للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

مِثْلَهَا﴾ قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ فِي أَمَالِيهِ: فَائِدَةُ التَّأْكِيدِ دَفْعُ تَوَهُّمِ مَنْ يَظُنُّ أَنَّهُ إِذَا عَمِلَ السَّيِّئَةَ كُتِبَتْ عَلَيْهِ سَيِّئَةُ الْعَمَلِ وَأُضِيفَتْ إِلَيْهَا سَيِّئَةُ الْهَمِّ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ، إِنَّمَا يُكْتَبُ عَلَيْهِ سَيِّئَةٌ وَاحِدَةٌ، وَقَدِ اسْتَثْنَى بَعْضُ الْعُلَمَاءِ وُقُوعَ الْمَعْصِيَةِ فِي الْحَرَمِ الْمَكِّيِّ.

قَالَ إِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ: قُلْتُ لِأَحْمَدَ: هَلْ وَرَدَ فِي شَيْءٍ مِنَ الْحَدِيثِ أَنَّ السَّيِّئَةَ تُكْتَبُ بِأَكْثَرَ مِنْ وَاحِدَةٍ؟ قَالَ: لَا، مَا سَمِعْتُ إِلَّا بِمَكَّةَ لِتَعْظِيمِ الْبَلَدِ، وَالْجُمْهُورُ عَلَى التَّعْمِيمِ فِي الْأَزْمِنَةِ وَالْأَمْكِنَةِ لَكِنْ قَدْ يَتَفَاوَتُ بِالْعِظَمِ وَلَا يَرِدُ عَلَى ذَلِكَ قَوْلُهُ - تَعَالَى -: ﴿مَنْ يَأْتِ مِنْكُنَّ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ يُضَاعَفْ لَهَا الْعَذَابُ ضِعْفَيْنِ﴾ لِأَنَّ ذَلِكَ وَرَدَ تَعْظِيمًا لِحَقِّ النَّبِيِّ Object لِأَنَّ وُقُوعَ ذَلِكَ مِنْ نِسَائِهِ يَقْتَضِي أَمْرًا زَائِدًا عَلَى الْفَاحِشَةِ وَهُوَ أَذَى النَّبِيِّ Object وَزَادَ مُسْلِمٌ بَعْدَ قَوْلِهِ: أَوْ يَمْحُوهَا: وَلَا يَهْلِكُ عَلَى اللَّهِ إِلَّا هَالِكٌ أَيْ مَنْ أَصَرَّ عَلَى التَّجَرِّي عَلَى السَّيِّئَةِ عَزْمًا وَقَوْلًا وَفِعْلًا وَأَعْرَضَ عَنِ الْحَسَنَاتِ هَمًّا وَقَوْلًا وَفِعْلًا، قَالَ ابْنُ بَطَّالٍ: فِي هَذَا الْحَدِيثِ بَيَانُ فَضْلِ اللَّهِ الْعَظِيمِ عَلَى هَذِهِ الْأَمَةِ، لِأَنَّهُ لَوْلَا ذَلِكَ كَادَ لَا يَدْخُلُ أَحَدٌ الْجَنَّةَ، لِأَنَّ عَمَلَ الْعِبَادِ لِلسَّيِّئَاتِ أَكْثَرُ مِنْ عَمَلِهِمُ الْحَسَنَاتِ ; وَيُؤَيِّدُ مَا دَلَّ عَلَيْهِ حَدِيثُ الْبَابِ مِنَ الْإِثَابَةِ عَلَى الْهَمِّ بِالْحَسَنَةِ وَعَدَمِ الْمُؤَاخَذَةِ عَلَى الْهَمِّ بِالسَّيِّئَةِ قَوْلُهُ - تَعَالَى - ﴿لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ﴾ إِذْ ذَكَرَ فِي السُّوءِ الِافْتِعَالَ الَّذِي يَدُلُّ عَلَى الْمُعَالَجَةِ وَالتَّكَلُّفِ فِيهِ بِخِلَافِ الْحَسَنَةِ، وَفِيهِ مَا يَتَرَتَّبُ لِلْعَبْدِ عَلَى هِجْرَانِ لَذَّتِهِ وَتَرْكِ شَهْوَتِهِ مِنْ أَجْلِ رَبِّهِ رَغْبَةً فِي ثَوَابِهِ وَرَهْبَةً مِنْ عِقَابِهِ، وَاسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى أَنَّ الْحَفَظَةَ لَا تَكْتُبُ الْمُبَاحَ لِلتَّقْيِيدِ بِالْحَسَنَاتِ وَالسَّيِّئَاتِ، وَأَجَابَ بَعْضُ الشُّرَّاحِ

بِأَنَّ بَعْضَ الْأَئِمَّةِ عَدَّ الْمُبَاحَ مِنَ الْحَسَنِ، وَتُعُقِّبَ بِأَنَّ الْكَلَامَ فِيمَا يَتَرَتَّبُ عَلَى فِعْلِهِ حَسَنَةٌ وَلَيْسَ الْمُبَاحُ وَلَوْ سُمِّيَ حَسَنًا كَذَلِكَ.

نَعَمْ قَدْ يُكْتَبُ حَسَنَةً بِالنِّيَّةِ وَلَيْسَ الْبَحْثُ فِيهِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي بَابِ حِفْظِ اللِّسَانِ قَرِيبًا شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ، وَفِيهِ أَنَّ اللَّهَ Object بِفَضْلِهِ وَكَرَمِهِ جَعَلَ الْعَدْلَ فِي السَّيِّئَةِ وَالْفَضْلَ فِي الْحَسَنَةِ، فَضَاعَفَ الْحَسَنَةَ وَلَمْ يُضَاعِفِ السَّيِّئَةَ، بَلْ أَضَافَ فِيهَا إِلَى الْعَدْلِ الْفَضْلَ فَأَدَارَهَا بَيْنَ الْعُقُوبَةِ وَالْعَفْوِ بِقَوْلِهِ: كُتِبَتْ لَهُ وَاحِدَةٌ أَوْ يَمْحُوهَا وَبِقَوْلِهِ فَجَزَاؤُهُ بِمِثْلِهَا أَوْ أَغْفِرُ وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ رَدٌّ عَلَى الْكَعْبِيِّ فِي زَعْمِهِ أَنْ لَيْسَ فِي الشَّرْعِ مُبَاحٌ بَلِ الْفَاعِلُ إِمَّا عَاصٍ وَإِمَّا مُثَابٌ، فَمَنِ اشْتَغَلَ عَنِ الْمَعْصِيَةِ بِشَيْءٍ فَهُوَ مُثَابٌ، وَتَعَقَّبُوهُ بِمَا تَقَدَّمَ أَنَّ الَّذِي يُثَابُ عَلَى تَرْكِ الْمَعْصِيَةِ هُوَ الَّذِي يَقْصِدُ بِتَرْكِهَا رِضَا اللَّهِ كَمَا تَقَدَّمَتِ الْإِشَارَةُ إِلَيْهِ، وَحَكَى ابْنُ التِّينِ أَنَّهُ يَلْزَمهُ أَنَّ الزَّانِيَ مَثَلًا مُثَابٌ لِاشْتِغَالِهِ بِالزِّنَا عَنْ مَعْصِيَةٍ أُخْرَى وَلَا يَخْفَى مَا فِيهِ.

٣٢ - بَاب مَا يُتَّقَى مِنْ مُحَقَّرَاتِ الذُّنُوبِ

٦٤٩٢ - حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ، حَدَّثَنَا مَهْدِيٌّ، عَنْ غَيْلَانَ، عَنْ أَنَسٍ Object قَالَ: إِنَّكُمْ لَتَعْمَلُونَ أَعْمَالًا هِيَ أَدَقُّ فِي أَعْيُنِكُمْ مِنْ الشَّعَرِ، إِنْ كُنَّا لَنَعُدُّهَا عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ Object مِنْ الْمُوبِقَاتِ. قَالَ أَبُو عَبْد اللَّهِ: يَعْنِي بِذَلِكَ الْمُهْلِكَاتِ.

قَوْلُهُ: (بَابٌ مَا يُتَّقَى مِنْ مُحَقَّرَاتِ الذُّنُوبِ) التَّعْبِيرُ بِالْمُحَقَّرَاتِ وَقَعَ فِي حَدِيثِ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ رَفَعَهُ إِيَّاكُمْ وَمُحَقَّرَاتِ الذُّنُوبِ، فَإِنَّمَا مَثَلُ مُحَقَّرَاتِ الذُّنُوبِ كَمَثَلِ قَوْمٍ نَزَلُوا بَطْنَ وَادٍ فَجَاءَ ذَا بِعُودٍ وَجَاءَ ذَا بِعُودٍ حَتَّى جَمَعُوا مَا أَنْضَجُوا بِهِ خُبْزَهُمْ، وَإِنَّ مُحَقَّرَاتِ الذُّنُوبِ مَتَى يُؤْخَذُ بِهَا صَاحِبُهَا تُهْلِكُهُ. أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ بِسَنَدٍ حَسَنٍ، وَنَحْوُهُ عِنْدَ أَحْمَدَ، وَالطَّبَرَانِيِّ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ، وَعِنْدَ النَّسَائِيِّ، وَابْنِ مَاجَهْ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ النَّبِيَّ Object قَالَ لَهَا: يَا عَائِشَةُ، إِيَّاكِ وَمُحَقَّرَاتِ الذُّنُوبِ، فَإِنَّ لَهَا مِنَ اللَّهِ طَالِبًا. وَصَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ.

قَوْلُهُ: مَهْدِيٌّ هُوَ ابْنُ مَيْمُونٍ، وَغَيْلَانُ بِمُعْجَمَةٍ ثُمَّ تَحْتَانِيَّةٍ وَزْنَ عَجْلَانَ