للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

هُرَيْرَةَ فَذَكَرَهُ، وَبَعْدَهُ: فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ الدَّهْرُ.

قَوْلُهُ: (اللَّيْثُ، عَنْ يُونُسَ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ) قَالَ أَبُو عَلِيٍّ الْجَيَّانِيُّ: هَكَذَا لِلْجَمِيعِ إِلَّا لِأَبِي عَلِيِّ بْنِ السَّكَنِ فَقَالَ فِيهِ: اللَّيْثُ، عَنْ عُقَيْلٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، وَهَكَذَا وَقَعَ فِي الزُّهْرِيَّاتِ لِلذُّهْلِيِّ مِنْ رِوَايَتِهِ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنِ اللَّيْثِ، وَلَكِنَّ لَفْظَهُ: لَا يَسُبُّ ابْنُ آدَمَ الدَّهْرَ. قَالَ أَبُو عَلِيٍّ الْجَيَّانِيُّ: الْحَدِيثُ مَحْفُوظٌ لِيُونُسَ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ وَهْبٍ عَنْهُ. قُلْتُ: الْحَدِيثُ عِنْدَ اللَّيْثِ عَنْ شَيْخَيْنِ، وَقَدْ أَخْرَجَهُ يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ، وَأَبُو نُعَيْمٍ مِنْ طَرِيقِهِ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو صَالِحٍ، وَابْنُ بُكَيْرٍ قَالَا: حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، حَدَّثَنِي يُونُسُ بِهِ.

قَوْلُهُ (قَالَ اللَّهُ: يَسُبُّ بَنُو آدَمَ الدَّهْرَ، وَأَنَا الدَّهْرُ، بِيَدِي اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ) هَذِهِ رِوَايَةُ يُونُسَ بْنِ يَزِيدَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، وَرِوَايَةُ مَعْمَرٍ بَعْدَهَا بِلَفْظِ: وَلَا تَقُولُوا يَا خَيْبَةَ الدَّهْرِ، فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ الدَّهْرُ أَوَّلُهُ: لَا تُسَمُّوا الْعِنَبَ الْكَرْمَ، وَيَأْتِي شَرْحُهُ فِي الْبَابِ الَّذِي بَعْدَهُ، وَقَدِ اخْتُلِفَ عَلَى مَعْمَرٍ فِي شَيْخِ الزُّهْرِيِّ فَقَالَ عَبْدُ الْأَعْلَى بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، عَنْ مَعْمَرٍ عَنْهُ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، وَقَالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَلَفْظُهُ: قَالَ اللَّهُ: يُؤْذِينِي ابْنُ آدَمَ؛ يَقُولُ: يَا خَيْبَةَ الدَّهْرِ الْحَدِيثَ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، وَهَكَذَا قَالَ سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَعِيدٍ أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ عَنْهُ، وَلَفْظُهُ: يُؤْذِينِي ابْنُ آدَمَ؛ يَسُبُّ الدَّهْرَ وَأَنَا الدَّهْرُ، بِيَدِيَ الْأَمْرُ أُقَلِّبُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ. وَقَدْ مَضَى فِي التَّفْسِيرِ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ، وَسَيَأْتِي فِي التَّوْحِيدِ، وَهَكَذَا أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَغَيْرُهُ مِنْ رِوَايَةِ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ. قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: الْحَدِيثَانِ لِلزُّهْرِيِّ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ وَعَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ جَمِيعًا صَحِيحَانِ.

قُلْتُ: قَدْ قَالَ النَّسَائِيُّ: كِلَاهُمَا مَحْفُوظٌ، لَكِنْ حَدِيثُ أَبِي سَلَمَةَ أَشْهَرُهُمَا، قُلْتُ: وَلِعَبْدِ الرَّزَّاقِ فِيهِ عَنْ مَعْمَرٍ إِسْنَادٌ آخَرُ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِهِ فَقَالَ: عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ بِلَفْظِ: لَا يَسُبُّ أَحَدُكُمُ الدَّهْرَ، فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ الدَّهْرُ ; وَلَا يَقُولَنَّ أَحَدُكُمْ الْعِنَبِ الْكَرْمَ الْحَدِيثَ، وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ مِنْ رِوَايَةِ هَمَّامٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ بِلَفْظِ: لَا يَقُلِ ابْنُ آدَمَ يَا خَيْبَةَ الدَّهْرِ، إِنِّي أَنَا الدَّهْرُ، أُرْسِلُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ، فَإِذَا شِئْتُ قَبَضْتُهُمَا. وَأَخْرَجَهُ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّأِ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ، عَنِ الْأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ بِلَفْظِ: لَا يَقُولَنَّ أَحَدُكُمْ، وَالْبَاقِي مِثْلُ رِوَايَةِ عبد الْأَعْلَى عَنْ مَعْمَرٍ، لَكِنْ وَقَعَ فِي رِوَايَةِ يَحْيَى بْنِ يَحْيَى اللَّيْثِيِّ، عَنْ مَالِكٍ فِي آخِرِهِ: فَإِنَّ الدَّهْرَ هُوَ اللَّهُ، قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: خَالَفَ جَمِيعَ الرُّوَاةِ عَنْ مَالِكٍ، وَجَمِيعَ رُوَاةِ الْحَدِيثِ مُطْلَقًا، فَإِنَّ الْجَمِيعَ قَالُوا: فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ الدَّهْرُ. وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ بِلَفْظِ: لَا تَسُبُّوا الدَّهْرَ فَإِنَّ اللَّهَ قَالَ: أَنَا الدَّهْرُ، الْأَيَّامُ وَاللَّيَالِي لِي أُجَدِّدُهَا وَأُبْلِيهَا، وَآتِي بِمُلُوكٍ بَعْدَ مُلُوكٍ، وَسَنَدُهُ صَحِيحٌ.

قَوْلُهُ: (وَلَا تَقُولُوا خَيْبَةُ الدَّهْرِ) كَذَا لِلْأَكْثَرِ، وَلِلنَّسَفِيِّ: يَا خَيْبَةَ الدَّهْرِ، وَفِي غير الْبُخَارِيِّ: وَاخَيْبَةَ الدَّهْرِ؛ الْخَيْبَةُ بِفَتْحِ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَإِسْكَانِ التَّحْتَانِيَّةِ بَعْدَهَا مُوَحَّدَةٌ: الْحِرْمَانُ، وَهِيَ بِالنَّصْبِ عَلَى النُّدْبَةِ، كَأَنَّهُ فَقَدَ الدَّهْرَ لِمَا يَصْدُرُ عَنْهُ مِمَّا يَكْرَهُهُ فَنَدَبَهُ مُتَفَجِّعًا عَلَيْهِ أَوْ مُتَوَجِّعًا مِنْهُ. وَقَالَ الدَّاوُدِيُّ: هُوَ دُعَاءٌ عَلَى الدَّهْرِ بِالْخَيْبَةِ، وَهُوَ كَقَوْلِهِمْ: قَحَطَ اللَّهُ نَوْءَهَا، يَدْعُونَ عَلَى الْأَرْضِ بِالْقَحْطِ، وَهِيَ كَلِمَةٌ هَذَا أَصْلُهَا ثُمَّ صَارَتْ تُقَالُ لِكُلِّ مَذْمُومٍ. وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ الْعَلَاءِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عِنْدَ مُسْلِمٍ بِلَفْظِ: وَادَهْرَهُ وَادَهْرَهُ، وَمَعْنَى النَّهْيِ عَنْ سَبِّ الدَّهْرِ أَنَّ مَنِ اعْتَقَدَ أَنَّهُ الْفَاعِلُ لِلْمَكْرُوهِ فَسَبَّهُ أَخْطَأَ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ الْفَاعِلُ، فَإِذَا سَبَبْتُمْ مَنْ أَنْزَلَ ذَلِكَ بِكُمْ رَجَعَ السَّبُّ إِلَى اللَّهِ. وَقَدْ تَقَدَّمَ شَرْحُ الْحَدِيثِ فِي تَفْسِيرِ سُورَةِ الْجَاثِيَةِ، وَمُحَصَّلُ مَا قِيلَ فِي تَأْوِيلِهِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ:

أَحَدُهَا: أَنَّ الْمُرَادَ بِقَوْلِهِ إنَّ اللَّهَ هُوَ الدَّهْرُ؛ أَيِ الْمُدَبِّرُ لِلْأُمُورِ.

ثَانِيهَا: أَنَّهُ عَلَى حَذْفِ مُضَافٍ؛ أَيْ صَاحِبُ الدَّهْرِ.

ثَالِثُهَا: التَّقْدِيرُ مُقَلِّبُ الدَّهْرِ، وَلِذَلِكَ عَقَّبَهُ بِقَوْلِهِ: بِيَدِيَ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ، وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ بِلَفْظِ: بِيَدِيَ