للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

قَالَ: وَعَبَّرَ بِقَوْلِهِ لَنَا وَلَمْ يُعَبِّرْ بِقَوْلِهِ عَلَيْنَا تَنْبِيهًا عَلَى أَنَّ الَّذِي يُصِيبُنَا نَعُدُّهُ نِعْمَةً لَا نِقْمَةً، قُلْتُ: وَيُؤَيِّدُ هَذَا الْآيَةَ الَّتِي تَلِيهَا حَيْثُ قَالَ: ﴿قُلْ هَلْ تَرَبَّصُونَ بِنَا إِلا إِحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ﴾ وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي تَفْسِيرِهِ أَنَّ الْمُرَادَ الْفَتْحُ أَوِ الشَّهَادَةُ، وَكُلٌّ مِنْهُمَا نِعْمَةٌ.

قَالَ ابْنُ بَطَّالٍ: وَقَدْ قِيلَ: إِنَّ هَذِهِ الْآيَةَ وَرَدَتْ فِيمَا أَصَابَ الْعِبَادَ مِنْ أَفْعَالِ اللَّهِ الَّتِي اخْتُصَّ بِهَا دُونَ خَلْقِهِ وَلَمْ يُقْدِرْهُمْ عَلَى كَسْبِهَا دُونَ مَا أَصَابُوهُ مُكْتَسِبِينَ لَهُ مُخْتَارِينَ. قُلْتُ: وَالصَّوَابُ التَّعْمِيمُ، وَأَنَّ مَا يُصِيبُهُمْ بِاكْتِسَابِهِمْ وَاخْتِيَارِهِمْ هُوَ مَقْدُورٌ لِلَّهِ - تَعَالَى - وَعَنْ إِرَادَتِهِ وَقَعَ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

قَوْلُهُ: (قَالَ مُجَاهِدٌ بِفَاتِنِينَ بِمُضِلِّينَ، إِلَّا مَنْ كَتَبَ اللَّهُ أَنَّهُ يَصْلَى الْجَحِيمَ) وَصَلَهُ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ بِمَعْنَاهُ مِنْ طَرِيقِ إِسْرَائِيلَ عَنْ مَنْصُورٍ فِي قَوْلِهِ - تَعَالَى -: ﴿مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ بِفَاتِنِينَ * إِلا مَنْ هُوَ صَالِ الْجَحِيمِ﴾ قَالَ: لَا يُفْتَنُونَ إِلَّا مَنْ كُتِبَ عَلَيْهِ الضَّلَالَةُ، وَوَصَلَهُ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ شِبْلٍ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ بِلَفْظِهِ، وَأَخْرَجَهُ الطَّبَرِيُّ مِنْ تَفْسِيرِ ابْنِ عَبَّاسٍ مِنْ رِوَايَةِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ عَنْهُ بِلَفْظِ: لَا تَضِلُّونَ أَنْتُمْ وَلَا أُضِلُّ مِنْكُمْ إِلَّا مَنْ قَضَيْتُ عَلَيْهِ أَنَّهُ صَالِ الْجَحِيمَ وَمِنْ طَرِيقِ حُمَيْدٍ سَأَلْتُ الْحَسَنَ فَقَالَ: مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ بِمُضِلِّينَ إِلَّا مَنْ كَانَ فِي عِلْمِ اللَّهِ أَنَّهُ سَيَصْلَى الْجَحِيمَ وَمِنْ طَرِيقِ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ قَالَ فِي تَفْسِيرِ هَذِهِ الْآيَةِ: إِنَّكُمْ وَالْآلِهَةُ الَّتِي تَعْبُدُونَهَا لَسْتُمْ بِالَّذِي تُفْتَنُونَ عَلَيْهَا إِلَّا مَنْ قَضَيْتُ أَنَّهُ سَيَصْلَى الْجَحِيمَ.

قَوْلُهُ: ﴿قَدَّرَ فَهَدَى﴾ قَدَّرَ الشَّقَاءَ وَالسَّعَادَةَ، وَهَدَى الْأَنْعَامَ لِمَرَاتِعِهَا) وَصَلَهُ الْفِرْيَابِيُّ، عَنْ وَرْقَاءَ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ فِي قَوْلِهِ - تَعَالَى -: ﴿وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدَى﴾ قَدَّرَ لِلْإِنْسَانِ الشِّقْوَةَ وَالسَّعَادَةَ، وَهَدَى الْأَنْعَامَ لِمَرَاتِعِهَا، وَتَفْسِيرُ مُجَاهِدٍ هَذَا لِلْمَعْنَى لَا لِلَّفْظِ وَهُوَ كَقَوْلِهِ - تَعَالَى -: ﴿رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى﴾

قَالَ الرَّاغِبُ: هِدَايَةُ اللَّهِ لِلْخَلْقِ عَلَى أَرْبَعَةِ أَضْرُبٍ: الْأَوَّلُ الْعَامَّةُ لِكُلِّ أَحَدٍ بِحَسَبِ احْتِمَالِهِ، وَإِلَيْهَا أَشَارَ بِقَوْلِهِ: ﴿الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى﴾ وَالثَّانِي الدُّعَاءُ عَلَى أَلْسِنَةِ الْأَنْبِيَاءِ، وَإِلَيْهَا أَشَارَ بِقَوْلِهِ: ﴿وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا﴾ وَالثَّالِثُ التَّوْفِيقُ الَّذِي يَخْتَصُّ بِهِ مَنِ اهْتَدَى، وَإِلَيْهَا أَشَارَ بِقَوْلِهِ: ﴿وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ﴾ وَقَوْلُهُ: ﴿وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى﴾ وَالرَّابِعُ الْهِدَايَاتُ فِي الْآخِرَةِ إِلَى الْجَنَّةِ، وَإِلَيْهَا أَشَارَ بِقَوْلِهِ: ﴿وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ﴾

قَالَ: وَهَذِهِ الْهِدَايَاتُ الْأَرْبَعُ مُرَتَّبَةٌ فَإِنَّهُ مَنْ لَا يَحْصُلُ لَهُ الْأُولَى لَا تَحْصُلُ لَهُ الثَّانِيَةُ، وَمَنْ لَمْ تَحْصُلْ لَهُ الثَّانِيَةُ لَا تَحْصُلُ لَهُ الثَّالِثَةُ وَالرَّابِعَةُ، وَلَا تَحْصُلُ الرَّابِعَةُ إِلَّا لِمَنْ حَصَلَتْ لَهُ الثَّالِثَةُ، وَلَا تَحْصُلُ الثَّالِثَةُ إِلَّا لِمَنْ حَصَلَتْ لَهُ اللَّتَانِ قَبْلَهَا، وَقَدْ تَحْصُلُ الْأُولَى دُونَ الثَّانِيَةِ وَالثَّانِيَةُ دُونَ الثَّالِثَةِ، وَالْإِنْسَانُ لَا يَهْدِي أَحَدًا إِلَّا بِالدُّعَاءِ وَتَعْرِيفِ الطُّرُقِ دُونَ بَقِيَّةِ الْأَنْوَاعِ الْمَذْكُورَةِ، وَإِلَى ذَلِكَ أَشَارَ بِقَوْلِهِ - تَعَالَى -: ﴿وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ﴾ وَإِلَى بَقِيَّةِ الْهِدَايَاتِ أَشَارَ بِقَوْلِهِ: ﴿إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ﴾

ثُمَّ ذَكَرَ حَدِيثَ عَائِشَةَ فِي الطَّاعُونِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ شَرْحُهُ مُسْتَوْفًى فِي كِتَابِ الطِّبِّ، وَالْغَرَضُ مِنْ قَوْلِهِ فِيهِ: يَعْلَمُ أَنَّهُ لَا يُصِيبُهُ إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَهُ.

(تَنْبِيهٌ): سَنَدُ حَدِيثِ عَائِشَةَ هَذَا مِنِ ابْتِدَائِهِ إِلَى يَحْيَى بْنِ يَعْمَرَ مَرَاوِزَةَ، وَقَدْ سَكَنَ يَحْيَى الْمَذْكُورُ مَرْوَ مُدَّةً فَلَمْ يَبْقَ مِنْ رِجَالِ السَّنَدِ مَنْ لَيْسَ مَرْوَزِيًّا إِلَّا طَرَفَاهُ الْبُخَارِيُّ، وَعَائِشَةُ.

١٦ - بَاب ﴿وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ﴾، ﴿لَوْ أَنَّ اللَّهَ هَدَانِي لَكُنْتُ مِنَ الْمُتَّقِينَ﴾

٦٦٢٠ - حَدَّثَنَا أَبُو النُّعْمَانِ، أَخْبَرَنَا جَرِيرٌ هُوَ ابْنُ حَازِمٍ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ قَالَ: رَأَيْتُ النَّبِيَّ يَوْمَ الْخَنْدَقِ يَنْقُلُ مَعَنَا التُّرَابَ، وَهُوَ يَقُولُ: