للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

قَالَ: فِرُّوا مِنَ الطَّاعُونِ، ﴿فَقَالَ لَهُمُ اللَّهُ مُوتُوا ثُمَّ أَحْيَاهُمْ﴾ لِيُكْمِلُوا بَقِيَّةَ آجَالِهِمْ. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ مِنْ طَرِيقِ السُّدِّيِّ، عَنْ أَبِي مَالِكٍ قِصَّتَهُمْ مُطَوَّلَةً. فَأَقْدَمُ مَنْ وَقَفْنَا عَلَيْهِ فِي الْمَنْقُولِ مِمَّنْ وَقَعَ الطَّاعُونُ بِهِ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي قِصَّةِ بَلْعَامَ، وَمِنْ غَيْرِهِمْ فِي قِصَّةِ فِرْعَوْنَ، وَتَكَرَّرَ بَعْدَ ذَلِكَ لِغَيْرِهِمْ وَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَسَيَأْتِي شَرْحُ قَوْلِهِ: إِذَا سَمِعْتُمْ بِالطَّاعُونِ بِأَرْضٍ فَلَا تَدْخُلُوهَا … إِلَخْ فِي شَرْحِ الْحَدِيثِ الَّذِي بَعْدَهُ.

وَقَالَ بَعْضُهُمْ: مَعَكَ بَقِيَّةُ النَّاسِ وَأَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ Object، وَلَا نَرَى أَنْ تُقْدِمَهُمْ عَلَى هَذَا الْوَبَاءِ، فَقَالَ: ارْتَفِعُوا عَنِّي، ثُمَّ قَالَ: ادْعُوا لِي الْأَنْصَارَ، فَدَعَوْتُهُمْ فَاسْتَشَارَهُمْ، فَسَلَكُوا سَبِيلَ الْمُهَاجِرِينَ، وَاخْتَلَفُوا كَاخْتِلَافِهِمْ، فَقَالَ: ارْتَفِعُوا عَنِّي، ثُمَّ قَالَ: ادْعُ لِي مَنْ كَانَ هَا هُنَا مِنْ مَشْيَخَةِ قُرَيْشٍ مِنْ مُهَاجِرَةِ الْفَتْحِ، فَدَعَوْتُهُمْ فَلَمْ يَخْتَلِفْ مِنْهُمْ عَلَيْهِ رَجُلَانِ فَقَالُوا: نَرَى أَنْ تَرْجِعَ بِالنَّاسِ وَلَا تُقْدِمَهُمْ عَلَى هَذَا الْوَبَاءِ، فَنَادَى عُمَرُ فِي النَّاسِ: إِنِّي مُصَبِّحٌ عَلَى ظَهْرٍ، فَأَصْبِحُوا عَلَيْهِ: فقَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الْجَرَّاحِ: أَفِرَارًا مِنْ قَدَرِ اللَّهِ؟ فَقَالَ عُمَرُ: لَوْ غَيْرُكَ قَالَهَا يَا أَبَا عُبَيْدَةَ، نَعَمْ نَفِرُّ مِنْ قَدَرِ اللَّهِ إِلَى قَدَرِ اللَّهِ، أَرَأَيْتَ إن كَانَت لَكَ إِبِلٌ هَبَطَتْ وَادِيًا لَهُ عُدْوَتَانِ إِحْدَاهُمَا خصيبة وَالْأُخْرَى جَدْبَةٌ، أَلَيْسَ إِنْ رَعَيْتَ الخصيبة رَعَيْتَهَا بِقَدَرِ اللَّهِ، وَإِنْ رَعَيْتَ الْجَدْبَةَ رَعَيْتَهَا بِقَدَرِ اللَّهِ؟ قَالَ: فَجَاءَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ - وَكَانَ مُتَغَيِّبًا فِي بَعْضِ حَاجَتِهِ - فَقَالَ: إِنَّ عِنْدِي فِي هَذَا عِلْمًا، سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ Object يَقُولُ: إِذَا سَمِعْتُمْ بِهِ بِأَرْضٍ فَلَا تَقْدَمُوا عَلَيْهِ، وَإِذَا وَقَعَ بِأَرْضٍ وَأَنْتُمْ بِهَا فَلَا تَخْرُجُوا فِرَارًا مِنْهُ، قَالَ: فَحَمِدَ اللَّهَ عُمَرُ، ثُمَّ انْصَرَفَ،

الْحَدِيثُ الثَّانِي.

حَدِيثُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ، وَفِيهِ قِصَّةُ عُمَرَ، وَأَبِي عُبَيْدَةَ، ذَكَرَهُ مِنْ وَجْهَيْنِ مُطَوَّلًا وَمُخْتَصَرًا.

قَوْلُهُ: (عَنْ عَبْدِ الْحَمِيدِ) هُوَ بِتَقْدِيمِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ عَلَى الْمِيمِ، وَرِوَايَتُهُ عَنْ شَيْخِهِ فِيهِ مِنْ رِوَايَةِ الْأَقْرَانِ، وَفِي السَّنَدِ ثَلَاثَةٌ مِنَ التَّابِعِينَ فِي نَسَقٍ، وَصَحَابِيَّانِ فِي نَسَقٍ، وَكُلُّهُمْ مَدَنِيُّونَ.

قَوْلُهُ: (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَارِثِ) أَيِ ابْنِ نَوْفَلِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، لِجَدِّ أَبِيهِ نَوْفَلٍ ابْنِ عَمِّ النَّبِيِّ Object صُحْبَةٌ، وَكَذَا لِوَلَدِهِ الْحَارِثِ، وُوُلِدَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْحَارِثِ فِي عَهْدِ النَّبِيِّ Object فَعُدَّ لِذَلِكَ فِي الصَّحَابَةِ فَهُمْ ثَلَاثَةٌ مِنَ الصَّحَابَةِ فِي نَسَقٍ، وَكَانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْحَارِثِ يُلَقَّبُ بَبَّةَ بِمُوَحَّدَتَيْنِ مَفْتُوحَتَيْنِ الثَّانِيَةُ مُثْقَلَةٌ، وَمَعْنَاهُ الْمُمْتَلِئُ الْبَدَنِ مِنَ النِّعْمَةِ، وَيُكَنَّى أَبَا مُحَمَّدٍ، وَمَاتَ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَثَمَانِينَ. وَأَمَّا وَلَدُهُ رَاوِي هَذَا الْحَدِيثِ فَهُوَ مِمَّنْ وَافَقَ اسْمُهُ اسْمَ أَبِيهِ، وَكَانَ يُكَنَّى أَبَا يَحْيَى، وَمَاتَ سَنَةَ تِسْعٍ وَتِسْعِينَ، وَمَا لَهُ فِي الْبُخَارِيِّ سِوَى هَذَا الْحَدِيثِ، وَقَدْ وَافَقَ مَالِكًا عَلَى رِوَايَتِهِ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ هَكَذَا مَعْمَرٍ وَغَيْرِهِ وَخَالَفَهُمْ يُونُسُ فَقَالَ عَلِيُّ بْنُ شِهَابٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَارِثِ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَلَمْ يَسُقْ لَفْظَهُ، وَسَاقَهُ ابْنُ خُزَيْمَةَ وَقَالَ: قَوْلُ مَالِكٍ وَمَنْ تَابَعَهُ أَصَحُّ. وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: تَابَعَ يُونُسُ، صَالِحَ بْنَ نَصْرٍ، عَنْ مَالِكٍ.

وَقَدْ رَوَاهُ ابْنُ وَهْبٍ، عَنْ مَالِكٍ، وَيُونُسَ جَمِيعًا عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَارِثِ، وَالصَّوَابُ الْأَوَّلُ، وَأَظُنُّ ابْنَ وَهْبٍ حَمَلَ رِوَايَةَ مَالِكٍ عَلَى رِوَايَةِ يُونُسَ، قَالَ: وَقَدْ رَوَاهُ إِبْرَاهِيمُ بْنُ عُمَرَ بْنِ أَبِي الْوَزِيرُ، عَنْ مَالِكٍ كَالْجَمَاعَةِ، لَكِنْ قَالَ: عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَارِثِ عَنْ أَبِيهِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، زَادَ فِي السَّنَدِ: عَنْ أَبِيهِ، وَهُوَ خَطَأٌ. قُلْتُ: وَقَدْ خَالَفَ هِشَامُ بْنُ سَعْدٍ جَمِيعَ أَصْحَابِ ابْنِ شِهَابٍ فَقَالَ: عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ حُمَيْدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِيهِ وَعُمَرَ، أَخْرَجَهُ ابْنُ خُزَيْمَةَ، وَهِشَامٌ صَدُوقٌ سَيِّئُ الْحِفْظِ، وَقَدِ اضْطَرَبَ فِيهِ فَرَوَاهُ تَارَةً هَكَذَا وَمَرَّةً أُخْرَى عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ عَنْ أَبِيهِ وَعُمَرَ، أَخْرَجَهُ ابْنُ خُزَيْمَةَ أَيْضًا، وَلِابْنِ شِهَابٍ فِيهِ شَيْخٌ آخَرُ قَدْ ذَكَرَهُ الْبُخَارِيُّ إِثْرَ هَذَا السَّنَدِ.

قَوْلُهُ: (أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ خَرَجَ إِلَى الشَّامِ) ذَكَرَ سَيْفُ بْنُ عُمَرَ فِي الْفُتُوحِ أَنَّ ذَلِكَ كَانَ فِي رَبِيعٍ الْآخِرِ سَنَةَ ثَمَانِي عَشْرَةَ، وَأَنَّ الطَّاعُونَ كَانَ وَقَعَ أَوَّلًا فِي الْمُحَرَّمِ وَفِي صَفَرٍ ثُمَّ ارْتَفَعَ، فَكَتَبُوا إِلَى عُمَرَ فَخَرَجَ حَتَّى إِذَا كَانَ قَرِيبًا مِنَ الشَّامِ بَلَغَهُ أَنَّهُ أَشَدُّ مَا كَانَ، فَذَكَرَ الْقِصَّةَ. وَذَكَرَ خَلِيفَةَ بْنَ خَيَّاطٍ أَنَّ خُرُوجَ عُمَرَ إِلَى سَرْغَ كَانَ فِي سَنَةِ سَبْعَ عَشْرَةَ، فَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَهَذَا الطَّاعُونُ الَّذِي وَقَعَ بِالشَّامِ حِينَئِذٍ هُوَ الَّذِي يُسَمَّى طَاعُونَ عَمَوَاسَ بِفَتْحِ الْمُهْمَلَةِ وَالْمِيمِ، وَحُكِيَ تَسْكِينُهَا وَآخِرُهُ مُهْمَلَةٌ، قِيلَ: سُمِّيَ بِذَلِكَ لِأَنَّهُ عَمَّ وَوَاسَى.

قَوْلُهُ: (حَتَّى إِذَا كَانَ بِسَرْغَ) بِفَتْحِ الْمُهْمَلَةِ وَسُكُونِ الرَّاءِ بَعْدَهَا مُعْجَمَةٌ، وَحُكِيَ عَنِ ابْنِ وَضَّاحٍ تَحْرِيكُ الرَّاءِ، وَخَطَّأَهُ بَعْضُهُمْ: مَدِينَةٌ افْتَتَحَهَا أَبُو عُبَيْدَةَ، وَهِيَ وَالْيَرْمُوكُ وَالْجَابِيَةُ مُتَّصِلَاتٌ وَبَيْنَهَا وَبَيْنَ الْمَدِينَةِ ثَلَاثَ عَشْرَةَ مَرْحَلَةً. وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: قِيلَ: إِنَّهُ وَادٍ بِتَبُوكَ، وَقِيلَ: بِقُرْبِ تَبُوكَ، وَقَالَ الْحَازِمِيُّ: هِيَ أَوَّلُ الْحِجَازِ، وَهِيَ مِنْ مَنَازِلِ حَاجِّ الشَّامِ، وَقِيلَ: بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْمَدِينَةِ ثَلَاثَ عَشْرَةَ مَرْحَلَةً.

قَوْلُهُ: (لَقِيَهُ أُمَرَاءُ الْأَجْنَادِ أَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الْجَرَّاحِ وَأَصْحَابُهُ) هُمْ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ، وَيَزِيدُ بْنُ أَبِي سُفْيَانَ، وَشُرَحْبِيلُ بْنُ حَسَنَةَ، وَعَمْرُو بْنُ الْعَاصِ، وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ قَدْ قَسَّمَ الْبِلَادَ بَيْنَهُمْ وَجَعَلَ أَمْرَ الْقِتَالِ إِلَى خَالِدٍ، ثُمَّ رَدَّهُ عُمَرُ إِلَى أَبِي عُبَيْدَةَ، وَكَانَ عُمَرُ رَضِيَ