للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

الثَّوَابَ وَحَوَاقَّ الْأُمُورِ، ثُمَّ قَالَ: وَالْحَقَّةُ وَالْحَاقَّةُ كِلَاهُمَا بِمَعْنًى وَاحِدٍ قَالَ الطَّبَرِيُّ: سُمِّيَتِ الْحَاقَّةَ لِأَنَّ الْأُمُورَ تَحِقُّ فِيهَا، وَهُوَ كَقَوْلِهِمْ: لَيْلٌ قَائِمٌ. وَقَالَ غَيْرُهُ: سُمِّيَتِ الْحَاقَّةَ لِأَنَّهَا أَحَقَّتْ لِقَوْمٍ الْجَنَّةَ وَلِقَوْمٍ النَّارَ، وَقِيلَ لِأَنَّهَا تُحَاقِقُ الْكُفَّارَ الَّذِينَ خَالَفُوا الْأَنْبِيَاءَ، يُقَالُ حَاقَقْتُهُ فَحَقَقْتُهُ أَيْ خَاصَمْتُهُ فَخَصَمْتُهُ، وَقِيلَ: لِأَنَّهَا حَقٌّ لَا شَكَّ فِيهِ.

قَوْلُهُ: (وَالْقَارِعَةُ) هُوَ مَعْطُوفٌ عَلَى الْحَاقَّةِ، وَالْمُرَادُ أَنَّهَا مِنْ أَسْمَاءِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَسُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِأَنَّهَا تَقْرَعُ الْقُلُوبَ بِأَهْوَالِهَا.

قَوْلُهُ: (وَالْغَاشِيَةُ) سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِأَنَّهَا تَغْشَى النَّاسَ بِأَفْزَاعِهَا أَيْ تَعُمُّهُمْ بِذَلِكَ.

قَوْلُهُ: (وَالصَّاخَّةُ) قَالَ الطَّبَرِيُّ: أَظُنُّهُ مِنْ صَخَّ فُلَانٌ فُلَانًا إِذَا أَصَمَّهُ، وَسُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِأَنَّ صَيْحَةَ الْقِيَامَةِ مُسْمِعَةٌ لِأُمُورِ الْآخِرَةِ، وَمُصِمَّةٌ عَنْ أُمُورِ الدُّنْيَا، وَتُطْلَقُ الصَّاخَّةُ أَيْضًا عَلَى الدَّاهِيَةِ.

قَوْلُهُ: التَّغَابُنُ غَبَنَ أَهْلُ الْجَنَّةِ أَهْلَ النَّارِ غَبَنَ بِفَتْحِ الْمُعْجَمَةِ وَالْمُوَحَّدَةِ بَعْدَهَا نُونٌ، وَالسَّبَبُ فِي ذَلِكَ أَنَّ أَهْلَ الْجَنَّةِ يَنْزِلُونَ مَنَازِلَ الْأَشْقِيَاءِ الَّتِي كَانَتْ أُعِدَّتْ لَهُمْ لَوْ كَانُوا سُعَدَاءَ، فَعَلَى هَذَا فَالتَّغَابُنُ مِنْ طَرَفٍ وَاحِدٍ، وَلَكِنَّهُ ذُكِرَ بِهَذِهِ الصِّيغَةِ لِلْمُبَالَغَةِ، وَقَدِ اقْتَصَرَ الْمُصَنِّفُ مِنْ أَسْمَاءِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ عَلَى هَذَا الْقَدْرِ، وَجَمَعَهَا الْغَزَالِيُّ ثُمَّ الْقُرْطُبِيُّ فَبَلَغَتْ نَحْوَ الثَّمَانِينَ اسْمًا، فَمِنْهَا يَوْمُ الْجَمْعِ، وَيَوْمُ الْفَزَعِ الْأَكْبَرِ، وَيَوْمُ التَّنَادِ، وَيَوْمُ الْوَعِيدِ، وَيَوْمُ الْحَسْرَةِ، وَيَوْمُ التَّلَاقِ، وَيَوْمُ الْمَآبِ، وَيَوْمُ الْفَصْلِ، وَيَوْمُ الْعَرْضِ عَلَى اللَّهِ، وَيَوْمُ الْخُرُوجِ، وَيَوْمُ الْخُلُودِ، وَمِنْهَا يَوْمٌ عَظِيمٌ، وَيَوْمٌ عَسِيرٌ، وَيَوْمٌ مَشْهُودٌ، وَيَوْمٌ عَبُوسٌ قَمْطَرِيرٌ، وَمِنْهَا يَوْمَ تُبْلَى السَّرَائِرُ، وَمِنْهَا يَوْمَ لَا تَمْلِكُ نَفْسٌ لِنَفْسٍ شَيْئًا، وَيَوْمَ يُدَعُّونَ إِلَى نَارِ جَهَنَّمَ، وَيَوْمٌ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَارُ، وَيَوْمَ لَا يَنْفَعُ الظَّالِمِينَ مَعْذِرَتُهُمْ، وَيَوْمَ لَا يَنْطِقُونَ، وَيَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ، وَيَوْمَ لَا يَكْتُمُونَ اللَّهَ حَدِيثًا، وَيَوْمٌ لَا مَرَدَّ لَهُ مِنَ اللَّهِ، وَيَوْمٌ لَا بَيْعٌ فِيهِ وَلَا خِلَالٌ، وَيَوْمٌ لَا رَيْبَ فِيهِ، فَإِذَا ضُمَّتْ هَذِهِ إِلَى مَا ذُكِرَ فِي الْأَصْلِ كَانَتْ أَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثِينَ اسْمًا مُعْظَمُهَا، وَرَدَ فِي الْقُرْآنِ بِلَفْظِهِ، وَسَائِرُ الْأَسْمَاءِ الْمُشَارِ إِلَيْهَا أُخِذَتْ بِطَرِيقِ الِاشْتِقَاقِ بِمَا وَرَدَ مَنْصُوصًا كَيَوْمِ الصَّدْرِ مِنْ قَوْلِهِ: ﴿يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ النَّاسُ أَشْتَاتًا﴾ وَيَوْمِ الْجِدَالِ مِنْ قَوْلِهِ: ﴿يَوْمَ تَأْتِي كُلُّ نَفْسٍ تُجَادِلُ عَنْ نَفْسِهَا﴾ وَلَوْ تُتُبِّعَ مِثْلُ هَذَا مِنَ

الْقُرْآنِ زَادَ عَلَى مَا ذُكِرَ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَذَكَرَ فِي الْبَابِ ثَلَاثَةَ أَحَادِيثَ:

أَحَدَهَا حَدِيثُ ابْنِ مَسْعُودٍ، وَالسَّنَدُ إِلَيْهِ كُوفِيُّونَ، وَشَقِيقٌ هُوَ ابْنُ سَلَمَةَ أَبُو وَائِلٍ، مَشْهُورٌ بِكُنْيَتِهِ، أَكْثَرَ مِنِ اسْمِهِ.

قَوْلُهُ: (أَوَّلُ مَا يُقْضَى بَيْنَ النَّاسِ بِالدِّمَاءِ) فِي رِوَايَةِ الْكُشْمِيهَنِيِّ الدِّمَاءُ وَسَيَأْتِي كَالْأَوَّلِ فِي الدِّيَاتِ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ، عَنِ الْأَعْمَشِ، وَلِمُسْلِمٍ، وَالْإِسْمَاعِيلِيِّ مِنْ طَرِيقٍ أُخْرَى عَنِ الْأَعْمَشِ: بَيْنَ النَّاسِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِي الدِّمَاءِ أَيِ الَّتِي وَقَعَتْ بَيْنَ النَّاسِ فِي الدُّنْيَا، وَالْمَعْنَى أَوَّلُ الْقَضَايَا الْقَضَاءُ فِي الدِّمَاءِ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ التَّقْدِيرُ أَوَّلُ مَا يُقْضَى فِيهِ الْأَمْرُ الْكَائِنُ فِي الدِّمَاءِ، وَلَا يُعَارِضُ هَذَا حَدِيثَ أَبِي هُرَيْرَةَ رَفَعَهُ: إِنَّ أَوَّلَ مَا يُحَاسَبُ بِهِ الْعَبْدُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ صَلَاتُهُ.

الْحَدِيثُ أَخْرَجَهُ أَصْحَابُ السُّنَنِ؛ لِأَنَّ الْأَوَّلَ مَحْمُولٌ عَلَى مَا يَتَعَلَّقُ بِمُعَامَلَاتِ الْخَلْقِ، وَالثَّانِي فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِعِبَادَةِ الْخَالِقِ، وَقَدْ جَمَعَ النَّسَائِيُّ فِي رِوَايَتِهِ فِي حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ بَيْنَ الْخَبَرَيْنِ وَلَفْظُهُ: أَوَّلُ مَا يُحَاسَبُ الْعَبْدُ عَلَيْهِ صَلَاتُهُ، وَأَوَّلُ مَا يُقْضَى بَيْنَ النَّاسِ فِي الدِّمَاءِ، وَتَقَدَّمَ فِي تَفْسِيرِ سُورَةِ الْحَجِّ ذِكْرُ هَذِهِ الْأَوَّلِيَّةِ بِأَخَصَّ مِمَّا فِي حَدِيثِ الْبَابِ، وَهُوَ عَنْ عَلِيٍّ قَالَ: أَنَا أَوَّلُ مَنْ يَجْثُو لِلْخُصُومَةِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَعْنِي هُوَ وَرَفِيقَاهُ حَمْزَةُ وَعُبَيْدَةُ وَخُصُومُهُمْ عُتْبَةُ، وَشَيْبَةُ ابْنَا رَبِيعَةَ، وَالْوَلِيدُ بْنُ عُتْبَةَ الَّذِينَ بَارَزُوا يَوْمَ بَدْرٍ، قَالَ أَبُو ذَرٍّ: فِيهِمْ نَزَلَتْ: ﴿هَذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ﴾ الْآيَةَ، وَتَقَدَّمَ شَرْحُهُ هُنَاكَ، وَفِي حَدِيثِ الصُّورِ الطَّوِيلِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَفَعَهُ أَوَّلُ مَا يُقْضَى بَيْنَ النَّاسِ فِي الدِّمَاءِ، وَيَأْتِي كُلُّ قَتِيلٍ قَدْ حَمَلَ رَأْسَهُ فَيَقُولُ: يَا رَبِّ، سَلْ هَذَا فِيمَ قَتَلَنِي الْحَدِيثَ، وَفِي حَدِيثِ نَافِعِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَفَعَهُ: يَأْتِي الْمَقْتُولُ مُعَلِّقًا رَأْسَهُ بِإِحْدَى