للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

لِمَا دَلَّ عَلَيْهِ الَّذِي قَبْلَهُ أَنَّ الْإِذْنَ كَانَ فِي سَنَةِ عَشْرٍ، قَالَ ابْنُ الْمُنِيرِ: وَجْهُ قَوْلِهِمْ هَلْ نَفْعَلُ كَمَا كُنَّا نَفْعَلُ؟ مَعَ أَنَّ النَّهْيَ يَقْتَضِي الِاسْتِمْرَارَ، لِأَنَّهُمْ فَهِمُوا أَنَّ ذَلِكَ النَّهْيَ وَرَدَ عَلَى سَبَبٍ خَاصٍّ، فَلَمَّا احْتَمَلَ عِنْدَهُمْ عُمُومَ النَّهْيِ أَوْ خُصُوصَهُ مِنْ أَجْلِ السَّبَبِ سَأَلُوا، فَأَرْشَدَهُمْ إِلَى أَنَّهُ خَاصٌّ بِذَلِكَ الْعَامِّ مِنْ أَجْلِ السَّبَبِ الْمَذْكُورِ، وَقَوْلُهُ: كُلُوا وَأَطْعِمُوا تَمَسَّكَ بِهِ مَنْ قَالَ بِوُجُوبِ الْأَكْلِ مِنَ الْأُضْحِيَّةِ، وَلَا حُجَّةَ فِيهِ لِأَنَّهُ أَمْرٌ بَعْدَ حَظْرٍ فَيَكُونُ لِلْإِبَاحَةِ، وَاسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى أَنَّ الْعَامَّ إِذَا وَرَدَ عَلَى سَبَبٍ خَاصٍّ ضَعُفَتْ دَلَالَةُ الْعُمُومِ حَتَّى لَا يَبْقَى عَلَى أَصَالَتِهِ، لَكِنْ لَا يُقْتَصَرُ فِيهِ عَلَى السَّبَبِ.

قَوْلُهُ: (وَادَّخِرُوا) بِالْمُهْمَلَةِ، وَأَصْلُهُ مِنْ ذَخَرَ بِالْمُعْجَمَةِ دَخَلَتْ عَلَيْهَا تَاءُ الِافْتِعَالِ ثُمَّ أُدْغِمَتْ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ - تَعَالَى -: ﴿وَادَّكَرَ بَعْدَ أُمَّةٍ﴾ وَيُؤْخَذُ مِنَ الْإِذْنِ فِي الِادِّخَارِ الْجَوَازُ خِلَافًا لِمَنْ كَرِهَهُ، وَقَدْ وَرَدَ فِي الِادِّخَارِ: كَانَ يَدَّخِرُ لِأَهْلِهِ قُوتَ سَنَةٍ، وَفِي رِوَايَةٍ: كَانَ لَا يَدَّخِرُ لِغَدٍ، وَالْأَوَّلُ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَالثَّانِي فِي مُسْلِمٍ، وَالْجَمْعُ بَيْنَهُمَا أَنَّهُ كَانَ لَا يَدَّخِرُ لِنَفْسِهِ وَيَدَّخِرُ لِعِيَالِهِ، أَوْ أَنَّ ذَلِكَ كَانَ بِاخْتِلَافِ الْحَالِ فَيَتْرُكُهُ عِنْدَ حَاجَةِ النَّاسِ إِلَيْهِ وَيَفْعَلُهُ عِنْدَ عَدَمِ الْحَاجَةِ.

قَوْلُهُ (كَانَ بِالنَّاسِ جَهْدٌ) بِالْفَتْحِ أَيْ مَشَقَّةٌ مِنْ جَهْدِ قَحْطِ السَّنَةِ.

قَوْلُهُ: (فَأَرَدْتُ أَنْ تُعِينُوا فِيهَا) كَذَا هُنَا مِنَ الْإِعَانَةِ، وَفِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمَثْنَى، عَنْ أَبِي عَاصِمٍ شَيْخِ الْبُخَارِيِّ فِيهِ: فَأَرَدْتُ أَنْ تَفْشُوَا فِيهِمْ وَلِلْإِسْمَاعِيلِيِّ، عَنْ أَبِي يَعْلَى، عَنْ أَبِي خَيْثَمَةَ، عَنْ أَبِي عَاصِمٍ: فَأَرَدْتُ أَنْ تَقْسِمُوا فِيهِمْ، كُلُوا وَأَطْعِمُوا وَادَّخِرُوا قَالَ عِيَاضٌ: الضَّمِيرُ فِي تُعِينُوا فِيهَا لِلْمَشَقَّةِ الْمَفْهُومَةِ مِنَ الْجَهْدِ أَوْ مِنَ الشِّدَّةِ أَوْ مِنَ السَّنَةِ لِأَنَّهَا سَبَبُ الْجَهْدِ، وَفِي تَفْشُوَا فِيهِمْ أَيْ فِي النَّاسِ الْمُحْتَاجِينَ إِلَيْهَا، قَالَ فِي الْمَشَارِقِ: وَرِوَايَةُ الْبُخَارِيِّ أَوْجَهُ، وَقَالَ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ: وَرِوَايَةُ مُسْلِمٍ أَشْبَهُ. قُلْتُ: قَدْ عَرَفْتُ أَنَّ مَخْرَجَ الْحَدِيثِ وَاحِدٌ وَمَدَارُهُ عَلَى أَبِي عَاصِمٍ، وَأَنَّهُ تَارَةً قَالَ هَذَا وَتَارَةً قَالَ هَذَا، وَالْمَعْنَى فِي كُلٍّ صَحِيحٌ فَلَا وَجْهَ لِلتَّرْجِيحِ.

الْحَدِيثُ الرَّابِعُ حَدِيثُ عَائِشَةَ.

قَوْلُهُ: (إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ) هُوَ ابْنُ أَبِي أُوَيْسٍ الَّذِي رَوَى عَنْهُ حَدِيثَ أَبِي سَعِيدٍ وَقَوْلُهُ: حَدَّثَنِي أَخِي هُوَ أَبُو بَكْرٍ عَبْدُ الْحَمِيدِ، وَسُلَيْمَانُ هُوَ ابْنُ بِلَالٍ، وَيَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ هُوَ الْأَنْصَارِيُّ. فَإِسْمَاعِيلُ فِي حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ يَرْوِي عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ بِلَالٍ بِغَيْرِ وَاسِطَةٍ، وَفِي حَدِيثِ عَائِشَةَ هَذَا يَرْوِي عَنْهُ بِوَاسِطَةٍ، وَقَدْ تَكَرَّرَ لَهُ هَذَا فِي عِدَّةِ أَحَادِيثَ، وَذَلِكَ يُرْشِدُ إِلَى أَنَّهُ كَانَ لَا يُدَلِّسُ.

قَوْلُهُ: (الضَّحِيَّةُ) بِفَتْحِ الْمُعْجَمَةِ وَكَسْرِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ.

قَوْلُهُ: (نُمَلِّحُ مِنْهُ) أَيْ مِنْ لَحْمِ الْأُضْحِيَّةِ، وَفِي رِوَايَةِ الْكُشْمِيهَنِيِّ مِنْهَا أَيْ مِنَ الْأُضْحِيَّةِ.

قَوْلُهُ: (فَنَقْدَمُ) بِسُكُونِ الْقَافِ وَفَتْحِ الدَّالِ مِنَ الْقُدُومِ، وَفِي رِوَايَةٍ بِفَتْحِ الْقَافِ وَتَشْدِيدِ الدَّالِ أَيْ نَضَعُهُ بَيْنَ يَدَيْهِ وَهُوَ أَوْجُهٌ.

قَوْلُهُ: (فَقَالَ: لَا تَأْكُلُوا) أَيْ مِنْهُ، هَذَا صَرِيحٌ فِي النَّهْيِ عَنْهُ. وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ التِّرْمِذِيِّ مِنْ طَرِيقِ عَابِسِ بْنِ رَبِيعَةَ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا سُئِلَتْ: أَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ نَهَى عَنْ لُحُومِ الْأَضَاحِيِّ؟ فَقَالَتْ: لَا. وَالْجَمْعُ بَيْنَهُمَا أَنَّهَا نَفَتْ نَهْيَ التَّحْرِيمِ لَا مُطْلَقَ النَّهْيِ، وَيُؤَيِّدُهُ قَوْلُهُ فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ وَلَيْسَتْ بِعَزِيمَةٍ.

قَوْلُهُ: (وَلَيْسَتْ بِعَزِيمَةٍ، وَلَكِنْ أَرَادَ أَنْ نُطْعِمَ مِنْهُ) بِضَمِّ النُّونِ وَسُكُونِ الطَّاءِ أَيْ نُطْعِمَ غَيْرَنَا. قَالَ الْإِسْمَاعِيلِيُّ بَعْدَ أَنْ أَخْرَجَ هَذَا الْحَدِيثَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْعَبَّاسِ، عَنِ الْبُخَارِيِّ بِسَنَدِهِ إِلَى قَوْلِهِ بِالْمَدِينَةِ: كَأَنَّ الزِّيَادَةَ مِنْ قَوْلِهِ بِالْمَدِينَةِ إِلَخْ مِنْ كَلَامِ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ.

قُلْتُ: بَلْ هُوَ مِنْ جُمْلَةِ الْحَدِيثِ فَقَدْ أَخْرَجَهُ أَبُو نُعَيْمٍ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنِ الْبُخَارِيِّ بِتَمَامِهِ، وَتَقَدَّمَ فِي الْأَطْعِمَةِ مِنْ طَرِيقِ عَابِسِ بْنِ رَبِيعَةَ: قُلْتُ لِعَائِشَةَ أَنَهَى النَّبِيُّ ﷺ أَنْ يُؤْكَلَ مِنْ لُحُومِ الْأَضَاحِيِّ فَوْقَ ثَلَاثٍ؟ قَالَتْ: مَا فَعَلَهُ إِلَّا فِي عَامٍ جَاعَ النَّاسُ فِيهِ، فَأَرَادَ أَنْ يُطْعِمَ الْغَنِيُّ الْفَقِيرَ، وَلِلطَّحَاوِيِّ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ: أَكَانَ يُحَرِّمُ لُحُومَ الْأَضَاحِيِّ فَوْقَ ثَلَاثٍ؟ قَالَتْ: لَا، وَلَكِنَّهُ لَمْ يَكُنْ يُضَحِّي مِنْهُمْ إِلَّا الْقَلِيلُ، فَفَعَلَ لِيُطْعِمَ مَنْ ضَحَّى مِنْهُمْ مَنْ لَمْ يُضَحِّ، وَفِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرِ بْنِ