للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

ﷺ حَتَّى أنَّهُ لَيُخَيَّلُ إِلَيْهِ أَنَّهُ يَفْعَلُ الشَّيْءَ وَمَا فَعَلَهُ، حَتَّى إِذَا كَانَ ذَاتَ يَوْمٍ وَهُوَ عِنْدِي دَعَا اللَّهَ وَدَعَاهُ، ثُمَّ قَالَ: أَشَعَرْتِ يَا عَائِشَةُ أَنَّ اللَّهَ قَدْ أَفْتَانِي فِيمَا اسْتَفْتَيْتُهُ فِيهِ؟ قُلْتُ: وَمَا ذَاكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: جَاءَنِي رَجُلَانِ، فَجَلَسَ أَحَدُهُمَا عِنْدَ رَأْسِي وَالْآخَرُ عِنْدَ رِجْلَيَّ ثُمَّ قَالَ أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ: مَا وَجَعُ الرَّجُلِ؟ قَالَ: مَطْبُوبٌ. قَالَ: وَمَنْ طَبَّهُ؟ قَالَ: لَبِيدُ بْنُ الْأَعْصَمِ الْيَهُودِيُّ مِنْ بَنِي زُرَيْقٍ، قَالَ: فِيمَا ذَا؟ قَالَ: فِي مُشْطٍ وَمُشَاطَةٍ وَجُفِّ طَلْعَةٍ ذَكَرٍ، قَالَ: فَأَيْنَ هُوَ؟ قَالَ: فِي بِئْرِ ذِي أَرْوَانَ، قَالَ: فَذَهَبَ النَّبِيُّ ﷺ فِي أُنَاسٍ مِنْ أَصْحَابِهِ إِلَى الْبِئْرِ فَنَظَرَ إِلَيْهَا وَعَلَيْهَا نَخْلٌ، ثُمَّ رَجَعَ إِلَى عَائِشَةَ فَقَالَ: وَاللَّهِ لَكَأَنَّ مَاءَهَا نُقَاعَةُ الْحِنَّاءِ، وَلَكَأَنَّ نَخْلَهَا رُءُوسُ الشَّيَاطِينِ. قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَفَأَخْرَجْتَهُ؟ قَالَ: لَا. أَمَّا أَنَا فَقَدْ عَافَانِيَ اللَّهُ وَشَفَانِي، وَخَشِيتُ أَنْ أُثَوِّرَ عَلَى النَّاسِ مِنْهُ شَرًّا، وَأَمَرَ بِهَا فَدُفِنَتْ

قَوْلُهُ: (بَابُ السِّحْرِ) كَذَا وَقَعَ هُنَا لِلْكَثِيرِ، وَسَقَطَ لِبَعْضِهِمْ، وَعَلَيْهِ جَرَى ابْنُ بَطَّالٍ، وَالْإِسْمَاعِيلِيُّ وَغَيْرُهُمَا، وَهُوَ الصَّوَابُ؛ لِأَنَّ التَّرْجَمَةَ قَدْ تَقَدَّمَتْ بِعَيْنِهَا قَبْلَ بَابَيْنِ، وَلَا يُعْهَدُ ذَلِكَ لِلْبُخَارِيِّ إِلَّا نَادِرًا عِنْدَ بَعْضٍ دُونَ بَعْضٍ.

وذَكَرَ حَدِيثَ عَائِشَةَ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي أُسَامَةَ فَاقْتَصَرَ الْكَثِيرُ مِنْهُ عَلَى بَعْضِهِ، مِنْ أَوَّلِهِ إِلَى قَوْلِهِ: يَفْعَلُ الشَّيْءَ وَمَا فَعَلَهُ وَفِي رِوَايَةِ الْكُشْمِيهَنِيِّ: أَنَّهُ فَعَلَ الشَّيْءَ وَمَا فَعَلَهُ، وَوَقَعَ سِيَاقُ الْحَدِيثِ بِكَمَالِهِ فِي رِوَايَةِ الْكُشْمِيهَنِيِّ، وَالْمُسْتَمْلِي، وَكَذَا صَنَعَ النَّسَفِيُّ، وَزَادَ فِي آخِرِهِ طَرِيقَ يَحْيَى الْقَطَّانِ، عَنْ هِشَامٍ إِلَى قَوْلِهِ: صَنَعَ شَيْئًا وَلَمْ يَصْنَعْهُ، وَقَدْ تَقَدَّمَ سَنَدًا وَمَتْنًا لِغَيْرِهِ فِي كِتَابِ الْجِزْيَةِ.

وَأَغْفَلَ الْمِزِّيُّ فِي الْأَطْرَافِ ذِكْرَهَا هُنَا، وَذَكَرَ هُنَا رِوَايَةَ الْحُمَيْدِيِّ، عَنْ سُفْيَانَ، وَلَمْ أَرَهَا، وَلَا ذَكَرَهَا أَبُو مَسْعُودٍ فِي أَطْرَافِهِ، وَاسْتُدِلَّ بِهَذَا الْحَدِيثِ عَلَى أَنَّ السَّاحِرَ لَا يُقْتَلُ حَدًّا إِذَا كَانَ لَهُ عَهْدٌ، وَأَمَّا مَا أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ مِنْ حَدِيثِ جُنْدَبٍ رَفَعَهُ قَالَ: حَدُّ السَّاحِرِ ضَرْبُهُ بِالسَّيْفِ، فَفِي سَنَدِهِ ضَعْفٌ، فَلَوْ ثَبَتَ لَخُصَّ مِنْهُ مَنْ لَهُ عَهْدٌ، وَتَقَدَّمَ فِي الْجِزْيَةِ مِنْ رِوَايَةِ بَجَالَةَ: أَنَّ عُمَرَ كَتَبَ إِلَيْهِمْ أَنِ اقْتُلُوا كُلَّ سَاحِرٍ وَسَاحِرَةٍ، وَزَادَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ فِي رِوَايَتِهِ عَنْ بَجَالَةَ: فَقَتَلْنَا ثَلَاثَ سَوَاحِرَ، أَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ أَصْلَ الْحَدِيثِ دُونَ قِصَّةِ قَتْلِ السَّوَاحِرِ، قَالَ ابْنُ بَطَّالٍ: لَا يُقْتَلُ سَاحِرُ أَهْلِ الْكِتَابِ عِنْدَ مَالِكٍ، وَالزُّهْرِيِّ، إِلَّا أَنْ يَقْتُلَ بِسِحْرِهِ فَيُقْتَلُ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ، وَالشَّافِعِيِّ، وَعَنْ مَالِكٍ إِنْ أَدْخَلَ بِسِحْرِهِ ضَرَرًا عَلَى مُسْلِمٍ لَمْ يُعَاهَدْ عَلَيْهِ نُقِضَ الْعَهْدُ بِذَلِكَ فَيَحِلُّ قَتْلُهُ، وَإِنَّمَا لَمْ يَقْتُلِ النَّبِيُّ ﷺ لَبِيدَ بْنَ الْأَعْصَمِ؛ لِأَنَّهُ كَانَ لَا يَنْتَقِمُ لِنَفْسِهِ، وَلِأَنَّهُ خَشِيَ إِذَا قَتَلَهُ أَنْ تَثُورَ بِذَلِكَ فِتْنَةٌ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ وَبَيْنَ حُلَفَائِهِ مِنَ الْأَنْصَارِ، وَهُوَ مِنْ نَمَطِ مَا رَاعَاهُ مِنْ تَرْكِ قَتْلِ الْمُنَافِقِينَ، سَوَاءٌ كَانَ لَبِيدٌ يَهُودِيًّا أَوْ مُنَافِقًا، عَلَى مَا مَضَى مِنَ الِاخْتِلَافِ فِيهِ. قَالَ: وَعِنْدَ مَالِكٍ أَنَّ حُكْمَ السَّاحِرِ حُكْمُ الزِّنْدِيقِ فَلَا تُقْبَلُ تَوْبَتُهُ، وَيُقْتَلُ حَدًّا إِذَا ثَبَتَ عَلَيْهِ ذَلِكَ، وَبِهِ قَالَ أَحْمَدُ.

وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَا يُقْتَلُ إِلَّا إِنِ اعْتَرَفَ بِسِحْرِهِ فَيُقْتَلُ بِهِ، فَإِنْ اعْتَرَفَ أَنَّ سِحْرَهُ قَدْ يَقْتُلُ وَقَدْ لَا يَقْتُلُ وَأَنَّهُ سَحَرَهُ وَأَنَّهُ مَاتَ لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ الْقِصَاصُ، وَوَجَبَتِ الدِّيَةُ فِي مَالِهِ لَا عَلَى عَاقِلَتِهِ، وَلَا يُتَصَوَّرُ الْقَتْلُ بِالسِّحْرِ بِالْبَيِّنَةِ، وَادَّعَى أَبُو بَكْرٍ الرَّازِيُّ فِي الْأَحْكَامِ أَنَّ الشَّافِعِيَّ تَفَرَّدَ بِقَوْلِهِ إِنَّ السَّاحِرَ يُقْتَلُ قِصَاصًا إِذَا اعْتَرَفَ أَنَّهُ قَتَلَهُ بِسِحْرِهِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ. قَالَ النَّوَوِيُّ: إِنْ كَانَ فِي السِّحْرِ قَوْلٌ أَوْ فِعْلٌ يَقْتَضِي الْكُفْرَ كَفَرَ السَّاحِرُ وَتُقْبَلُ تَوْبَتُهُ إِذَا تَابَ عِنْدَنَا، وَإِذَا لَمْ يَكُنْ فِي سِحْرِهِ مَا يَقْتَضِي الْكُفْرَ عُزِّرَ وَاسْتُتِيبَ.