للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

﵄ أَخْبَرَهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قال: "إِنَّ الَّذِينَ يَصْنَعُونَ هَذِهِ الصُّوَرَ يُعَذَّبُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يُقَالُ لَهُمْ أَحْيُوا مَا خَلَقْتُمْ".

[الحديث ٥٩٥١ - طرفه في: ٧٥٥٨]

قَوْلُهُ: (بَابُ عَذَابِ الْمُصَوِّرِينَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ) أَيِ الَّذِينَ يَصْنَعُونَ الصُّوَرَ. ذَكَرَ فِيهِ حَدِيثَيْنِ: الْأَوَّلُ.

قَوْلُهُ: (عَنْ مُسْلِمٍ) هُوَ ابْنُ صُبَيْحٍ أَبُو الضُّحَى وَهُوَ بِكُنْيَتِهِ أَشْهَرُ، وَجَوَّزَ الْكِرْمَانِيُّ أَنْ يَكُونَ مُسْلِمَ بْنَ عِمْرَانَ الْبَطِينَ ثُمَّ قَالَ: إِنَّهُ الظَّاهِرُ، وَهُوَ مَرْدُودٌ فَقَدْ وَقَعَ فِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ فِي هَذَا الْحَدِيثِ مِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي الضُّحَى.

قَوْلُهُ: (كُنَّا مَعَ مَسْرُوقٍ) هُوَ ابْنُ الْأَجْدَعِ.

قَوْلُهُ: (فِي دَارِ يَسَارِ بْنِ نُمَيْرٍ) هُوَ بِتَحْتَانِيَّةٍ وَمُهْمَلَةٍ خَفِيفَةٍ، وَأَبُوهُ بِنُونٍ مُصَغَّرٌ ; وَيَسَارٌ مَدَنِيٌّ سَكَنَ الْكُوفَةَ وَكَانَ مَوْلَى عُمَرَ وَخَازِنَهُ، وَلَهُ رِوَايَةٌ عَنْ عُمَرَ وَعَنْ غَيْرِهِ. وَرَوَى عَنْهُ أَبُو وَائِلٍ وَهُوَ مِنْ أَقْرَانِهِ، وَأَبُو بُرْدَةَ بْنُ أَبِي مُوسَى، وَأَبُو إِسْحَاقَ السَّبِيعِيُّ، وَهُوَ مُوَثَّقٌ وَلَمْ أَرَ لَهُ فِي الْبُخَارِيِّ إِلَّا هَذَا الْمَوْضِعَ.

قَوْلُهُ: (فَرَأَى فِي صُفَّتِهِ) بِضَمِّ الْمُهْمَلَةِ وَتَشْدِيدِ الْفَاءِ فِي رِوَايَةِ مَنْصُورٍ، عَنْ أَبِي الضُّحَى عِنْدَ مُسْلِمٍ كُنْتُ مَعَ مَسْرُوقٍ فِي بَيْتٍ فِيهِ تَمَاثِيلُ فَقَالَ لِي مَسْرُوقٌ: هَذِهِ تَمَاثِيلُ كِسْرَى، فَقُلْتُ: لَا هَذِهِ تَمَاثِيلُ مَرْيَمَ كَأَنَّ مَسْرُوق ظَنَّ أَنَّ التَّصْوِيرَ كَانَ مِنْ مَجُوسِيٍّ، وَكَانُوا يُصَوِّرُونَ صُورَةَ مُلُوكِهِمْ حَتَّى فِي الْأَوَانِي، فَظَهَرَ أَنَّ التَّصْوِيرَ كَانَ مِنْ نَصْرَانِيٍّ لِأَنَّهُمْ يُصَوِّرُونَ صُورَةَ مَرْيَمَ وَالْمَسِيحِ وَغَيْرِهِمَا وَيَعْبُدُونَهَا.

قَوْلُهُ: (سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ) هُوَ ابْنُ مَسْعُودٍ وَفِي رِوَايَةِ مَنْصُورٍ فَقَالَ: أَمَا إِنِّي سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَسْعُودٍ.

قَوْلُهُ: (إِنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَذَابًا عِنْدَ اللَّهِ الْمُصَوِّرُونَ) وَقَعَ فِي رِوَايَةِ الْحُمَيْدِيِّ فِي مُسْنَدِهِ عَنْ سُفْيَانَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بَدَلَ قَوْلِهِ: عِنْدَ اللَّهِ وَكَذَا هُوَ فِي مُسْنَدِ ابْنِ أَبِي عُمَرَ، عَنْ سُفْيَانَ، وَأَخْرَجَهُ الْإِسْمَاعِيلِيِّ مِنْ طَرِيقِهِ، فَلَعَلَّ الْحُمَيْدِيَّ حَدَّثَ بِهِ عَلَى الْوَجْهَيْنِ بِدَلِيلِ مَا وَقَعَ فِي التَّرْجَمَةِ، أَوْ لَمَّا حَدَّثَ بِهِ الْبُخَارِيُّ حَدَّثَ بِهِ بِلَفْظِ عِنْدَ اللَّهِ، وَالتَّرْجَمَةُ مُطَابِقَةٌ لِلَّفْظِ الَّذِي فِي حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ ثَانِي حَدِيث الْبَابِ، وَالْمُرَادُ بِقَوْلِهِ: عِنْدَ اللَّهِ حُكْمُ اللَّهِ. وَوَقَعَ عِنْدَ مُسْلِمٍ مِنْ طَرِيقِ أَبِي مُعَاوِيَةَ، عَنِ الْأَعْمَشِ أَنَّ مِنْ أَشَدِّ النَّاسِ وَاخْتَلَفَت نَسْخُه فَفِي بَعْضِهَا الْمُصَوِّرِينَ وَهِيَ لِلْأَكْثَرِ، وَفِي بَعْضِهَا الْمُصَوِّرُونَ وَهِيَ لِأَحْمَدَ، عَنْ أَبِي مُعَاوِيَةَ أَيْضًا، وَوُجِّهَتْ بِأَنَّ مِنْ زَائِدَةٌ وَاسْمُ إِنَّ أَشَدُّ، وَوَجَّهَهَا ابْنُ مَالِكٍ عَلَى حَذْفِ ضَمِيرِ الشَّأْنِ، وَالتَّقْدِيرُ: أَنَّهُ مِنْ أَشَدِّ النَّاسِ إِلَخْ. وَقَدِ اسْتَشْكَلَ كَوْنُ الْمُصَوِّرِ أَشَدَّ النَّاسِ عَذَابًا مَعَ قَوْلِهِ - تَعَالَى -: ﴿أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ﴾ فَإِنَّهُ يَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ الْمُصَوِّرُ أَشَدَّ عَذَابًا مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ، وَأَجَابَ الطَّبَرِيُّ بِأَنَّ الْمُرَادَ هُنَا مَنْ يُصَوِّرُ مَا يُعْبَدُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَهُوَ عَارِفٌ بِذَلِكَ قَاصِدًا لَهُ فَإِنَّهُ يَكْفُرُ بِذَلِكَ، فَلَا يَبْعُدُ أَنْ يُدْخَلَ مُدْخَلَ آلِ فِرْعَوْنَ وَأَمَّا مَنْ لَا يَقْصِدُ ذَلِكَ فَإِنَّهُ يَكُونُ عَاصِيًا بِتَصْوِيرِهِ فَقَطْ.

وَأَجَابَ غَيْرُهُ بِأَنَّ الرِّوَايَةَ بِإِثْبَاتِ مِنْ ثَابِتَةٌ وَبِحَذْفِهَا مَحْمُولَةٌ عَلَيْهَا، وَإِذَا كَانَ مَنْ يَفْعَلُ التَّصْوِيرَ مِنْ أَشَدِّ النَّاسِ عَذَابًا كَانَ مُشْتَرِكًا مَعَ غَيْرِهِ، وَلَيْسَ فِي الْآيَةِ مَا يَقْتَضِي اخْتِصَاصَ آلِ فِرْعَوْنَ بِأَشَدِّ الْعَذَابِ بَلْ هُمْ فِي الْعَذَابِ الْأَشَدِّ، فَكَذَلِكَ غَيْرُهُمْ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ فِي الْعَذَابِ الْأَشَدِّ، وَقَوَّى الطَّحَاوِيُّ ذَلِكَ بِمَا أَخْرَجَهُ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ رَفَعَهُ إِنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَذَابًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ رَجُلٌ قَتَلَ نَبِيًّا أَوْ قَتَلَهُ نَبِيٌّ، وَإِمَامُ ضَلَالَةٍ، وَمُمَثِّلٌ مِنَ الْمُمَثِّلِينَ وَكَذَا أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ. وَقَدْ وَقَعَ بَعْضُ هَذِهِ الزِّيَادَةِ فِي رِوَايَةِ ابْنِ أَبِي عُمَرَ الَّتِي أَشَرْتُ إِلَيْهَا فَاقْتَصَرَ عَلَى الْمُصَوِّرِ وَعَلَى مَنْ قَتَلَهُ نَبِيٌّ، وَأَخْرَجَ الطَّحَاوِيُّ أَيْضًا مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ مَرْفُوعًا: أَشَدُّ النَّاسِ عَذَابًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ رَجُلٌ هَجَا رَجُلًا فَهَجَا الْقَبِيلَةَ بِأَسْرِهَا. قَالَ الطَّحَاوِيُّ: فَكُلُّ