للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

فِيهِ، لِأَنَّهُ مَنْقُولٌ عَنْ هِرَقْلَ، فَالْجَوَابُ أَنَّهُ مَا قَالَهُ مِنْ قِبَلِ اجْتِهَادِهِ، وَإِنَّمَا أَخْبَرَ بِهِ عَنِ اسْتِقْرَائِهِ مِنْ كُتُبِ الْأَنْبِيَاءِ كَمَا قَرَّرْنَاهُ فِيمَا مَضَى، وَأَيْضًا فَهِرَقْلُ قَالَهُ بِلِسَانِهِ الرُّومِيِّ، وَأَبُو سُفْيَانَ عَبَّرَ عَنْهُ بِلِسَانِهِ الْعَرَبِيِّ، وَأَلْقَاهُ إِلَى ابْنِ عَبَّاسٍ - وهو مِنْ عُلَمَاءِ اللسان - فَرَوَاهُ عَنْهُ وَلَمْ يُنْكِرْهُ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ صَحِيحٌ لَفْظًا وَمَعْنًى. وَقَدِ اقْتَصَرَ الْمُؤَلَّفُ مِنْ حَدِيثِ أَبِي سُفْيَانَ الطَّوِيلِ الَّذِي تَكَلَّمْنَا عَلَيْهِ فِي بَدْءِ الْوَحْيِ عَلَى هَذِهِ الْقِطْعَةِ لِتَعَلُّقِهَا بِغَرَضِهِ هُنَا، وَسَاقَهُ فِي كِتَابِ الْجِهَادِ تَامًّا بِهَذَا الْإِسْنَادِ الَّذِي أَوْرَدَهُ هُنَا. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

٣٩ - بَاب فَضْلِ مَنْ اسْتَبْرَأَ لِدِينِهِ

٥٢ - حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، حَدَّثَنَا زَكَرِيَّاءُ، عَنْ عَامِرٍ قال: سمعت النُّعْمَانَ بْنَ بَشِيرٍ يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ يَقُولُ: الْحَلَالُ بَيِّنٌ وَالْحَرَامُ بَيِّنٌ، وَبَيْنَهُمَا مُشَبَّهَاتٌ لَا يَعْلَمُهَا كَثِيرٌ مِنْ النَّاسِ، فَمَنْ اتَّقَى الْمُشَبَّهَاتِ اسْتَبْرَأَ لِدِينِهِ وَعِرْضِهِ وَمَنْ وَقَعَ فِي الشُّبُهَاتِ كَرَاعٍ يَرْعَى حَوْلَ الْحِمَى يُوشِكُ أَنْ يُوَاقِعَهُ، أَلَا وَإِنَّ لِكُلِّ مَلِكٍ حِمًى أَلَا إِنَّ حِمَى اللَّهِ فِي أَرْضِهِ مَحَارِمُهُ، أَلَا وَإِنَّ فِي الْجَسَدِ مُضْغَةً إِذَا صَلَحَتْ صَلَحَ الْجَسَدُ كُلُّهُ، وَإِذَا فَسَدَتْ فَسَدَ الْجَسَدُ كُلُّهُ، أَلَا وَهِيَ الْقَلْبُ.

[الحديث ٥٢ - طرفه في: ٢٠٥١]

قَوْلُهُ: (بَابُ فَضْلِ مَنِ اسْتَبْرَأَ لِدِينِهِ) كَأَنَّهُ أَرَادَ أَنْ يُبَيِّنَ أَنَّ الْوَرَعَ مِنْ مُكَمِّلَاتِ الْإِيمَانِ، فَلِهَذَا أَوْرَدَ حَدِيثَ الْبَابِ فِي أَبْوَابِ الْإِيمَانِ.

قَوْلُهُ: (حَدَّثَنَا زَكَرِيَّاءُ) هُوَ ابْنُ أَبِي زَائِدَةَ، وَاسْمُ أَبِي زَائِدَةَ خَالِدُ بْنُ مَيْمُونٍ الْوَادِعِيُّ.

قَوْلُهُ: (عَنْ عَامِرٍ) هُوَ الشَّعْبِيُّ الْفَقِيهُ الْمَشْهُورُ. وَرِجَالُ الْإِسْنَادِ كُوفِيُّونَ. وَقَدْ دَخَلَ النُّعْمَانُ الْكُوفَةَ وَوَلِيَ إِمْرَتَهَا. وَلِأَبِي عَوَانَةَ فِي صَحِيحِهِ مِنْ طَرِيقِ أَبِي حَرِيزٍ - وهو بِفَتْحِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَآخِرِهِ زَايٌ - عَنِ الشَّعْبِيِّ أَنَّ النُّعْمَانَ بْنَ بَشِيرٍ خَطَبَ بِهِ بِالْكُوفَةِ، وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ أَنَّهُ خَطَبَ بِهِ بِحِمْصَ. وَيُجْمَعُ بَيْنَهُمَا بِأَنَّهُ سَمِعَ مِنْهُ مَرَّتَيْنِ، فَإِنَّهُ وَلِيَ إِمْرَةَ الْبَلَدَيْنِ وَاحِدَةً بَعْدَ أُخْرَى، وَزَادَ مُسْلِمٌ، وَالْإِسْمَاعِيلِيُّ مِنْ طَرِيقِ زَكَرِيَّاءَ فِيهِ وَأَهْوَى النُّعْمَانُ بِإِصْبَعِهِ إِلَى أُذُنَيْهِ يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ يَقُولُ وَفِي هَذَا رَدٌّ لِقَوْلِ الْوَاقِدِيِّ وَمَنْ تَبِعَهُ إِنَّ النُّعْمَانَ لَا يَصِحُّ سَمَاعُهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ ، وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى صِحَّةِ تَحَمُّلِ الصَّبِيِّ الْمُمَيِّزِ لِأَنَّ النَّبِيَّ مَاتَ وَلِلنُّعْمَانِ ثَمَانِ سِنِينَ، وَزَكَرِيَّاءُ مَوْصُوفٌ بِالتَّدْلِيسِ، وَلَمْ أَرَهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَغَيْرِهِمَا مِنْ رِوَايَتِهِ عَنِ الشَّعْبِيِّ إِلَّا مُعَنْعَنًا ثُمَّ وَجَدْتُهُ فِي فَوَائِدِ ابْنِ أَبِي الْهَيْثَمِ مِنْ طَرِيقِ يَزِيدَ بْنِ هَارُونَ، عَنْ زَكَرِيَّاءَ، حَدَّثَنَا الشَّعْبِيُّ، فَحَصَلَ الْأَمْنُ مِنْ تَدْلِيسِهِ (١).

(فَائِدَةٌ): ادَّعَى أَبُو عَمْرٍو الدَّانِيُّ أَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ لَمْ يَرْوِهِ عَنِ النَّبِيِّ غَيْرُ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ، فَإِنْ أَرَادَ مِنْ وَجْهٍ صَحِيحٍ فَمُسَلَّمٌ، وَإِلَّا فَقَدْ رُوِّينَاهُ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ، وَعَمَّارٍ فِي الْأَوْسَطِ لِلطَّبَرَانِيِّ، وَمِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي الْكَبِيرِ لَهُ، وَمِنْ حَدِيثِ وَاثِلَةَ فِي التَّرْغِيبِ لِلْأَصْبَهَانِيِّ، وَفِي أَسَانِيدِهَا مَقَالٌ. وَادَّعَى أَيْضًا أَنَّهُ لَمْ يَرْوِهِ عَنِ النُّعْمَانَ غَيْرُ الشَّعْبِيِّ، وَلَيْسَ كَمَا قَالَ، فَقَدْ رَوَاهُ عَنِ النُّعْمَانَ أَيْضًا خَيْثَمَةُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنَ عِنْدَ أَحْمَدَ وَغَيْرِهِ، وَعَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ عُمَيْرٍ عِنْدَ أَبِي عَوَانَةَ وَغَيْرِهِ، وَسِمَاكُ بْنُ حَرْبٍ عِنْدَ الطَّبَرَانِيِّ ; لَكِنَّهُ مَشْهُورٌ عَنِ


(١) وهو في مسند أحمد (٢٧٠: ٤): عن زكرياء قال (حدثنا) عامر قال سمعت النعمان بن بشير يخطب يقول