للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

ﷺ حَتَّى أَحْفَوْهُ الْمَسْأَلَةَ، فَغَضِبَ، فَصَعِدَ الْمِنْبَرَ، فَقَالَ: لَا تَسْأَلُونِي الْيَوْمَ عَنْ شَيْءٍ إِلَّا بَيَّنْتُهُ لَكُمْ، فَجَعَلْتُ أَنْظُرُ يَمِينًا وَشِمَالًا، فَإِذَا كُلُّ رَجُلٍ لَافٌّ رَأْسَهُ فِي ثَوْبِهِ يَبْكِي، فَإِذَا رَجُلٌ كَانَ إِذَا لَاحَى الرِّجَالَ يُدْعَى لِغَيْرِ أَبِيهِ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَنْ أَبِي؟ قَالَ: حُذَافَةُ، ثُمَّ أَنْشَأَ عُمَرُ فَقَالَ: رَضِينَا بِاللَّهِ رَبًّا، وَبِالْإِسْلَامِ دِينًا، وَبِمُحَمَّدٍ ﷺ رَسُولًا، نَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ الْفِتَنِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: مَا رَأَيْتُ فِي الْخَيْرِ وَالشَّرِّ كَالْيَوْمِ قَطُّ، إِنَّهُ صُوِّرَتْ لِي الْجَنَّةُ وَالنَّارُ، حَتَّى رَأَيْتُهُمَا وَرَاءَ الْحَائِطِ.

وَكَانَ قَتَادَةُ يَذْكُرُ عِنْدَ هَذَا الْحَدِيثِ هَذِهِ الْآيَةَ: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ﴾

قَوْلُهُ: (بَابُ التَّعَوُّذِ مِنَ الْفِتَنِ) سَتَأْتِي هَذِهِ التَّرْجَمَةُ وَحَدِيثُهَا فِي كِتَابِ الْفِتَنِ، وَتَقَدَّمَ شَيْءٌ مِنْ شَرْحِهِ يَتَعَلَّقُ بِسَبَبِ نُزُولِ الْآيَةِ الْمَذْكُورَةِ فِي آخِرِ الْحَدِيثِ فِي تَفْسِيرِ سُورَةِ الْمَائِدَةِ، وَقَوْلُهُ: أَحْفَوْهُ بِحَاءٍ مُهْمَلَةٍ سَاكِنَةٍ وَفَاءٍ مَفْتُوحَةٍ، أَيْ: أَلَحُّوا عَلَيْهِ، يُقَالُ: أَحْفَيْتُهُ إِذَا حَمَلْتُهُ عَلَى أَنْ يَبْحَثَ عَنِ الْخَبَرِ، وَقَوْلُهُ: لَافٌّ بِالرَّفْعِ وَيَجُوزُ النَّصْبُ عَلَى الْحَالِ، وَقَوْلُهُ: إِذَا لَاحَى بِمُهْمَلَةٍ خَفِيفَةٍ، أَيْ: خَاصَمَ، وَفِي الْحَدِيثِ أَنَّ غَضَبَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ لَا يَمْنَعُ مِنْ حُكْمِهِ؛ فَإِنَّهُ لَا يَقُولُ إِلَّا الْحَقَّ فِي الْغَضَبِ وَالرِّضَا، وَفِيهِ فَهْمُ عُمَرَ وَفَضْلُ عِلْمِهِ.

٣٦ - بَاب التَّعَوُّذِ مِنْ غَلَبَةِ الرِّجَالِ

٦٣٦٣ - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ أَبِي عَمْرٍو - مَوْلَى الْمُطَّلِبِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حَنْطَبٍ - أَنَّهُ سَمِعَ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ لِأَبِي طَلْحَةَ: الْتَمِسْ لَنَا غُلَامًا مِنْ غِلْمَانِكُمْ يَخْدُمُنِي، فَخَرَجَ بِي أَبُو طَلْحَةَ يُرْدِفُنِي وَرَاءَهُ، فَكُنْتُ أَخْدُمُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ كُلَّمَا نَزَلَ، فَكُنْتُ أَسْمَعُهُ يُكْثِرُ أَنْ يَقُولَ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ الْهَمِّ وَالْحَزَنِ، وَالْعَجْزِ وَالْكَسَلِ، وَالْبُخْلِ وَالْجُبْنِ، وَضَلَعِ الدَّيْنِ وَغَلَبَةِ الرِّجَالِ، فَلَمْ أَزَلْ أَخْدُمُهُ حَتَّى أَقْبَلْنَا مِنْ خَيْبَرَ، وَأَقْبَلَ بِصَفِيَّةَ بِنْتِ حُيَيٍّ قَدْ حَازَهَا، فَكُنْتُ أَرَاهُ يُحَوِّي وَرَاءَهُ بِعَبَاءَةٍ أَوْ كِسَاءٍ، ثُمَّ يُرْدِفُهَا وَرَاءَهُ، حَتَّى إِذَا كُنَّا بِالصَّهْبَاءِ صَنَعَ حَيْسًا فِي نِطَعٍ، ثُمَّ أَرْسَلَنِي فَدَعَوْتُ رِجَالًا فَأَكَلُوا، وَكَانَ ذَلِكَ بِنَاءَهُ بِهَا، ثُمَّ أَقْبَلَ حَتَّى إِذَا بَدَا لَهُ أُحُدٌ، قَالَ: هَذَا جُبَيْلٌ يُحِبُّنَا وَنُحِبُّهُ، فَلَمَّا أَشْرَفَ عَلَى الْمَدِينَةِ قَالَ: اللَّهُمَّ إِنِّي أُحَرِّمُ مَا بَيْنَ جَبَلَيْهَا مِثْلَمَا حَرَّمَ بِهِ إِبْرَاهِيمُ مَكَّةَ، اللَّهُمَّ بَارِكْ لَهُمْ فِي مُدِّهِمْ وَصَاعِهِمْ.

قَوْلُهُ: (بَابُ التَّعَوُّذِ مِنْ غَلَبَةِ الرِّجَالِ) ذَكَرَ فِيهِ حَدِيثَ أَنَسٍ فِي قِصَّةِ خَيْبَرَ، وَذَكَرَ صَفِيَّةَ بِنْتَ حُيَيٍّ، وَتَقَدَّمَ شَرْحُ ذَلِكَ فِي الْمَغَازِي وَغَيْرِهَا، وَسَيَأْتِي مِنْهُ التَّعَوُّذُ مُفْرَدًا بَعْدَ أَبْوَابٍ.

قَوْلُهُ: (فَكُنْتُ أَسْمَعُهُ يُكْثِرُ أَنْ يَقُولَ) اسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى أَنَّ هَذِهِ الصِّيغَةَ لَا تَدُلُّ عَلَى الدَّوَامِ وَلَا الْإِكْثَارِ، وَإِلَّا لَمَا كَانَ لِقولِهِ: يُكْثِرُ فَائِدَةٌ، وَتُعُقِّبَ بِأَنَّ