للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

رَمَضَانَ إِذَا كُنْتَ مُسَافِرًا، فَقَالَ: إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ فِي رَمَضَانَ: ﴿فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ﴾ وَلَيْسَ ذَلِكَ لِعَاشُورَاءَ. قَالَ ابْنُ التِّينِ: وَقَدْ يُقَالُ: إِنَّ الْمَيْتَةَ لِسَدِّ الرَّمَقِ، وَالْبَوْلُ لَا يَدْفَعُ الْعَطَشَ، فَإِنْ صَحَّ هَذَا صَحَّ مَا قَالَ الزُّهْرِيُّ إِذْ لَا فَائِدَةَ فِيهِ. قُلْتُ: وَسَيَأْتِي نَظِيرُهُ فِي الْأَثَرِ الَّذِي بَعْدَهُ.

قَوْلُهُ: (وَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ فِي السَّكَرِ: إِنَّ اللَّهَ لَمْ يَجْعَلْ شِفَاءَكُمْ فِيمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ). قَالَ ابْنُ التِّينِ: اخْتُلِفَ فِي السَّكَرِ بِفَتْحَتَيْنِ: فَقِيلَ هُوَ الْخَمْرُ، وَقِيلَ: مَا يَجُوزُ شُرْبُهُ كَنَقِيعِ التَّمْرِ قَبْلَ أَنْ يَشْتَدَّ وَكَالْخَلِّ، وَقِيلَ: هُوَ نَبِيذُ التَّمْرِ إِذَا اشْتَدَّ. قُلْتُ: وَتَقَدَّمَ فِي تَفْسِيرِ النَّحْلِ عَنِ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنَّ السَّكَرَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَرًا وَرِزْقًا حَسَنًا﴾ وَهُوَ مَا حُرِّمَ مِنْهَا، وَالرِّزْقُ الْحَسَنُ مَا أُحِلَّ. وَأَخْرَجَ الطَّبَرِيُّ مِنْ طَرِيقِ أَبِي رَزِينٍ أَحَدِ كِبَارِ التَّابِعِينَ قَالَ: نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ قَبْلَ تَحْرِيمِ الْخَمْرِ. وَمِنْ طَرِيقِ النَّخَعِيِّ نَحْوُهُ. وَمِنْ طَرِيقِ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ بِمَعْنَاهُ. ثُمَّ أَخْرَجَ مِنْ طَرِيقِ الشَّعْبِيِّ قَالَ: السَّكَرُ نَقِيعُ الزَّبِيبِ يَعْنِي قَبْلَ أَنْ يَشْتَدَّ وَالْخَلُّ، وَاخْتَارَ الطَّبَرِيُّ هَذَا الْقَوْلَ وَانْتَصَرَ لَهُ لِأَنَّهُ لَا يَسْتَلْزِمُ مِنْهُ دَعْوَى نَسْخٍ، وَيَسْتَمِرُّ الِامْتِنَانُ بِمَا تَضَمَّنَتْهُ الْآيَةُ عَلَى ظَاهِرِهِ، بِخِلَافِ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ، فَإِنَّهُ يَسْتَلْزِمُ النَّسْخَ وَالْأَصْلُ عَدَمُهُ.

قُلْتُ: وَهَذَا فِي الْآيَةِ مُحْتَمَلٌ، لَكِنَّهُ فِي هَذَا الْأَثَرِ مَحْمُولٌ عَلَى الْمُسْكِرِ، وَقَدْ أَخْرَجَ النَّسَائِيُّ بِأَسَانِيدَ صَحِيحَةٍ عَنِ النَّخَعِيِّ، وَالشَّعْبِيِّ، وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ أَنَّهُمْ قَالُوا: السَّكَرُ خَمْرٌ، وَيُمْكِنُ الْجَمْعُ بِأَنَّ السَّكَرَ بِلُغَةِ الْعَجَمِ الْخَمْرُ وَبِلُغَةِ الْعَرَبِ النَّقِيعُ قَبْلَ أَنْ يَشْتَدَّ، وَيُؤَيِّدُهُ مَا أَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ مِنْ طَرِيقِ قَتَادَةَ قَالَ: السَّكَرُ خُمُورُ الْأَعَاجِمِ، وَعَلَى هَذَا يَنْطَبِقُ قَوْلُ ابْنِ مَسْعُودٍ: إِنَّ اللَّهَ لَمْ يَجْعَلْ شِفَاءَكُمْ فِيمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ وَنَقَلَ ابْنُ التِّينِ عَنِ الشَّيْخِ أَبِي الْحَسَنِ يَعْنِي ابْنَ الْقَصَّارِ: إِنْ كَانَ أَرَادَ مُسْكِرَ الْأَشْرِبَةِ فَلَعَلَّهُ سَقَطَ مِنَ الْكَلَامِ ذِكْرُ السُّؤَالِ، وَإِنْ كَانَ أَرَادَ السُّكْرَ بِالضَّمِّ وَسُكُونِ الْكَافِ قَالَ: فَأَحْسَبُهُ هَذَا أَرَادَ؛ لِأَنَّنِي أَظُنُّ أَنَّ عِنْدَ بَعْضِ الْمُفَسِّرِينَ سُئِلَ ابْنُ مَسْعُودٍ عَنْ التَّدَاوِي بِشَيْءٍ مِنَ الْمُحَرَّمَاتِ فَأَجَابَ بِذَلِكَ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمُرَادِ الْبُخَارِيِّ. قُلْتُ: قَدْ رَوَيْتُ الْأَثَرَ الْمَذْكُورَ فِي فَوَائِدِ عَلِيِّ بْنِ حَرْبٍ الطَّائِيِّ عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ قَالَ: اشْتَكَى رَجُلٌ مِنَّا يُقَالُ لَهُ خُثَيْمُ بْنُ الْعَدَّاءِ دَاءً بِبَطْنِهِ يُقَالُ لَهُ الصُّفْرُ فَنُعِتَ لَهُ السَّكَرُ، فَأَرْسَلَ إِلَى ابْنِ مَسْعُودٍ يَسْأَلُهُ، فَذَكَرَهُ.

وَأَخْرَجَهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ، عَنْ جَرِيرٍ، عَنْ مَنْصُورٍ وَسَنَدُهُ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ، وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ فِي كِتَابِ الْأَشْرِبَةِ وَالطَّبَرَانِيُّ فِي الْكَبِيرِ مِنْ طَرِيقِ أَبِي وَائِلٍ نَحْوَهُ، وَرُوِّينَا فِي نُسْخَةِ دَاوُدَ بْنِ نَصِيرٍ الطَّائِيِّ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ عَنْ مَسْرُوقٍ قَالَ: قَالَ عَبْدُ اللَّهِ هُوَ ابْنُ مَسْعُودٍ: لَا تَسْقُوا أَوْلَادَكُمُ الْخَمْرَ فَإِنَّهُمْ وُلِدُوا عَلَى الْفِطْرَةِ، وَإِنَّ اللَّهَ لَمْ يَجْعَلْ شِفَاءَكُمْ فِيمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ وَأَخْرَجَهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ كَذَلِكَ، وَهَذَا يُؤَيِّدُ مَا قُلْنَاهُ أَوَّلًا فِي تَفْسِيرِ السَّكَرِ. وَأَخْرَجَ إِبْرَاهِيمُ الْحَرْبِيُّ فِي غَرِيبِ الْحَدِيثِ، مِنْ هَذَا الْوَجْهِ قَالَ: أَتَيْنَا عَبْدَ اللَّهِ فِي مُجَدَّرِينَ أَوْ مُحَصَّبِينَ نُعِتَ لَهُمُ السَّكَرُ فَذَكَرَ مِثْلَهُ. وَلِجَوَابِ ابْنِ مَسْعُودٍ شَاهِدٌ آخَرُ أَخْرَجَهُ أَبُو يَعْلَى وَصَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ مِنْ حَدِيثِ أُمِّ سَلَمَةَ قَالَتِ: اشْتَكَتْ بِنْتٌ لِي فَنَبَذْتُ لَهَا فِي كُوزٍ، فَدَخَلَ النَّبِيُّ ﷺ وَهُوَ يَغْلِي فَقَالَ: مَا هَذَا؟ فَأَخْبَرْتُهُ، فَقَالَ: إِنَّ اللَّهَ لَمْ يَجْعَلْ شِفَاءَكُمْ فِيمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ ثُمَّ حَكَى ابْنُ التِّينِ، عَنِ الدَّاوُدِيِّ قَالَ: قَوْلُ ابْنِ مَسْعُودٍ حَقٌّ لِأَنَّ اللَّهَ حَرَّمَ الْخَمْرَ لَمْ يَذْكُرْ فِيهَا ضَرُورَةً وَأَبَاحَ الْمَيْتَةَ وَأَخَوَاتِهَا فِي الضَّرُورَةِ. قَالَ: فَفَهِمَ الدَّاوُدِيُّ أَنَّ ابْنَ مَسْعُودٍ تَكَلَّمَ عَلَى اسْتِعْمَالِ الْخَمْرِ عِنْدَ الضَّرُورَةِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ، وَإِنَّمَا تَكَلَّمَ عَلَى التَّدَاوِي بِهَا فَمَنَعَهُ، لِأَنَّ الْإِنْسَانَ يَجِدُ مَنْدُوحَةً عَنِ التَّدَاوِي بِهَا وَلَا يُقْطَعُ بِنَفْعِهِ، بِخِلَافِ الْمَيْتَةِ فِي سَدِّ الرَّمَقِ.

وَكَذَا قَالَ النَّوَوِيُّ فِي الْفَرْقِ بَيْنَ جَوَازِ إِسَاغَةِ اللُّقْمَةِ لِمَنْ شَرِقَ بِهَا بِالْجَرْعَةِ مِنَ الْخَمْرِ فَيَجُوزُ وَبَيْنَ التَّدَاوِي بِهَا فَلَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّ الْإِسَاغَةَ تَتَحَقَّقُ بِهَا بِخِلَافِ الشِّفَاءِ فَإِنَّهُ لَا يَتَحَقَّقُ. وَنَقَلَ الطَّحَاوِيُّ، عَنِ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ