للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

أَخْرَجَهُ أَبُو نُعَيْمٍ فِي الْمُسْتَخْرَجِ مِنْ وَجْهَيْنِ آخَرَيْنِ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ بِلَالٍ.

قَوْلُهُ: (وَا رَأْسَاهُ) هُوَ تَفَجُّعٌ عَلَى الرَّأْسِ لِشِدَّةِ مَا وَقَعَ بِهِ مِنَ أَلْمِ الصُّدَاعِ، وَعِنْدَ أَحْمَدَ، وَالنَّسَائِيِّ، وَابْنِ مَاجَهْ مِنْ طَرِيقِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ عَنْ عَائِشَةَ: رَجَعَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ مِنْ جِنَازَةٍ مِنَ الْبَقِيعِ فَوَجَدَنِي وَأَنَا أَجِدُ صُدَاعًا فِي رَأْسِي وَأَنَا أَقُولُ: وَا رَأْسَاهُ.

قَوْلُهُ: (ذَاكِ لَوْ كَانَ وَأَنَا حَيٌّ) ذَاكِ بِكَسْرِ الْكَافِ إِشَارَةٌ إِلَى مَا يَسْتَلْزِمُ الْمَرَضُ مِنَ الْمَوْتِ، أَيْ: لَوْ مُتَّ وَأَنَا حَيٌّ، وَيُرْشِدُ إِلَيْهِ جَوَابُ عَائِشَةَ، وَقَدْ وَقَعَ مُصَرَّحًا بِهِ فِي رِوَايَةِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ، وَلَفْظُهُ: ثُمَّ قَالَ: مَا ضَرَّكَ لَوْ مُتَ قَبْلِي فَكَفَّنْتُكَ ثُمَّ صَلَّيْتُ عَلَيْكَ وَدَفَنْتُكَ، وَقَوْلُهَا: وَاثُكْلَيَاهُ بِضَمِّ الْمُثَلَّثَةِ وَسُكُونِ الْكَافِ وَفَتْحِ اللَّامِ وَبِكَسْرِهَا مَعَ التَّحْتَانِيَّةِ الْخَفِيفَةِ، وَبَعْدَ الْأَلِفِ هَاءٌ لِلنُّدْبَةِ، وَأَصْلُ الثَّكَلِ فَقْدُ الْوَلَدِ أَوْ مَنْ يَعِزُّ عَلَى الْفَاقِدِ، وَلَيْسَتْ حَقِيقَهُ هُنَا مُرَادَةً، بَلْ هُوَ كَلَامٌ كَانَ يَجْرِي عَلَى أَلْسِنَتِهِمْ عِنْدَ حُصُولِ الْمُصِيبَةِ أَوْ تَوَقُّعِهَا. وَقَوْلُهَا: وَاللَّهِ إِنِّي لَأَظُنُّكَ تُحِبُّ مَوْتِي كَأَنَّهَا أَخَذَتْ ذَلِكَ مِنْ قَوْلِهِ لَهَا: لَوْ مُتِّ قَبْلِي، وَقَوْلُهَا: وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ، فِي رِوَايَةِ الْكُشْمِيهَنِيِّ: ذَاكَ بِغَيْرِ لَامٍ أَيْ مَوْتُهَا لَظَلَلْتُ آخِرَ يَوْمِكِ مُعَرِّسًا بِفَتْحِ الْعَيْنِ وَالْمُهْمَلَةِ وَتَشْدِيدِ الرَّاءِ الْمَكْسُورَةِ وَسُكُونِ الْعَيْنِ وَالتَّخْفِيفِ، يُقَالُ: أَعْرَسَ وَعَرَّسَ إِذَا بَنَى عَلَى زَوْجَتِهِ، ثُمَّ اسْتُعْمِلَ فِي كُلِّ جِمَاعٍ، وَالْأَوَّلُ أَشْهَرُ، فَإِنَّ التَّعْرِيسَ النُّزُولُ بِلَيْلٍ. وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ عُبَيْدِ اللَّهِ: لَكَأَنِّي بِكَ وَاللَّهِ لَوْ قَدْ فَعَلْتُ ذَلِكَ لَقَدْ رَجَعْتُ إِلَى بَيْتِي فَأَعْرَسْتُ بِبَعْضِ نِسَائِكِ.

قَالَتْ: فَتَبَسَّمَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ وَقَوْلُهُا: بَلِ أَنَا وَا رَأْسَاهُ، هِيَ كَلِمَةُ إِضْرَابٍ، وَالْمَعْنَى: دَعِي ذِكْرَ مَا تَجِدِينَهُ مِنْ وَجَعِ رَأْسِكِ وَاشْتَغِلِي بِي، وَزَادَ فِي رِوَايَةِ عُبَيْدِ اللَّهِ: ثُمَّ بُدِئَ فِي وَجَعِهِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ ﷺ.

قَوْلُهُ: (لَقَدْ هَمَمْتُ أَوْ أَرَدْتُ) شَكٌّ مِنَ الرَّاوِي، وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ أَبِي نُعَيْمٍ: أَوْ وَدِدْتُ، بَدَلَ: أَرَدْتُ.

قَوْلُهُ: (أَنْ أُرْسِلَ إِلَى أَبِي بَكْرٍ وَابْنِهِ) كَذَا لِلْأَكْثَرِ بِالْوَاوِ وَأَلِفِ الْوَصْلِ وَالْمُوَحَّدَةِ وَالنُّونِ، وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ أَوِ ابْنِهِ بِلَفْظِ أَوِ الَّتِي لِلشَّكِّ، وأَوْ لِلتَّخْيِيرِ، وَفِي أُخْرَى: أَوِ آتِيهِ بِهَمْزَةٍ مَمْدُودَةٍ بَعْدَهَا مُثَنَّاةٌ مَكْسُورَةٌ ثُمَّ تَحْتَانِيَّةٌ سَاكِنَةٌ مِنَ الْإِتْيَانِ بِمَعْنَى الْمَجِيءِ، وَالصَّوَابُ الْأَوَّلُ، وَنَقَلَ عِيَاضٌ عَنْ بَعْضِ الْمُحَدِّثِينَ تَصْوِيبَهَا وَخَطَأَهُ. وَقَالَ: وَيُوَضِّحُ الصَّوَابَ قَوْلُهُا فِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ عِنْدَ مُسْلِمٍ: ادْعِي لِي أَبَاكِ وَأَخَاكِ، وَأَيْضًا فَإِنَّ مَجِيئَهُ إِلَى أَبِي بَكْرٍ كَانَ مُتَعَسِّرًا؛ لِأَنَّهُ عَجَزَ عَنْ حُضُورِ الصَّلَاةِ مَعَ قُرْبِ مَكَانِهَا مِنْ بَيْتِهِ. قُلْتُ: فِي هَذَا التَّعْلِيلِ نَظَرٌ، لِأَنَّ سِيَاقَ الْحَدِيثِ يُشْعِرُ بِأَنَّ ذَلِكَ كَانَ فِي ابْتِدَاءِ مَرَضِهِ ﷺ وَقَدِ اسْتَمَرَّ يُصَلِّي بِهِمْ وَهُوَ مَرِيضٌ وَيَدُورُ عَلَى نِسَائِهِ حَتَّى عَجَزَ عَنْ ذَلِكَ وَانْقَطَعَ فِي بَيْتِ عَائِشَةَ. وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ ﷺ لَقَدْ هَمَمْتُ إِلَخْ، وَقَعَ بَعْدَ الْمُفَاوَضَةِ الَّتِي وَقَعَتْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ عَائِشَةَ بِمُدَّةٍ، وَإِنْ كَانَ ظَاهِرُ الْحَدِيثِ بِخِلَافِهِ.

وَيُؤَيِّدُ أَيْضًا مَا فِي الْأَصْلِ أَنَّ الْمَقَامَ كَانَ مَقَامُ اسْتِمَالَةِ قَلْبِ عَائِشَةَ، فَكَأَنَّهُ يَقُولُ: كَمَا أَنَّ الْأَمْرَ يُفَوَّضُ لِأَبِيكِ فَإِنَّ ذَلِكَ يَقَعُ بِحُضُورِ أَخِيكِ، هَذَا إِنْ كَانَ الْمُرَادُ بِالْعَهْدِ الْعَهْدَ بِالْخِلَافَةِ، وَهُوَ ظَاهِرُ السِّيَاقِ كَمَا سَيَأْتِي تَقْرِيرُهُ فِي كِتَابِ الْأَحْكَامِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ - تَعَالَى - وَإِنْ كَانَ لِغَيْرِ ذَلِكَ فَلَعَلَّهُ أَرَادَ إِحْضَارَ بَعْضِ مَحَارِمِهَا حَتَّى لَوِ احْتَاجَ إِلَى قَضَاءِ حَاجَةٍ أَوِ الْإِرْسَالَ إِلَى أَحَدٍ لَوَجَدَ مَنْ يُبَادِرُ لِذَلِكَ.

قَوْلُهُ: (فَأَعْهَدُ)، أَيْ: أُوصِي.

قَوْلُهُ: (أَنْ يَقُولَ الْقَائِلُونَ) أَيْ لِئَلَّا يَقُولَ، أَوْ كَرَاهَةُ أَنْ يَقُولَ.

قَوْلُهُ: (أَوْ يَتَمَنَّى الْمُتَمَنُّونَ) بِضَمِّ النُّونِ جَمْعُ مُتَمَنِّي بِكَسْرِهَا، وَأَصْلُ الْمُتَمَنِّيُونَ فَاسْتُثْقِلَتِ الضَّمَّةُ عَلَى الْيَاءِ فَحُذِفَتْ فَاجْتَمَعَتْ كَسْرَةُ النُّونِ بَعْدَهَا الْوَاوُ فَضُمَّتِ النُّونُ، وَفِي الْحَدِيثِ مَا طُبِعَتْ عَلَيْهِ الْمَرْأَةُ مِنَ الْغَيْرَةِ، وَفِيهِ مُدَاعَبَةُ الرَّجُلِ أَهْلَهُ وَالْإِفْضَاءُ إِلَيْهِمْ بِمَا يَسْتُرُهُ عَنْ غَيْرِهِمْ، وَفِيهِ أَنَّ ذِكْرَ الْوَجَعِ لَيْسَ بِشِكَايَةٍ، فَكَمْ مِنْ