للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

الِانْتِشَارِ أَوَّلَ مَا تَحْشُرُ أَهْلَ الْمَشْرِقِ وَيُؤَيِّدُ ذَلِكَ أَنَّ ابْتِدَاءَ الْفِتَنِ دَائِمًا مِنَ الْمَشْرِقِ كَمَا سَيَأْتِي تَقْرِيرُهُ فِي كِتَابِ الْفِتَنِ، وَأَمَّا جَعْلُ الْغَايَةِ إِلَى الْمَغْرِبِ، فَلِأَنَّ الشَّامَ بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْمَشْرِقِ مَغْرِبٌ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ تَكُونَ النَّارُ فِي حَدِيثِ أَنَسٍ كِنَايَةٌ عَنِ الْفِتَنِ الْمُنْتَشِرَةِ الَّتِي أَثَارَتِ الشَّرَّ الْعَظِيمَ وَالْتَهَبَتْ كَمَا تَلْتَهِبُ النَّارُ، وَكَانَ ابْتِدَاؤُهَا مِنْ قِبَلِ الْمَشْرِقِ حَتَّى خَرِبَ مُعْظَمُهُ، وَانْحَشَرَ النَّاسُ مِنْ جِهَةِ الْمَشْرِقِ إِلَى الشَّامِ وَمِصْرَ، وَهُمَا مِنْ جِهَةِ الْمَغْرِبِ كَمَا شُوهِدَ ذَلِكَ مِرَارًا مِنَ الْمَغلِ مِنْ عَهْدِ جَنْكِزْخَانْ، وَمَنْ بَعْدَهُ، وَالنَّارُ الَّتِي فِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ عَلَى حَقِيقَتِهَا، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

وَالْحَشْرُ الثَّالِثُ: حَشْرُ الْأَمْوَاتِ مِنْ قُبُورِهِمْ وَغَيْرُهَا بَعْدَ الْبَعْثِ جَمِيعًا إِلَى الْمَوْقِفِ قَالَ اللَّهُ ﷿: ﴿وَحَشَرْنَاهُمْ فَلَمْ نُغَادِرْ مِنْهُمْ أَحَدًا﴾ وَالرَّابِعُ: حَشْرُهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ أَوِ النَّارِ انْتَهَى مُلَخَّصًا بِزِيَادَاتٍ. قُلْتُ: الْأَوَّلُ لَيْسَ حَشْرًا مُسْتَقِلًّا، فَإِنَّ الْمُرَادَ حَشْرُ كُلِّ مَوْجُودٍ يَوْمئِذٍ، وَالْأَوَّلُ إِنَّمَا وَقَعَ لِفِرْقَةٍ مَخْصُوصَةٍ، وَقَدْ وَقَعَ نَظِيرُهُ مِرَارًا تَخْرُجُ طَائِفَةٌ مِنْ بَلَدِهَا بِغَيْرِ اخْتِيَارِهَا إِلَى جِهَةِ الشَّامِ كَمَا وَقَعَ لِبَنِي أُمَيَّةَ أَوَّلَ مَا تَوَلَّى ابْنُ الزُّبَيْرِ الْخِلَافَةَ فَأَخْرَجَهُمْ مِنَ الْمَدِينَةِ إِلَى جِهَةِ الشَّامِ، وَلَمْ يَعُدَّ ذَلِكَ أَحَدٌ حَشْرًا، وَذَكَرَ الْمُصَنِّفُ فِيهِ سِتَّةَ أَحَادِيثَ:

الْحَدِيثُ الْأَوَّلُ قَوْلُهُ: (وُهَيْب) بِالتَّصْغِيرِ، هُوَ ابْنُ خَالِدٍ، وَابْنُ طَاوُسٍ: هُوَ عَبْدُ اللَّهِ، وَصَرَّحَ بِهِ فِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ.

قَوْلُهُ: (عَلَى ثَلَاثِ طَرَائِقَ) فِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ: ثَلَاثَةٌ، وَالطَّرَائِقُ جَمْعُ طَرِيقٍ، وَهِيَ تُذَكَّرُ وَتُؤَنَّثُ.

قَوْلُهُ: (رَاغِبِينَ وَرَاهِبِينَ) فِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ رَاهِبِينَ بِغَيْرِ وَاوٍ، وَعَلَى الرِّوَايَتَيْنِ فَهِيَ الطَّرِيقَةُ الْأُولَى.

قَوْلُهُ: (وَاثْنَانِ عَلَى بَعِيرٍ، ثَلَاثَةُ عَلَى بَعِيرٍ، أَرْبَعَةٌ عَلَى بَعِيرٍ، عَشَرَةٌ عَلَى بَعِيرٍ) كَذَا فِيهِ بِالْوَاوِ فِي الْأَوَّلِ فَقَطْ، وَفِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ وَالْإِسْمَاعِيلِيِّ بِالْوَاوِ فِي الْجَمِيعِ، وَعَلَى الرِّوَايَتَيْنِ فَهِيَ الطَّرِيقَةُ الثَّانِيَةُ.

قَوْلُهُ: (وَتَحْشُرُ بَقِيَّتَهُمُ النَّارُ) هَذِهِ هِيَ النَّارُ الْمَذْكُورَةُ فِي حَدِيثِ حُذَيْفَةَ بْنِ أَسِيدٍ بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ، وَعِنْدَ مُسْلِمٍ فِي حَدِيثٍ فِيهِ ذِكْرُ الْآيَاتِ الْكَائِنَةِ قَبْلَ قِيَامِ السَّاعَةِ كَطُلُوعِ الشَّمْسِ مِنْ مَغْرِبِهَا فَفِيهِ: وَآخِرُ ذَلِكَ نَارٌ تَخْرُجُ مِنْ قَعْرِ عَدَنَ، تُرَحِّلُ النَّاسَ. وَفِي رِوَايَةٍ لَهُ: تَطْرُدُ النَّاسَ إِلَى حَشْرِهِمْ.

قَوْلُهُ: (تَقِيلُ مَعَهُمْ حَيْثُ قَالُوا إِلَخْ) فِيهِ إِشَارَةٌ إِلَى مُلَازَمَةِ النَّارِ لَهُمْ إِلَى أَنْ يَصِلُوا إِلَى مَكَانِ الْحَشْرِ، وَهَذِهِ الطَّرِيقَةُ الثَّالِثَةُ. قَالَ الْخَطَّابِيُّ: هَذَا الْحَشْرُ يَكُونُ قَبْلَ قِيَامِ السَّاعَةِ، تَحْشُرُ النَّاسَ أَحْيَاءً إِلَى الشَّامِ. وَأَمَّا الْحَشْرُ مِنَ الْقُبُورِ إِلَى الْمَوْقِفِ فَهُوَ عَلَى خِلَافِ هَذِهِ الصُّورَةِ مِنَ الرُّكُوبِ عَلَى الْإِبِلِ وَالتَّعَاقُبِ عَلَيْهَا، وَإِنَّمَا هُوَ عَلَى مَا وَرَدَ فِي حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي الْبَابِ حُفَاةً عُرَاةً مُشَاةً قَالَ: وَقَوْلُهُ: وَاثْنَانِ عَلَى بَعِيرٍ، وَثَلَاثَةٌ عَلَى بَعِيرٍ إِلَخْ يُرِيدُ أَنَّهُمْ يَعْتَقِبُونَ الْبَعِيرَ الْوَاحِدَ يَرْكَبُ بَعْضٌ وَيَمْشِي بَعْضٌ.

قُلْتُ: وَإِنَّمَا لَمْ يَذْكُرِ الْخَمْسَةَ وَالسِّتَّةَ إِلَى الْعَشَرَةِ إِيجَازًا وَاكْتِفَاءً بِمَا ذُكِرَ مِنَ الْأَعْدَادِ، مَعَ أَنَّ الِاعْتِقَابَ لَيْسَ مَجْزُومًا بِهِ، وَلَا مَانِعَ أَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ فِي الْبَعِيرِ مَا يَقْوَى بِهِ عَلَى حَمْلِ الْعَشَرَةِ، وَمَالَ الْحَلِيمِيُّ إِلَى أَنَّ هَذَا الْحَشْرَ يَكُونُ عِنْدَ الْخُرُوجِ مِنَ الْقُبُورِ، وَجَزَمَ بِهِ الْغَزَالِيُّ. وَقَالَ الْإِسْمَاعِيلِيُّ: ظَاهِرُ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ يُخَالِفُ حَدِيثَ ابْنِ عَبَّاسٍ الْمَذْكُورَ بَعْدَ أَنَّهُمْ يُحْشَرُونَ حُفَاةً عُرَاةً مُشَاةً. قَالَ: وَيُجْمَعُ بَيْنَهُمَا بِأَنَّ الْحَشْرَ يُعَبَّرُ بِهِ عَنِ النَّشْرِ لِاتِّصَالِهِ بِهِ، وَهُوَ إِخْرَاجُ الْخَلْقِ مِنَ الْقُبُورِ حُفَاةً عُرَاةً فَيُسَاقُونَ وَيُجْمَعُونَ إِلَى الْمَوْقِفِ لِلْحِسَابِ، فَحِينَئِذٍ يُحْشَرُ الْمُتَّقُونَ رُكْبَانًا عَلَى الْإِبِلِ، وَجَمَعَ غَيْرُهُ بِأَنَّهُمْ يَخْرُجُونَ مِنَ الْقُبُورِ بِالْوَصْفِ الَّذِي فِي حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ، ثُمَّ يَفْتَرِقُ حَالُهُمْ مِنْ ثَمَّ إِلَى الْمَوْقِفِ عَلَى مَا فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَيُؤَيِّدُهُ مَا أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ، وَالنَّسَائِيُّ، وَالْبَيْهَقِيُّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي ذَرٍّ حَدَّثَنِي الصَّادِقُ الْمَصْدُوقُ: أَنَّ النَّاسَ يُحْشَرُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَفْوَاجٍ، فَوْجٍ طَاعِمِينِ كَاسِينَ رَاكِبِينَ، وَفَوْجٍ يَمْشُونَ، وَفَوْجٍ تَسْحَبُهُمُ الْمَلَائِكَةُ عَلَى وُجُوهِهِمْ الْحَدِيثَ. وَصَوَّبَ عِيَاضٌ مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ الْخَطَّابِيُّ وَقَوَّاهُ بِحَدِيثِ حُذَيْفَةَ بْنِ أَسِيدٍ وَبِقَوْلِهِ فِي آخِرِ حَدِيثِ الْبَابِ تَقِيلُ مَعَهُمْ وَتَبِيتُ وَتُصْبِحُ