للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

شَاطِئُهُ.

قَوْلُهُ: (إِحْدَاهُمَا خَصِيبَةٌ) بِوَزْنِ عَظِيمَةٍ، وَحَكَى ابْنُ التِّينِ سُكُونَ الصَّادِ بِغَيْرِ يَاءٍ، زَادَ مُسْلِمٌ فِي رِوَايَةِ مَعْمَرٍ: وَقَالَ لَهُ أَيْضًا: أَرَأَيْتَ لَوْ أَنَّهُ رَعَى الْجَدْبَةَ وَتَرَكَ الْخَصِبَةَ أَكُنْتَ مُعَجِّزَهُ؟ وَهُوَ بِتَشْدِيدِ الْجِيمِ قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: فَسِرْ إِذًا، فَسَارَ حَتَّى أَتَى الْمَدِينَةَ.

قَوْلُهُ: (فَجَاءَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ) هُوَ مَوْصُولٌ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ بِالسَّنَدِ الْمَذْكُورِ.

قَوْلُهُ: (وَكَانَ مُتَغَيِّبًا فِي بَعْضِ حَاجَتِهِ) أَيْ لَمْ يَحْضُرْ مَعَهُمُ الْمُشَاوَرَةَ الْمَذْكُورَةَ لِغَيْبَتِهِ.

قَوْلُهُ: (إِنَّ عِنْدِي فِي هَذَا عِلْمًا) فِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ لَعِلْمًا، بِزِيَادَةِ لَامِ التَّأْكِيدِ.

قَوْلُهُ: (إِذَا سَمِعْتُمْ بِهِ بِأَرْضٍ فَلَا تَقْدَمُوا عَلَيْهِ إِلَخْ) هُوَ مُوَافِقٌ لِلْمَتْنِ الَّذِي قَبْلَهُ عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ، وَسَعْدٍ وَغَيْرِهِمَا، فَلَعَلَّهُمْ لَمْ يَكُونُوا مَعَ عُمَرَ فِي تِلْكَ السَّفْرَةِ.

قَوْلُهُ: (فَلَا تَخْرُجُوا فِرَارًا مِنْهُ) فِي رِوَايَةِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَامِرٍ الَّتِي بَعْدَ هَذِهِ وَفِي حَدِيثِ أُسَامَةَ عِنْدَ النَّسَائِيِّ: فَلَا تَفِرُّوا مِنْهُ، وَفِي رِوَايَةٍ لِأَحْمَدَ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ سَعْدٍ عَنْ أَبِيهِ مِثْلُهُ، وَوَقَعَ فِي ذِكْرِ بَنِي إِسْرَائِيلَ إِلَّا فِرَارًا مِنْهُ وَتَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَى إِعْرَابِهِ هُنَاكَ.

قَوْلُهُ: (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَامِرٍ) هُوَ ابْنُ رَبِيعَةَ، وَثَبَتَ كَذَلِكَ فِي رِوَايَةِ الْقَعْنَبِيِّ كَمَا سَيَأْتِي فِي تَرْكِ الْحِيَلِ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَامِرٍ هَذَا مَعْدُودٌ فِي الصَّحَابَةِ؛ لِأَنَّهُ وُلِدَ فِي عَهْدِ النَّبِيِّ ﷺ، وَسَمِعَ مِنْهُ ابْنُ شِهَابٍ هَذَا الْحَدِيثَ عَالِيًا عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ، وَعُمَرَ، لَكِنَّهُ اخْتَصَرَ الْقِصَّةَ وَاقْتَصَرَ عَلَى حَدِيثِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ، وَفِي رِوَايَةِ الْقَعْنَبِيِّ عَقِبَ هَذِهِ الطَّرِيقِ: وَعَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ عُمَرَ إِنَّمَا انْصَرَفَ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَهُوَ لِمُسْلِمٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ يَحْيَى، عَنْ مَالِكٍ وَقَالَ: إِنَّمَا رَجَعَ بِالنَّاسِ مِنْ سَرْغَ، عَنْ حَدِيثِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ، وَكَذَا هُوَ فِي الْمُوَطَّأِ، وَقَدْ رَوَاهُ جُوَيْرِيَةُ بْنُ أَسْمَاءَ، عَنْ مَالِكٍ خَارِجَ الْمُوَطَّأِ مُطَوَّلًا، أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي الْغَرَائِبِ، فَزَادَ بَعْدَ قَوْلِهِ عَنْ حَدِيثِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ أَنَّهُ نَهَى أَنْ يُقْدِمَ عَلَيْهِ إِذَا سَمِعَ بِهِ، وَأَنْ يَخْرُجَ عَنْهُ إِذَا وَقَعَ بِأَرْضٍ هُوَ بِهَا، وَأَخْرَجَهُ أَيْضًا مِنْ رِوَايَةِ بِشْرِ بْنِ عُمَرَ، عَنْ مَالِكٍ بِمَعْنَاهُ، وَرِوَايَةُ سَالِمٍ هَذِهِ مُنْقَطِعَةٌ لِأَنَّهُ لَمْ يُدْرِكِ الْقِصَّةَ وَلَا جَدَّهُ عُمَرَ وَلَا عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ، وَقَدْ رَوَاهُ ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ سَالِمٍ، فَقَالَ: عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَامِرِ بْنِ رَبِيعَةَ أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ أَخْبَرَ عُمَرَ وَهُوَ فِي طَرِيقِ الشَّامِ لَمَّا بَلَغَهُ أَنَّ بِهَا الطَّاعُونَ، فَذَكَرَ الْحَدِيثَ أَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ فَإِنْ كَانَ مَحْفُوظًا فَيَكُونُ ابْنُ شِهَابٍ سَمِعَ أَصْلَ الْحَدِيثِ مِنْ

عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَامِرٍ، وَبَعْضَهُ مِنْ سَالِمٍ عَنْهُ، وَاخْتَصَرَ مَالِكٌ الْوَاسِطَةَ بَيْنَ سَالِمٍ، وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ، وَلَيْسَ مُرَادُ سَالِمٍ بِهَذَا الْحَصْرِ نَفْيَ سَبَبِ رُجُوعِ عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ عَنْ رَأْيِهِ الَّذِي وَافَقَ عَلَيْهِ مَشْيَخَةَ قُرَيْشٍ مِنْ رُجُوعِهِ بِالنَّاسِ، وَإِنَّمَا مُرَادُهُ أَنَّهُ لَمَّا سَمِعَ الْخَبَرَ رَجَحَ عِنْدَهُ مَا كَانَ عَزَمَ عَلَيْهِ مِنَ الرُّجُوعِ، وَذَلِكَ أَنَّهُ قَالَ: إِنِّي مُصَبِّحٌ عَلَى ظَهْرٍ فَبَاتَ عَلَى ذَلِكَ وَلَمْ يَشْرَعْ فِي الرُّجُوعِ حَتَّى جَاءَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ فَحَدَّثَ بِالْحَدِيثِ الْمَرْفُوعِ فَوَافَقَ رَأْيَ عُمَرَ الَّذِي رَآهُ فَحَضَرَ سَالِمٌ سَبَبُ رُجُوعِهِ فِي الْحَدِيثِ لِأَنَّهُ السَّبَبُ الْأَقْوَى، وَلَمْ يُرِدْ نَفْيَ السَّبَبِ الْأَوَّلِ وَهُوَ اجْتِهَادُ عُمَرَ، فَكَأَنَّهُ يَقُولُ: لَوْلَا وُجُودُ النَّصِّ لَأَمْكَنَ إِذَا أَصْبَحَ أَنْ يَتَرَدَّدَ فِي ذَلِكَ أَوْ يَرْجِعَ عَنْ رَأْيِهِ، فَلَمَّا سَمِعَ الْخَبَرَ اسْتَمَرَّ عَلَى عَزْمِهِ الْأَوَّلِ، وَلَوْلَا الْخَبَرُ لَمَا اسْتَمَرَّ. فَالْحَاصِلُ أَنَّ عُمَرَ أَرَادَ بِالرُّجُوعِ تَرْكَ الْإِلْقَاءِ إِلَى التَّهْلُكَةِ، فَهُوَ كَمَنْ أَرَادَ الدُّخُولَ إِلَى دَارٍ فَرَأَى بِهَا مَثَلًا حَرِيقًا تَعَذَّرَ طَفْؤُهُ، فَعَدَلَ عَنْ دُخُولِهَا لِئَلَّا يُصِيبَهُ. فَعَدَلَ عُمَرُ لِذَلِكَ، فَلَمَّا بَلَغَهُ الْخَبَرُ جَاءَ مُوَافِقًا لِرَأْيِهِ فَأَعْجَبَهُ، فَلِأَجْلِ ذَلِكَ قَالَ مَنْ قَالَ: إِنَّمَا رَجَعَ لِأَجْلِ الْحَدِيثِ، لَا لِمَا اقْتَضَاهُ نَظَرُهُ فَقَطْ. وَقَدْ أَخْرَجَ الطَّحَاوِيُّ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ عَنْ أَنَسٍ أَنَّ عُمَرَ أَتَى الشَّامَ فَاسْتَقْبَلَهُ أَبُو طَلْحَةَ، وَأَبُو عُبَيْدَةَ فَقَالَا: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ إِنَّ مَعَكَ وُجُوهَ الصَّحَابَةِ وَخِيَارَهُمْ، وَإِنَّا تَرَكْنَا مَنْ بَعْدَنَا مِثْلَ حَرِيقِ النَّارِ، فَارْجِعِ الْعَامَ.

فَرَجَعَ، وَهَذَا فِي الظَّاهِرِ يُعَارِضُ حَدِيثَ الْبَابِ، فَإِنَّ فِيهِ الْجَزْمَ بِأَنَّ أَبَا عُبَيْدَةَ أَنْكَرَ الرُّجُوعَ،