للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

حَزْمٍ عَنْ عَمْرَةَ: إِنَّمَا نَهَيْتُكُمْ مِنْ أَجْلِ الدَّافَّةِ الَّتِي دَفَّتْ، وَتَصَدَّقُوا وَادَّخِرُوا، وَأَوَّلُ الْحَدِيثِ عِنْدَ مُسْلِمٍ: دَفَّ نَاسٌ مِنْ أَهْلِ الْبَادِيَةِ حَضْرَةَ الْأَضْحَى فِي زَمَانِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فَقَالَ: ادَّخِرُوا لِثَلَاثٍ، وَتَصَدَّقُوا بِمَا بَقِيَ، فَلَمَّا كَانَ بَعْدَ ذَلِكَ قِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ لَقَدْ كَانَ النَّاسُ يَنْتَفِعُونَ مِنْ ضَحَايَاهُمْ، فَقَالَ: إِنَّمَا نَهَيْتُكُمْ مِنْ أَجْلِ الدَّافَّةِ الَّتِي دَفَّتْ، فَكُلُوا وَتَصَدَّقُوا وَادَّخِرُوا، قَالَ الْخَطَّابِيُّ: الدَّفُّ يَعْنِي بِالْمُهْمَلَةِ وَالْفَاءِ الثَّقِيلَةِ السَّيْرَ السَّرِيعَ، وَالدَّافَّةُ مَنْ يَطْرَأُ مِنَ الْمُحْتَاجِينَ، وَاسْتُدِلَّ بِإِطْلَاقِ هَذِهِ الْأَحَادِيثِ عَلَى أَنَّهُ لَا تَقْيِيدَ فِي الْقَدْرِ الَّذِي يَجْزِي مِنَ الْإِطْعَامِ، وَيُسْتَحَبُّ لِلْمُضَحِّي أَنْ يَأْكُلَ مِنَ الْأُضْحِيَّةِ شَيْئًا وَيُطْعِمُ الْبَاقِيَ صَدَقَةً وَهَدِيَّةً. وَعَنِ الشَّافِعِيِّ: يُسْتَحَبُّ قِسْمَتُهَا ثَلَاثًا لِقَوْلِهِ: كُلُوا وَتَصَدَّقُوا وَأَطْعِمُوا.

قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: وَكَانَ غَيْرُهُ يَقُولُ: يُسْتَحَبُّ أَنْ يَأْكُلَ النِّصْفَ وَيُطْعِمَ النِّصْفَ. وَقَدْ أَخْرَجَ أَبُو الشَّيْخِ فِي كِتَابِ الْأَضَاحِيِّ مِنْ طَرِيقِ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَفَعَهُ: مَنْ ضَحَّى فَلْيَأْكُلْ مِنْ أُضْحِيَتِهِ، وَرِجَالُهُ ثِقَاتٌ لَكِنْ قَالَ أَبُو حَاتِمٍ الرَّازِيُّ: الصَّوَابُ عَنْ عَطَاءٍ مُرْسَلٌ. قَالَ النَّوَوِيُّ: مَذْهَبُ الْجُمْهُورِ أَنَّهُ لَا يَجِبُ الْأَكْلُ مِنَ الْأُضْحِيَّةِ، وَإِنَّمَا الْأَمْرُ فِيهِ لِلْإِذْنِ. وَذَهَبَ بَعْضُ السَّلَفِ إِلَى الْأَخْذِ بِظَاهِرِ الْأَمْرِ، وَحَكَاهُ الْمَاوَرْدِيُّ، عَنْ أَبِي الطَّيِّبِ بْنِ سَلَمَةَ مِنَ الشَّافِعِيَّةِ. وَأَمَّا الصَّدَقَةُ مِنْهَا فَالصَّحِيحُ أَنَّهُ يَجِبُ التَّصَدُّقُ مِنَ الْأُضْحِيَّةِ بِمَا يَقَعُ عَلَيْهِ الِاسْمُ، وَالْأَكْمَلُ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِمُعْظَمِهَا.

الْحَدِيثُ الْخَامِسُ وَالسَّادِسُ وَالسَّابِعُ أَحَادِيثُ أَبِي عُبَيْدٍ، عَنْ عُمَرَ ثُمَّ عَنْ عُثْمَانَ ثُمَّ عَنْ عَلِيٍّ.

قَوْلُهُ: (عَبْدُ اللَّهِ) هُوَ ابْنُ الْمُبَارَكِ، وَيُونُسُ هُوَ ابْنُ يَزِيدَ، وَأَبُو عُبَيْدٍ مَوْلَى ابْنِ أَزْهَرَ أَيْ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَزْهَرَ بْنِ عَوْفٍ ابْنُ أَخِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ، وَأَبُو عُبَيْدٍ اسْمُهُ سَعْدُ بْنُ عُبَيْدٍ.

قَوْلُهُ: (قَدْ نَهَاكُمْ عَنْ صِيَامِ هَذَيْنِ الْعِيدَيْنِ) تَقَدَّمَتْ مَبَاحِثُهُ فِي أَوَاخِرِ كِتَابِ الصِّيَامِ وَاسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى أَنَّ النَّهْيَ عَنِ الشَّيْءِ إِذَا اتَّحَدَتْ جِهَتُهُ لَمْ يَجُزْ فِعْلُهُ كَصَوْمِ يَوْمِ الْعِيدِ فَإِنَّهُ لَا يَنْفَكُّ عَنِ الصَّوْمِ فَلَا يَتَحَقَّقُ فِيهِ جِهَتَانِ فَلَا يَصِحُّ، بِخِلَافِ مَا إِذَا تَعَدَّدَتِ الْجِهَةُ كَالصَّلَاةِ فِي الدَّارِ الْمَغْصُوبَةِ فَإِنَّ الصَّلَاةَ تَتَحَقَّقُ فِي غَيْرِ الْمَغْصُوبِ فَيَصِحُّ فِي الْمَغْصُوبِ مَعَ التَّحْرِيمِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

قَوْلُهُ: (قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ) هُوَ مَوْصُولٌ بِالسَّنَدِ الْمَذْكُورِ.

قَوْلُهُ: (ثُمَّ شَهِدْتُ الْعِيدَ) لَمْ يُبَيِّنْ كَوْنَهُ أَضْحًى أَوْ فِطْرًا، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ الْأَضْحَى الَّذِي قَدَّمَهُ فِي حَدِيثِهِ عَنْ عُمَرَ فَتَكُونُ اللَّامُ فِيهِ لِلْعَهْدِ.

قَوْلُهُ: (وَكَانَ ذَلِكَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ) أَيْ يَوْمَ الْعِيدِ.

قَوْلُهُ: (قَدِ اجْتَمَعَ لَكُمْ فِيهِ عِيدَانِ) أَيْ يَوْمُ الْأَضْحَى وَيَوْمُ الْجُمُعَةِ.

قَوْلُهُ: (مِنْ أَهْلِ الْعَوَالِي) جَمْعُ الْعَالِيَةِ وَهِيَ قُرًى مَعْرُوفَةٌ بِالْمَدِينَةِ.

قَوْلُهُ: (فَلْيَنْتَظِرْ) أَيْ يَتَأَخَّرْ إِلَى أَنْ يُصَلِّيَ الْجُمُعَةَ.

قَوْلُهُ: (وَمَنْ أَحَبَّ أَنْ يَرْجِعَ فَقَدْ أَذِنْتُ لَهُ) اسْتَدَلَّ بِهِ مَنْ قَالَ بِسُقُوطِ الْجُمُعَةِ عَمَّنْ صَلَّى الْعِيدَ إِذَا وَافَقَ الْعِيدُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، وَهُوَ مَحْكِيٌّ عَنْ أَحْمَدَ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ قَوْلَهُ: أَذِنْتُ لَهُ لَيْسَ فِيهِ تَصْرِيحٌ بِعَدَمِ الْعَوْدِ، وَأَيْضًا فَظَاهِرُ الْحَدِيثِ فِي كَوْنِهِمْ مِنْ أَهْلِ الْعَوَالِي أَنَّهُمْ لَمْ يَكُونُوا مِمَّنْ تَجِبُ عَلَيْهِمُ الْجُمُعَةُ لِبُعْدِ مَنَازِلِهِمْ عَنِ الْمَسْجِدِ، وَقَدْ وَرَدَ فِي أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ حَدِيثٌ مَرْفُوعٌ.

قَوْلُهُ: (ثُمَّ شَهِدْتُهُ) أَيِ الْعِيدَ، وَدَلَّ السِّيَاقُ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ الْأَضْحَى، وَهُوَ يُؤَيِّدُ مَا تَقَدَّمَ فِي حَدِيثِ عُثْمَانَ، وَأَصْرَحُ مِنْ ذَلِكَ مَا وَقَعَ فِي رِوَايَةِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ أَبِي عُبَيْدٍ أَنَّهُ سَمِعَ عَلِيًّا يَقُولُ يَوْمَ الْأَضْحَى، وَلِلنَّسَائِيِّ مِنْ طَرِيقِ غُنْدَرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ بِسَنَدِهِ: شَهِدْتُ عَلِيًّا فِي يَوْمِ عِيدٍ بَدَأَ بِالصَّلَاةِ قَبْلَ الْخُطْبَةِ بِلَا أَذَانٍ وَلَا إِقَامَةٍ - ثُمَّ قَالَ - سَمِعْتُ، فَذَكَرَ الْمَرْفُوعَ.

قَوْلُهُ: (نَهَاكُمْ أَنْ تَأْكُلُوا لُحُومَ نُسُكِكُمْ فَوْقَ ثَلَاثٍ) زَادَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي رِوَايَتِهِ: فَلَا تَأْكُلُوهَا بَعْدَهَا، قَالَ الْقُرْطُبِيُّ: اخْتُلِفَ فِي أَوَّلِ الثَّلَاثِ الَّتِي كَانَ الِادِّخَارُ فِيهَا جَائِزًا، فَقِيلَ أَوَّلُهَا يَوْمُ النَّحْرِ، فَمَنْ ضَحَّى فِيهِ جَازَ لَهُ أَنْ يُمْسِكَ يَوْمَيْنِ بَعْدَهُ، وَمَنْ ضَحَّى بَعْدَهُ أَمْسَكَ مَا بَقِيَ لَهُ مِنَ الثَّلَاثَةِ، وَقِيلَ أَوَّلُهَا يَوْمَ يُضَحِّي، فَلَوْ ضَحَّى فِي آخِرِ أَيَّامِ النَّحْرِ جَازَ لَهُ أَنْ يُمْسِكَ ثَلَاثًا بَعْدَهَا، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُؤْخَذَ مِنْ قَوْلِهِ