للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

كَانَ خَمْرًا، وَكُلُّ خَمْرٍ يَحْرُمُ قَلِيلُهُ وَكَثِيرُهُ، وَهَذَا يُخَالِفُ قَوْلَهُمْ وَبِاللَّهِ التَّوْفِيقُ.

قَوْلُهُ: (وَثَلَاثٌ) هِيَ صِفَةُ مَوْصُوفٍ أَيْ أُمُورٌ أَوْ أَحْكَامٌ.

قَوْلُهُ: (وَدِدْتُ) أَيْ تَمَنَّيْتُ، وَإِنَّمَا تَمَنَّى ذَلِكَ لِأَنَّهُ أَبْعَدُ مِنْ مَحْذُورِ الِاجْتِهَادِ وَهُوَ الْخَطَأُ فِيهِ، فَثَبَتَ عَلَى تَقْدِيرِ وُقُوعِهِ، وَلَوْ كَانَ مَأْجُورًا عَلَيْهِ فَإِنَّهُ يَفُوتُهُ بِذَلِكَ الْأَجْرُ الثَّانِي، وَالْعَمَلُ بِالنَّصِّ إِصَابَةٌ مَحْضَةٌ.

قَوْلُهُ: (لَمْ يُفَارِقْنَا حَتَّى يَعْهَدَ إِلَيْنَا عَهْدًا) فِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ عَهْدًا يَنْتَهِي إِلَيْهِ، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ عِنْدَهَ عَنِ النَّبِيِّ Object نَصٌّ فِيهَا، وَيُشْعِرُ بِأَنَّهُ كَانَ عِنْدَهُ عَنِ النَّبِيِّ Object فِيمَا أَخْبَرَ بِهِ عَنِ الْخَمْرِ مَا لَمْ يَحْتَجْ مَعَهُ إِلَى شَيْءٍ غَيْرِهِ حَتَّى خَطَبَ بِذَلِكَ جَازِمًا بِهِ.

قَوْلُهُ: (الْجَدُّ وَالْكَلَالَةُ وَأَبْوَابٌ مِنْ أَبْوَابِ الرِّبَا) أَمَّا الْجَدُّ فَالْمُرَادُ قَدْرُ مَا يَرِثُ لِأَنَّ الصَّحَابَةَ اخْتَلَفُوا فِي ذَلِكَ اخْتِلَافًا كَثِيرًا، فَسَيَأْتِي فِي كِتَابِ الْفَرَائِضِ عَنْ عُمَرَ أَنَّهُ قَضَى فِيهِ بِقَضَايَا مُخْتَلِفَةٍ. وَأَمَّا الْكَلَالَةُ بِفَتْحِ الْكَافِ وَتَخْفِيفِ اللَّامِ فَسَيَأْتِي بَيَانُهَا أَيْضًا فِي كِتَابِ الْفَرَائِضِ. وَأَمَّا أَبْوَابُ الرِّبَا فَلَعَلَّهُ يُشِيرُ إِلَى رِبَا الْفَضْلِ لِأَنَّ رِبَا النَّسِيئَةِ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ بَيْنَ الصَّحَابَةِ، وَسِيَاقُ عُمَرَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ كَانَ عِنْدَهُ نَصٌّ فِي بَعْضٍ مِنْ أَبْوَابِ الرِّبَا دُونَ بَعْضٍ، فَلِهَذَا تَمَنَّى مَعْرِفَةَ الْبَقِيَّةِ.

قَوْلُهُ: (قُلْتُ يَا أَبَا عَمْرٍو) الْقَائِلُ هُوَ أَبُو حَيَّانَ التَّيْمِيُّ، وَأَبُو عَمْرٍو هِيَ كُنْيَةُ الشَّعْبِيِّ.

قَوْلُهُ: (فَشَيْءٌ يُصْنَعُ بِالسِّنْدِ مِنَ الْأُرْزِ) زَادَ الْإِسْمَاعِيلِيُّ فِي رِوَايَتِهِ يُقَالُ لَهُ السَّادِيَّةُ، يُدْعَى الْجَاهِلُ فَيَشْرَبُ مِنْهَا شَرْبَةً فَتَصْرَعُهُ. قُلْتُ: وَهَذَا الِاسْمُ لَمْ يَذْكُرْهُ صَاحِبُ النِّهَايَةِ لَا فِي السِّينِ الْمُهْمَلَةِ وَلَا فِي الشِّينِ الْمُعْجَمَةِ، وَلَا رَأَيْتُهُ فِي صِحَاحِ الْجَوْهَرِيِّ وَمَا عَرَفْتُ ضَبْطَهُ إِلَى الْآنَ، وَلَعَلَّهُ فَارِسِيٌّ، فَإِنْ كَانَ عَرَبِيًّا فَلَعَلَّهُ الشَّاذِبَةُ بِشِينٍ وَذَالٍ مُعْجَمَتَيْنِ ثُمَّ مُوَحَّدَةٍ، قَالَ فِي الصِّحَاحِ: الشَّاذِبُ الْمُتَنَحِّي عَنْ وَطَنِهِ، فَلَعَلَّ الشَّاذِبَةَ تَأْنِيثُهُ، وَسُمِّيَتِ الْخَمْرُ بِذَلِكَ لِكَوْنِهَا إِذَا خَالَطَتِ الْعَقْلَ تَنَحَّتْ بِهِ عَنْ وَطَنِهِ.

قَوْلُهُ: (ذَاكَ لَمْ يَكُنْ عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ Object) أَيِ اتِّخَاذُ الْخَمْرِ مِنَ الْأُرْزِ لَمْ يَكُنْ عَلَى الْعَهْدِ النَّبَوِيِّ، وَفِي رِوَايَةِ الْإِسْمَاعِيلِيِّ لَمْ يَكُنْ هَذَا عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ Object، وَلَوْ كَانَ لَنَهَى عَنْهُ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ قَدْ عَمَّ الْأَشْرِبَةَ كُلَّهَا فَقَالَ: الْخَمْرُ مَا خَامَرَ الْعَقْلَ، قَالَ الْإِسْمَاعِيلِيُّ: هَذَا الْكَلَامُ الْأَخِيرُ فِيهِ دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّ قَوْلَهُ: الْخَمْرُ مَا خَامَرَ الْعَقْلَ مِنْ كَلَامِ النَّبِيِّ Object وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ: إِنَّمَا عَدَّ عُمَرُ الْخَمْسَةَ الْمَذْكُورَةَ لِاشْتِهَارِ أَسْمَائِهَا فِي زَمَانِهِ، وَلَمْ تَكُنْ كُلُّهَا تُوجَدُ بِالْمَدِينَةِ الْوُجُودَ الْعَامَّ، فَإِنَّ الْحِنْطَةَ كَانَتْ بِهَا عَزِيزَةً، وَكَذَا الْعَسَلُ بَلْ كَانَ أَعَزَّ، فَعَدَّ عُمَرُ مَا عَرَفَ فِيهَا، وَجَعَلَ مَا فِي مَعْنَاهَا مِمَّا يُتَّخَذُ مِنَ الْأُرْزِ وَغَيْرِهِ خَمْرًا إِنْ كَانَ مِمَّا يُخَامِرُ الْعَقْلَ، وَفِي ذَلِكَ دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ إِحْدَاثِ الِاسْمِ بِالْقِيَاسِ وَأَخْذِهِ مِنْ طَرِيقِ الِاشْتِقَاقِ، كَذَا قَالَ، وَرَدَّ ذَلِكَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ فِي جَوَابِ مَنْ زَعَمَ أَنَّ قَوْلَهُ Object: كُلُّ مُسْكِرٍ خَمْرٌ مَعْنَاهُ مِثْلُ الْخَمْرِ، لِأَنَّ حَذْفَ مِثْلِ ذَلِكَ مَسْمُوعٌ شَائِعٌ، قَالَ: بَلِ الْأَصْلُ عَدَمُ التَّقْدِيرِ، وَلَا يُصَارُ إِلَى التَّقْدِيرِ إِلَّا إِلَى الْحَاجَةِ، فَإِنْ قِيلَ احْتَجْنَا إِلَيْهِ لِأَنَّ النَّبِيَّ Object لَمْ يُبْعَثْ لِبَيَانِ الْأَسْمَاءِ قُلْنَا: بَلْ بَيَانُ الْأَس مَاءِ مِنْ جُمْلَةِ الْأَحْكَامِ لِمَنْ لَا يَعْلَمُهَا. وَلَا سِيَّمَا لِيَقْطَعَ تَعَلُّقَ الْقَصْدِ بِهَا.

قَالَ: وَأَيْضًا لَوْ لَمْ يَكُنِ الْفَضِيخُ خَمْرًا وَنَادَى الْمُنَادِي حُرِّمَتِ الْخَمْرُ لَمْ يُبَادِرُوا إِلَى إِرَاقَتِهَا وَلَمْ يَفْهَمُوا أَنَّهَا دَاخِلَةٌ فِي مُسَمَّى الْخَمْرِ، وَهُمُ الْفُصَّحُ اللُّسْنُ. فَإِنْ قِيلَ: هَذَا إِثْبَاتُ اسْمٍ بِقِيَاسٍ، قُلْنَا: إِنَّمَا هُوَ إِثْبَاتُ اللُّغَةِ عَنْ أَهْلِهَا، فَإِنَّ الصَّحَابَةَ عَرَبٌ فُصَحَاءُ فَهِمُوا مِنَ الشَّرْعِ مَا فَهِمُوهُ مِنَ اللُّغَةِ وَمِنَ اللُّغَةِ مَا فَهِمُوهُ مِنَ الشَّرْعِ. وَذَكَرَ ابْنُ حَزْمٍ أَنَّ بَعْضَ الْكُوفِيِّينَ احتَجَّ بِمَا أَخْرَجَهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ بِسَنَدٍ جَيِّدٍ قَالَ: أَمَّا الْخَمْرُ فَحَرَامٌ لَا سَبِيلَ إِلَيْهَا، وَأَمَّا مَا عَدَاهَا مِنَ الْأَشْرِبَةِ فَكُلُّ مُسْكِرٍ حَرَامٌ. قَالَ: وَجَوَابُهُ أَنَّهُ ثَبَتَ عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ: كُلُّ مُسْكِرٍ خَمْرٌ فَلَا يَلْزَمُ مِنْ تَسْمِيَةِ الْمُتَّخَذِ مِنَ الْعِنَبِ خَمْرًا انْحِصَارُ اسْمِ الْخَمْرِ فِيهِ، وَكَذَا احْتَجُّوا بِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ أَيْضًا: حُرِّمَتِ الْخَمْرُ وَمَا بِالْمَدِينَةِ مِنْهَا شَيْءٌ مُرَادُهُ الْمُتَّخَذُ مِنَ الْعِنَبِ، وَلَمْ يُرِدْ أَنَّ غَيْرَهَا لَا يُسَمَّى خَمْرًا، بِدَلِيلِ حَدِيثِهِ