرِ. قَوْلُهُ (إِذْ أَرْسَلْتَ كِلَابَكَ الْمُعَلَّمَةَ فَإِنْ وَجَدْتَ مَعَ كَلْبِكَ كَلْبًا غَيْرَهُ) فِي رِوَايَةِ بَيَانٍ: وَإِنْ خَالَطَهَا كِلَابٌ مِنْ غَيْرِهَا فَلَا تَأْكُلْ وَزَادَ فِي رِوَايَتِهِ بَعْدَ قَوْلِهِ: ﴿مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ﴾ وَإِنْ قَتَلْنَ، إِلَّا أَنْ يَأْكُلَ الْكَلْبُ فَإِنِّي أَخَافُ أَنْ يَكُونَ إِنَّمَا أَمْسَكَ عَلَى نَفْسِهِ وَفِي رِوَايَةِ ابْنِ أَبِي السَّفَرِ: قُلْتُ، فَإِنْ أَكَلَ؟ قَالَ: فَلَا تَأْكُلْ، فَإِنَّهُ لَمْ يُمْسِكْ عَلَيْكَ إِنَّمَا أَمْسَكَ عَلَى نَفْسِهِ، وَسَيَأْتِي بَعْدَ أَبْوَابٍ زِيَادَةٌ فِي رِوَايَةِ عَاصِمٍ، عَنِ الشَّعْبِيِّ فِي رَمْي الصَّيْدِ إِذَا غَابَ عَنْهُ وَوَجَدَهُ بَعْدَ يَوْمٍ أَوْ أَكْثَرَ. وَفِي الْحَدِيثِ اشْتِرَاطُ التَّسْمِيَةِ عِنْدَ الصَّيْدِ، وَقَدْ وَقَعَ فِي حَدِيثِ أَبِي ثَعْلَبَةَ كَمَا سَيَأْتِي بَعْدَ أَبْوَابٍ وَمَا صِدْتَ بِكَلْبِكَ الْمُعَلَّمِ فَذَكَرْتَ اسْمَ اللَّهِ فَكُلْ وَقَدْ أَجْمَعُوا عَلَى مَشْرُوعِيَّتِهَا إِلَّا أَنَّهُمُ اخْتَلَفُوا فِي كَوْنِهَا شَرْطًا فِي حِلِّ الْأَكْلِ فَذَهَبَ الشَّافِعِيُّ وَطَائِفَةٌ - وَهِيَ رِوَايَةٌ عَنْ مَالِكٍ، وَأَحْمَدَ - أَنَّهَا سُنَّةٌ، فَمَنْ تَرَكَهَا عَمْدًا أَوْ سَهْوًا لَمْ يَقْدَحْ فِي حِلِّ الْأَكْلِ.

وَذَهَبَ أَحْمَدُ فِي الرَّاجِحِ عَنْهُ وَأَبُو ثَوْرٍ وَطَائِفَةٌ إِلَى أَنَّهَا وَاجِبَةٌ لِجَعْلِهَا شَرْطًا فِي حَدِيثِ عَدِيٍّ، وَلِإِيقَافِ الْإِذْنِ فِي الْأَكْلِ عَلَيْهَا فِي حَدِيثِ أَبِي ثَعْلَبَةَ، وَالْمُعَلَّقُ بِالْوَصْفِ يَنْتَفِي عِنْدَ انْتِفَائِهِ عِنْدَ مَنْ يَقُولُ بِالْمَفْهُومِ، وَالشَّرْطُ أَقْوَى مِنَ الْوَصْفِ، وَيَتَأَكَّدُ الْقَوْلُ بِالْوُجُوبِ بِأَنَّ الْأَصْلَ تَحْرِيمُ الْمَيْتَةِ، وَمَا أُذِنَ فِيهِ مِنْهَا تُرَاعَى صِفَتُهُ، فَالْمُسَمَّى عَلَيْهَا وَافَقَ الْوَصْفَ وَغَيْرُ الْمُسَمَّى بَاقٍ عَلَى أَصْلِ التَّحْرِيمِ. وَذَهَبَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَمَالِكٌ، وَالثَّوْرِيُّ وَجَمَاهِيرُ الْعُلَمَاءِ إِلَى الْجَوَازِ لِمَنْ تَرَكَهَا سَاهِيًا لَا عَمْدًا، لَكِنِ اخْتُلِفَ عَنِ الْمَالِكِيَّةِ: هَلْ تَحْرُمُ أَوْ تُكْرَهُ؟ وَعِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ تَحْرُمُ، وَعِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ فِي الْعَمْدِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ: أَصَحُّهَا يُكْرَهُ الْأَكْلُ، وَقِيلَ خِلَافُ الْأُولَى، وَقِيلَ: يَأْثَمُ بِالتَّرْكِ وَلَا يَحْرُمُ الْأَكْلُ. وَالْمَشْهُورُ عَنْ أَحْمَدَ التَّفْرِقَةُ بَيْنَ الصَّيْدِ وَالذَّبِيحَةِ، فَذَهَبَ فِي الذَّبِيحَةِ إِلَى هَذَا الْقَوْلِ الثَّالِثِ، وَسَيَأْتِي حُجَّةُ مَنْ لَمْ يَشْتَرِطْهُ فِيهَا فِي الذَّبَائِحِ مُفَصَّلَةً، وَفِيهِ إِبَاحَةُ الِاصْطِيَادِ بِالْكِلَابِ الْمُعَلَّمَةِ، وَاسْتَثْنَى أَحْمَدُ، وَإِسْحَاقُ الْكَلْبَ الْأَسْوَدَ وَقَالَا: لَا يَحِلُّ الصَّيْدُ بِهِ لِأَنَّهُ شَيْطَانٌ وَنُقِلَ عَنِ الْحَسَنِ، وَإِبْرَاهِيمَ، وَقَتَادَةَ نَحْوَ ذَلِكَ.

وَفِيهِ جَوَازُ أَكْلِ مَا أَمْسَكَهُ الْكَلْبُ بِالشُّرُوطِ الْمُتَقَدِّمَةِ وَلَوْ لَمْ يُذْبَحْ لِقَوْلِهِ إِنَّ أَخْذَ الْكَلْبِ ذَكَاةٌ فَلَوْ قَتَلَ الصَّيْدَ بِظُفُرِهِ أَوْ نَابِهِ حَلَّ، وَكَذَا بِثِقَلِهِ عَلَى أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ لِلشَّافِعِيِّ وَهُوَ الرَّاجِحُ عِنْدَهُمْ، وَكَذَا لَوْ لَمْ يَقْتُلْهُ الْكَلْبُ لَكِنْ تَرَكَهُ وَبِهِ رَمَقٌ وَلَمْ يَبْقَ زَمَنٌ يُمْكِنُ صَاحِبَهُ فِيهِ لَحَاقُهُ وَذَبْحُهُ فَمَاتَ حَلَّ، لِعُمُومِ قَوْلِهِ فَإِنَّ أَخْذَ الْكَلْبِ ذَكَاةٌ وَهَذَا فِي الْمُعَلَّمِ، فَلَوْ وَجَدَهُ حَيًّا حَيَاةً مُسْتَقِرَّةً وَأَدْرَكَ ذَكَاتَهُ لَمْ يَحِلَّ إِلَّا بِالتَّذْكِيَةِ، فَلَوْ لَمْ يَذْبَحْهُ مَعَ الْإِمْكَانِ حَرُمَ، سَوَاءٌ كَانَ عَدَمُ الذَّبْحِ اخْتِيَارًا أَوْ إِضْرَارًا كَعَدَمِ حُضُورِ آلَةِ الذَّبْحِ، فَإِنْ كَانَ الْكَلْبُ غَيْرَ مُعَلَّمٍ اشْتَرَطَ إِدْرَاكَ تَذْكِيَتِهِ، فَلَوْ أَدْرَكَهُ مَيِّتًا لَمْ يَحِلَّ. وَفِيهِ أَنَّهُ لَا يَحِلُّ أَكْلُ مَا شَارَكَهُ فِيهِ كَلْبٌ آخَرُ فِي اصْطِيَادِهِ، وَمَحِلُّهُ مَا إِذَا اسْتَرْسَلَ بِنَفْسِهِ أَوْ أَرْسَلَهُ مَنْ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ الذَّكَاةِ، فَإِنْ تَحَقَّقَ أَنَّهُ أَرْسَلَهُ مَنْ هُوَ مِنْ أَهْلِ الذَّكَاةِ حَلَّ، ثُمَّ يَنْظُرُ فَإِنْ أرسلاهما مَعًا فَهُوَ لَهُمَا وَإِلَّا فَلِلْأَوَّلِ، وَيُؤْخَذُ ذَلِكَ مِنَ التَّعْلِيلِ فِي قَوْلِهِ: فَإِنَّمَا سَمَّيْتَ عَلَى كَلْبِكَ وَلَمْ تُسَمِّ عَلَى غَيْرِهِ فَإِنَّهُ يَفْهَمُ مِنْهُ أَنَّ الْمُرْسِلَ لَوْ سَمَّى عَلَى الْكَلْبِ لَحَلَّ.

وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ بَيَانٍ، عَنِ الشَّعْبِيِّ وَإِنْ خَالَطَهَا كِلَابٌ مِنْ غَيْرِهَا فَلَا تَأْكُلْ فَيُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّهُ لَوْ وَجَدَهُ حَيًّا وَفِيهِ حَيَاةٌ مُسْتَقِرَّةٌ فَذَكَّاهُ حَلَّ، لِأَنَّ الِاعْتِمَادَ فِي الْإِبَاحَةِ عَلَى التَّذْكِيَةِ لَا عَلَى إِمْسَاكِ الْكَلْبِ. وَفِيهِ تَحْرِيمُ أَكْلِ الصَّيْدِ الَّذِي أَكَلَ الْكَلْبُ مِنْهُ وَلَوْ كَانَ الْكَلْبُ مُعَلَّمًا، وَقَدْ عَلَّلَ فِي الْحَدِيثِ بِالْخَوْفِ مِنْ أَنَّهُ إِنَّمَا أَمْسَكَ عَلَى نَفْسِهِ وَهَذَا قَوْلُ الْجُمْهُورِ، وَهُوَ الرَّاجِحُ مِنْ قَوْلَيِ الشَّافِعِيِّ، وَقَالَ فِي الْقَدِيمِ - وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ وَنَقَلَ عَنْ بَعْضِ الصَّحَابَةِ - يَحِلُّ، وَاحْتَجُّوا بِمَا وَرَدَ فِي حَدِيثِ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ أَنَّ أَعْرَابِيًّا يُقَالُ لَهُ أَبُو ثَعْلَبَةَ قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ لِي كِلَابًا مُكَلَّبَةً، فَأَفْتِنِي فِي صَيْدِهَا. قَالَ: كُلْ مِمَّا