للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

فِيمَنْ قَالَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَلَمْ يَعْمَلْ خَيْرًا قَطُّ، وَمُسْتَنَدُهَا رِوَايَةُ الْحَسَنِ، عَنْ أَنَسٍ كَمَا سَيَأْتِي بَيَانُهُ فِي شَرْحِ الْبَابِ الَّذِي يَلِيهِ، وَلَا يَمْنَعُ مِنْ عَدِّهَا قَوْلُ اللَّهِ - تَعَالَى - لَهُ لَيْسَ ذَلِكَ إِلَيْكَ لِأَنَّ النَّفْيَ يَتَعَلَّقُ بِمُبَاشَرَةِ الْإِخْرَاجِ، وَإِلَّا فَنَفْسُ الشَّفَاعَةِ مِنْهُ قَدْ صَدَرَتْ، وَقَبُولُهَا قَدْ وَقَعَ وَتَرَتَّبَ عَلَيْهَا أَثَرُهَا، فَالْوَارِدُ عَلَى الْخَمْسَةِ أَرْبَعَةٌ، وَمَا عَدَاهَا لَا يُرَدُّ كَمَا تُرَدُّ الشَّفَاعَةُ فِي التَّخْفِيفِ عَنْ صَاحِبَيِ الْقَبْرَيْنِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ لِكَوْنِهِ مِنْ جُمْلَةِ أَحْوَالِ الدُّنْيَا.

قَوْلُهُ: كَأَنَّهُمُ الثَّعَارِيرُ بِمُثَلَّثَةٍ مَفْتُوحَةٍ ثُمَّ مُهْمَلَةٍ، وَاحِدُهَا ثُعْرُورٌ كَعُصْفُورٍ.

قَوْلُهُ: قُلْتُ: وَمَا الثَّعَارِيرُ سَقَطَتِ الْوَاوُ لِغَيْرِ الْكُشْمِيهَنِيِّ.

قَوْلُهُ: قَالَ: الضَّغَابِيسُ بِمُعْجَمَتَيْنِ ثُمَّ مُوَحَّدَةٍ بَعْدَهَا مُهْمَلَةٌ، أَمَّا الثَّعَارِيرُ فَقَالَ ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ: هِيَ قِثَّاءٌ صِغَارٌ، وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مِثْلُهُ وَزَادَ وَيُقَالُ بِالشِّينِ الْمُعْجَمَةِ بَدَلَ الْمُثَلَّثَةِ، وَكَأَنَّ هَذَا هُوَ السَّبَبُ فِي قَوْلِ الرَّاوِي، وَكَانَ عَمْرُو ذَهَبَ فَمُهُ - أَيْ سَقَطَتْ أَسْنَانُهُ - فَنَطَقَ بِهَا ثَاءً مُثَلَّثَةً، وَهِيَ شِينٌ مُعْجَمَةٌ، وَقِيلَ: هُوَ نَبْتٌ فِي أُصُولِ الثُّمَامِ، كَالْقُطْنِ يَنْبُتُ فِي الرَّمَلِ يَنْبَسِطُ عَلَيْهِ وَلَا يَطُولُ، وَوَقَعَ تَشْبِيهُهُمْ بِالطَّرَاثِيثِ فِي حَدِيثِ حُذَيْفَةَ، وَهِيَ بِالْمُهْمَلَةِ ثُمَّ الْمُثَلَّثَةِ هِيَ الثُّمَامُ بِضَمِّ الْمُثَلَّثَةِ وَتَخْفِيفِ الْمِيمِ، وَقِيلَ الثُّعْرُورُ الْأَقِطُ الرَّطْبُ، وَأَغْرَبَ الْقَابِسِيُّ فَقَالَ: هُوَ الصَّدَفُ الَّذِي يَخْرُجُ مِنَ الْبَحْرِ فِيهِ الْجَوْهَرُ، وَكَأَنَّهُ أَخَذَهُ مِنْ قَوْلِهِ فِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى كَأَنَّهُمُ اللُّؤْلُؤُ وَلَا حُجَّةَ فِيهِ لِأَنَّ أَلْفَاظَ التَّشْبِيهِ تَخْتَلِفُ، وَالْمَقْصُودُ الْوَصْفُ بِالْبَيَاضِ وَالدِّقَّةِ، وَأَمَّا الضَّغَابِيسُ فَقَالَ الْأَصْمَعِيُّ: شَيْءٌ يَنْبُتُ فِي أُصُولِ التَّمَامِ يُشْبِهُ الْهِلْيُونَ، يُسْلَقُ ثُمَّ يُؤْكَلُ بِالزَّيْتِ وَالْخَلِّ، وَقِيلَ: يَنْبُتُ فِي أُصُولِ الشَّجَرِ، وَفِي الأذحر يَخْرُجُ قَدْرَ شِبْرٍ فِي دِقَّةِ الْأَصَابِعِ لَا وَرَقَ لَهُ، وَفِيهِ حُمُوضَةٌ، وَفِي غَرِيبِ الْحَدِيثِ لِلْحَرْبِيِّ: الضُّغْبُوسُ شَجَرَةٌ عَلَى طُولِ الْإِصْبَعِ، وَشُبِّهَ بِهِ الرَّجُلُ الضَّعِيفُ، وَأَغْرَبَ الدَّاوُدِيُّ فَقَالَ: هِيَ طُيُورٌ صِغَارٌ فَوْقَ الذُّبَابِ، وَلَا مُسْتَنَدَ لَهُ فِيمَا قَالَ.

تَنْبِيهٌ: هَذَا التَّشْبِيهُ لِصِفَتِهِمْ بَعْدَ أَنْ يَنْبُتُوا، وَأَمَّا فِي أَوَّلِ خُرُوجِهِمْ مِنَ النَّارِ؛ فَإِنَّهُمْ يَكُونُونَ كَالْفَحْمِ كَمَا سَيَأْتِي فِي الْحَدِيثِ الَّذِي بَعْدَهُ، وَوَقَعَ فِي حَدِيثِ يَزِيدَ الْفَقِيرِ، عَنْ جَابِرٍ عِنْدَ مُسْلِمٍ: فَيَخْرُجُونَ كَأَنَّهُمْ عِيدَانُ السَّمَاسِمِ، فَيَدْخُلُونَ نَهْرًا فَيَغْتَسِلُونَ فَيَخْرُجُونَ كَأَنَّهُمُ الْقَرَاطِيسُ الْبِيضُ. وَالْمُرَادُ بَعِيدَانِ السَّمَاسِمِ مَا يَنْبُتُ فِيهِ السِّمْسِمُ، فَإِنَّهُ إِذَا جُمِعَ وَرُمِيَتِ الْعِيدَانُ تَصِيرُ سُودًا دِقَاقًا، وَزَعَمَ بَعْضُهُمْ أَنَّ اللَّفْظَةَ مُحَرَّفَةٌ، وَأَنَّ الصَّوَابَ السَّاسَمُ بِمِيمٍ وَاحِدَةٍ، وَهُوَ خَشَبٌ أَسْوَدُ، وَالثَّابِتُ فِي جَمِيعِ طُرُقِ الْحَدِيثِ بِإِثْبَاتِ الْمِيمَيْنِ وَتَوْجِيهُهُ وَاضِحٌ.

قَوْلُهُ: فَقُلْتُ لِعَمْرٍو الْقَائِلُ حَمَّادٌ.

قَوْلُهُ: أَبَا مُحَمَّدٍ بِحَذْفِ أَدَاةِ النِّدَاءِ، وَثَبَتَ بِلَفْظِ: يَا أَبَا مُحَمَّدٍ فِي رِوَايَةِ الْكُشْمِيهَنِيِّ، وَعَمْرٌو هُوَ ابْنُ دِينَارٍ، وَأَرَادَ الِاسْتِثْبَاتَ فِي سَمَاعِهِ لَهُ مِنْ جَابِرٍ وَسَمَاعِ جَابِرٍ لَهُ، وَلَعَلَّ سَبَبَ ذَلِكَ رِوَايَةُ عَمْرٍو لَهُ عَنْ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ مُرْسَلًا، وَقَدْ حَدَّثَ سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ بِالطَّرِيقَيْنِ كَمَا نَبَّهْتُ عَلَيْهِ.

الْحَدِيثُ الثَّانِيَ عَشَرَ:

قَوْلُهُ: عَنْ أَنَسٍ سَيَأْتِي فِي التَّوْحِيدِ نَحْوَ هَذَا فِي الْحَدِيثِ الطَّوِيلِ فِي الشَّفَاعَةِ بِلَفْظِ: حَدَّثَنَا أَنَسٌ وَقَوْلُهُ: سَفْعٌ بِفَتْحِ الْمُهْمَلَةِ وَسُكُونِ الْفَاءِ ثُمَّ عَيْنٍ مُهْمَلَةٍ، أَيْ سَوَادٌ فِيهِ زُرْقَةٌ أَوْ صُفْرَةٌ يُقَالُ: سَفَعَتْهُ النَّارُ إِذَا لَفَحَتْهُ فَغَيَّرَتْ لَوْنَ بَشَرَتِهِ، وَقَدْ وَقَعَ حَدِيثُ أَبِي سَعِيدٍ فِي الْبَابِ الَّذِي يَلِيهِ بِلَفْظِ: قَدِ امْتُحِشُوا وَيَأْتِي ضَبْطُهُ، وَفِي حَدِيثِهِ عِنْدَ مُسْلِمٍ: إِنَّهُمْ يَصِيرُونَ فَحْمًا وَفِي حَدِيثِ جَابِرٍ حِمَمًا وَمَعَانِيهَا مُتَقَارِبَةٌ.

قَوْلُهُ: فَيُسَمِّيهِمْ أَهْلُ الْجَنَّةِ الْجَهَنَّمِيِّينَ، سَيَأْتِي فِي الثَّامِنَ عَشَرَ مِنْ هَذَا الْبَابِ مِنْ حَدِيثِ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ بِلَفْظِ: يَخْرُجُ قَوْمٌ مِنَ النَّارِ بِشَفَاعَةِ مُحَمَّدٍ، فَيَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَيُسَمَّوْنَ الْجَهَنَّمِيِّينَ، وَثَبَتَتْ هَذِهِ الزِّيَادَةُ فِي رِوَايَةِ حُمَيْدٍ، عَنْ أَنَسٍ عِنْدَ الْمُصَنِّفِ فِي التَّوْحِيدِ، وَزَادَ جَابِرٌ فِي حَدِيثِهِ، فَيُكْتَبُ فِي رِقَابِهِمْ عُتَقَاءُ اللَّهِ، فَيُسَمَّوْنَ فِيهَا الْجَهَنَّمِيِّينَ أَخْرَجَهُ ابْنُ حِبَّانَ، وَالْبَيْهَقِيُّ وَأَصْلُهُ فِي مُسْلِمٍ. وَالنَّسَائِيِّ مِنْ رِوَايَةِ عَمْرِو بْنِ عَمْرٍو، عَنْ أَنَسٍ فَيَقُولُ لَهُمْ أَهْلُ الْجَنَّةِ: هَؤُلَاءِ الْجَهَنَّمِيُّونَ، فَيَقُولُ اللَّهُ: هَؤُلَاءِ