للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

قَوْلُهُ (بَابُ الْخَمْرِ مِنَ الْعَسَلِ وَهُوَ الْبِتْعُ) بِكَسْرِ الْمُوَحَّدَةِ وَسُكُونِ الْمُثَنَّاةِ وَقَدْ تُفْتَحُ وَهِيَ لُغَةٌ يَمَانِيَّةٌ.

قَوْلُهُ (وَقَالَ مَعْنُ) ابْنُ عِيسَى (سَأَلْتُ مَالِكَ بْنَ أَنَسٍ عَنِ الْفُقَّاعِ) بِضَمِّ الْفَاءِ وَتَشْدِيدِ الْقَافِ مَعْرُوفٌ، قَدْ يُصْنَعُ مِنَ الْعَسَلِ وَأَكْثَرُ مَا يُصْنَعُ مِنَ الزَّبِيبِ، وَحُكْمُهُ حُكْمُ سَائِرِ الْأَنْبِذَةِ مَا دَامَ طَرِيًّا يَجُوزُ شُرْبُهُ مَا لَمْ يَشْتَدَّ.

قوله (فقال إذا لم يسكر فلا بأس به) أي وإذا أسكر حرم كثيره وقليله.

قوله (وقال ابن الدراوردي) هو عبد العزيز بن محمد، وهذا من رواية معن بن عيسى عنه أيضا.

قوله (فقالوا لا يسكر لا بأس به) لم أعرف الذين سألهم الدراوردي عن ذلك، لكن الظاهر أنهم فقهاء أهل المدينة في زمانه، وهو قد شارك مالكا في لقاء أكثر مشايخه المدنيين، والحكم في الفقاع ما أجابوه به، لأنه لا يسمى فقاعا إلا إذا لم يشتد. وهذا الأثر ذكره معن بن عيسى القزاز في الموطأ رواية عن مالك، وقد وقع لنا بالإجازة. وغفل بعض الشراح فقال: إن معن بن عيسى من شيوخ البخاري فيكون له حكم الاتصال، كذا قال والبخاري لم يلق معن بن عيسى لأنه مات بالمدينة والبخاري حينئذ ببخارى وعمره حينئذ أربع سنين، وكأن البخاري أراد بذكر هذا الأثر في الترجمة أن المراد بتحريم قليل ما أسكر كثيره أن يكون الكثير في تلك الحالة مسكرا، فلو كان الكثير في تلك الحالة لا يسكر لم يحرم قليله ولا كثيره، كما لو عصر العنب وشربه في الحال. وسيأتي مزيد في بيان ذلك في باب البازق إن شاء الله تعالى.

قَوْلُهُ: (سُئِلَ عَنِ الْبِتْعِ) زَادَ شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ وَهُوَ ثَانِي أَحَادِيثِ الْبَابِ وَهُوَ نَبِيذُ الْعَسَلِ، وَكَانَ أَهْلُ الْيَمَنِ يَشْرَبُونَهُ وَمِثْلُهُ لِأَبِي دَاوُدَ مِنْ طَرِيقِ الزُّبَيْدِيِّ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، وَظَاهِرُهُ أَنَّ التَّفْسِيرَ مِنْ كَلَامِ عَائِشَةَ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مِنْ كَلَامِ مَنْ دُونَهَا، وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ مَعْمَرٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ عِنْدَ أَحْمَدَ مِثْلُ رِوَايَةِ مَالِكٍ، لَكِنْ قَالَ فِي آخِرِهِ: وَالْبِتْعُ نَبِيذُ الْعَسَلِ وَهُوَ أَظْهَرُ فِي احْتِمَالِ الْإِدْرَاجِ. لِأَنَّهُ أَكْثَرُ مَا يَقَعُ فِي آخِرِ الْحَدِيثِ. وَقَدْ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مِنْ طَرِيقِ مَعْمَرٍ لَكِنْ لَمْ يَسُقْ لَفْظَهُ، وَلَمْ أَقِفْ عَلَى اسْمِ السَّائِلِ فِي حَدِيثِ عَائِشَةَ صَرِيحًا، لَكِنَّنِي أَظُنُّهُ أَبَا مُوسَى الْأَشْعَرِيَّ، فَقَدْ تَقَدَّمَ فِي الْمَغَازِي مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ أَبِي بُرْدَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي مُوسَى أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ بَعَثَهُ إِلَى الْيَمَنِ فَسَأَلَهُ عَنْ أَشْرِبَةٍ تُصْنَعُ بِهَا فَقَالَ: مَا هِيَ؟ قَالَ: الْبِتْعُ وَالْمِزْرُ، فَقَالَ: كُلُّ مُسْكِرٍ حَرَامٌ.

قُلْتُ لِأَبِي بُرْدَةَ: مَا الْبِتْعُ؟ قَالَ: نَبِيذُ الْعَسَلِ، وَهُوَ عِنْدَ مُسْلِمٍ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي بُرْدَةَ بِلَفْظِ: فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَفْتِنَا فِي شَرَابَيْنِ كُنَّا نَصْنَعُهُمَا بِالْيَمَنِ: الْبِتْعُ مِنَ الْعَسَلِ يُنْبَذُ حَتَّى يَشْتَدَّ، وَالْمِزْرُ مِنَ الشَّعِيرِ وَالذُّرَةِ يُنْبَذُ حَتَّى يَشْتَدَّ، قَالَ: وَكَانَ النَّبِيُّ ﷺ أُعْطِيَ جَوَامِعَ الْكَلِمِ وَخَوَاتِمَهُ، فَقَالَ: أَنْهَى عَنْ كُلِّ مُسْكِرٍ، وَفِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُدَ التَّصْرِيحُ بِأَنَّ تَفْسِيرَ الْبِتْعِ مَرْفُوعٌ وَلَفْظُهُ: سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ عَنْ شَرَابٍ مِنَ الْعَسَلِ، فَقَالَ: ذَاكَ الْبِتْعُ، قُلْتُ: وَمِنَ الشَّعِيرِ وَالذُّرَةِ، قَالَ: ذَاكَ الْمِزْرُ. ثُمَّ قَالَ: أَخْبِرْ قَوْمَكَ أَنَّ كُلَّ مُسْكِرٍ حَرَامٌ، وَقَدْ سَأَلَ أَبُو وَهْبٍ الْجَيْشَانِيُّ عَنْ شَيْءٍ مَا سَأَلَهُ أَبُو مُوسَى، فَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ، وَأَبِي دَاوُدَ مِنْ حَدِيثِهِ أَنَّهُ سَأَلَ النَّبِيَّ ﷺ عَنِ الْمِزْرِ فَأَجَابَ بِقَوْلِهِ كُلُّ مُسْكِرٍ حَرَامٌ، وَهَذِهِ الرِّوَايَةُ تَفْسِيرُ الْمُرَادِ بِقَوْلِهِ فِي حَدِيثِ الْبَابِ كُلُّ شَرَابٍ أَسْكَرَ وَأَنَّهُ لَمْ يُرِدْ تَخْصِيصَ التَّحْرِيمِ بِحَالَةِ الْإِسْكَارِ، بَلِ الْمُرَادُ أَنَّهُ إِذَا كَانَتْ فِيهِ صَلَاحِيَةُ الْإِسْكَارِ حَرُمَ تَنَاوُلُهُ وَلَوْ لَمْ يَسْكَرِ الْمُتَنَاوِلُ بِالْقَدْرِ الَّذِي تَنَاوَلَهُ مِنْهُ، وَيُؤْخَذُ مِنْ لَفْظِ السُّؤَالِ أَنَّهُ وَقَعَ عَنْ حُكْمِ جِنْسِ الْبِتْعِ لَا عَنِ الْقَدْرِ الْمُسْكِرِ مِنْهُ، لِأَنَّهُ لَوْ أَرَادَ السَّائِلُ ذَلِكَ لَقَالَ: أَخْبِرْنِي عَمَّا يَحِلُّ مِنْهُ وَمَا يَحْرُمُ، وَهَذَا هُوَ الْمَعْهُودُ مِنْ لِسَانِ الْعَرَبِ إِذَا سَأَلُوا عَنِ الْجِنْسِ قَالُوا: هَلْ هَذَا نَافِعٌ أَوْ ضَارٌّ؟ مَثَلًا.

وَإِذَا سَأَلُوا عَنِ الْقَدْرِ قَالُوا: كَمْ يُؤْخَذُ مِنْهُ؟ وَفِي الْحَدِيثِ أَنَّ الْمُفْتِيَ يُجِيبُ السَّائِلَ بِزِيَادَةٍ عَمَّا سَأَلَ عَنْهُ إِذَا كَانَ ذَلِكَ