للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: لَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ أَنْ يُحَلِّفَ أَحَدًا بِغَيْرِ اللَّهِ لَا بِطَلَاقٍ وَلَا عَتَاقٍ وَلَا نَذْرٍ، وَإِذَا حَلَّفَ الْحَاكِمُ أَحَدًا بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ وَجَبَ عَزْلُهُ لِجَهْلِهِ.

قَوْلُهُ: (عَنْ يُونُسَ) هُوَ ابْنُ يَزِيدَ الْأَيْلِيُّ، فِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ، عَنْ حَرْمَلَةَ، عَنِ ابْنِ وَهْبٍ أَخْبَرَنِي يُونُسُ.

قَوْلُهُ: (قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: إِنَّ اللَّهَ يَنْهَاكُمْ) فِي رِوَايَةِ مَعْمَرٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ بِهَذَا السَّنَدِ عَنْ عُمَرَ سَمِعَنِي رَسُولُ اللَّهِ ﷺ وَأَنَا أَحْلِفُ بِأَبِي فَقَالَ: إِنَّ اللَّهَ فَذَكَرَ الْحَدِيثَ أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ عَنْهُ هَكَذَا.

قَوْلُهُ: (فَوَاللَّهِ مَا حَلَفْتُ بِهَا مُنْذُ سَمِعْتُ النَّبِيَّ ﷺ) زَادَ مُسْلِمٌ فِي رِوَايَتِهِ يَنْهَى عَنْهَا.

قَوْلُهُ: ذَاكِرًا أَيْ عَامِدًا.

قَوْلُهُ: وَلَا آثِرًا بِالْمَدِّ وَكَسْرِ الْمُثَلَّثَةِ أَيْ حَاكِيًا عَنِ الْغَيْرِ، أَيْ مَا حَلَفْتُ بِهَا وَلَا حَكَيْتُ ذَلِكَ عَنْ غَيْرِي، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ مَا وَقَعَ فِي رِوَايَةِ عُقَيْلٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عِنْدَ مُسْلِمٍ مَا حَلَفْتُ بِهَا مُنْذُ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَنْهَى عَنْهَا، وَلَا تَكَلَّمْتُ بِهَا وَقَدِ اسْتُشْكِلَ هَذَا التَّفْسِيرُ لِتَصْدِيرِ الْكَلَامِ بِحَلَفْتُ وَالْحَاكِي عَنْ غَيْرِهِ لَا يُسَمَّى حَالِفًا، وَأُجِيبَ بِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ الْعَامِلُ فِيهِ مَحْذُوفًا أَيْ: وَلَا ذَكَرْتُهَا آثِرًا عَنْ غَيْرِي، أَوْ يَكُونَ ضَمَّنَ حَلَفْتُ مَعْنَى تَكَلَّمْتُ وَيُقَوِّيهِ رِوَايَةُ عُقَيْلٍ.

وَجَوَّزَ شَيْخُنَا فِي شَرْحِ التِّرْمِذِيِّ لِقَوْلِهِ آثِرًا مَعْنًى آخَرَ أَيْ مُخْتَارًا، يُقَالُ: آثَرَ الشَّيْءَ إِذَا اخْتَارَهُ، فَكَأَنَّهُ قَالَ: وَلَا حَلَفْتُ بِهَا مُؤْثِرًا لَهَا عَلَى غَيْرِهَا، قَالَ شَيْخُنَا: وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَرْجِعَ قَوْلُهُ آثِرًا إِلَى مَعْنَى التَّفَاخُرِ بِالْآبَاءِ فِي الْإِكْرَامِ لَهُمْ، وَمِنْهُ قَوْلُهُمْ مَأْثُرَةٌ وَمَآثِرُ وَهُوَ مَا يُرْوَى مِنَ الْمَفَاخِرِ فَكَأَنَّهُ قَالَ: مَا حَلَفْتُ بِآبَائِي ذَاكِرًا لِمَآثِرِهِمْ. وَجَوَّزَ فِي قَوْلِهِ: ذَاكِرًا أَنْ يَكُونَ مِنَ الذُّكْرِ بِضَمِّ الْمُعْجَمَةِ كَأَنَّهُ احْتَرَزَ عَنْ أَنْ يَكُونَ يَنْطِقُ بِهَا نَاسِيًا، وَهُوَ يُنَاسِبُ تَفْسِيرَ آثِرًا بِالِاخْتِيَارِ كَأَنَّهُ قَالَ لَا عَامِدًا وَلَا مُخْتَارًا.

وَجَزَمَ ابْنُ التِّينِ فِي شَرْحِهِ بِأَنَّهُ مِنَ الذِّكْرِ بِالْكَسْرِ لَا بِالضَّمِّ، قَالَ: وَإِنَّمَا هُوَ لَمْ أَقُلْهُ مِنْ قِبَلِ نَفْسِي وَلَا حَدَّثْتُ بِهِ عَنْ غَيْرِي أَنَّهُ حَلَفَ بِهِ، قَالَ: وَقَالَ الدَّاوُدِيُّ: يُرِيدُ مَا حَلَفْتُ بِهَا وَلَا ذَكَرْتُ حَلِفَ غَيْرِي بِهَا كَقَوْلِهِ: إِنَّ فُلَانًا قَالَ: وَحَقِّ أَبِي مَثَلًا، وَاسْتُشْكِلَ أَيْضًا أَنَّ كَلَامَ عُمَرَ الْمَذْكُورَ يَقْتَضِي أَنَّهُ تَوَرَّعَ عَنِ النُّطْقِ بِذَلِكَ مُطْلَقًا، فَكَيْفَ نَطَقَ بِهِ فِي هَذِهِ الْقِصَّةِ؟ وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ اغْتُفِرَ ذَلِكَ لِضَرُورَةِ التَّبْلِيغِ.

قَوْلُهُ: (قَالَ مُجَاهِدٌ أَوْ أَثَارَةٍ مِنْ عِلْمٍ يَأْثُرُ عِلْمًا) كَذَا فِي جَمِيعِ النُّسَخِ يَأْثُرُ بِضَمِّ الْمُثَلَّثَةِ، وَهَذَا الْأَثَرُ وَصَلَهُ الْفِرْيَابِيُّ فِي تَفْسِيرِهِ عَنْ وَرْقَاءَ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ فِي قَوْلِهِ - تَعَالَى -: ﴿ائْتُونِي بِكِتَابٍ مِنْ قَبْلِ هَذَا أَوْ أَثَارَةٍ مِنْ عِلْمٍ﴾ قَالَ: أَحَدٌ يَأْثُرُ عِلْمًا، فَكَأَنَّهُ سَقَطَ أَحَدٌ مِنْ أَصْلِ الْبُخَارِيِّ، وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي تَفْسِيرِ الْأَحْقَافِ النَّقْلُ عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ وَغَيْرِهِ فِي بَيَانِ هَذِهِ اللَّفْظَةِ وَالِاخْتِلَافِ فِي قِرَاءَتِهَا وَمَعْنَاهَا، وَذَكَرَ الصَّغَانِيُّ وَغَيْرُهُ أَنَّهُ قُرِئَ أَيْضًا إِثَارَةٍ بِكَسْرِ أَوَّلِهِ وَأَثَرَةٍ بِفَتْحَتَيْنِ وَسُكُونِ ثَانِيهِ مَعَ فَتْحِ أَوَّلِهِ وَمَعَ كَسْرِهِ، وَحَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ الْمَذْكُورُ هُنَاكَ أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَشَكَّ فِي رَفْعِهِ، وَأَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ مَوْقُوفًا وَهُوَ الرَّاجِحُ، وَفِي رِوَايَةِ جَوْدَةِ الْخَطِّ.

وَقَالَ الرَّاغِبُ فِي قَوْلِهِ ﷾ ﴿أَوْ أَثَارَةٍ مِنْ عِلْمٍ﴾ وَقُرِئَ أَوْ أَثَرَةٍ يَعْنِي بِفَتْحَتَيْنِ وَهُوَ مَا يُرْوَى أَيْ يُكْتَبُ فَيَبْقَى لَهُ أَثَرٌ، تَقُولُ: أَثَرْتُ الْعِلْمَ رَوَيْتُهُ آثُرُهُ أَثَرًا وَأَثَارَةً وَأَثَرَةً، وَالْأَصْلُ فِي أَثَرِ الشَّيْءِ حُصُولُ مَا يَدُلُّ عَلَى وُجُودِهِ، وَمُحَصَّلُ مَا ذَكَرُوهُ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ: أَحَدُهَا الْبَقِيَّةُ، وَأَصْلُهُ أَثَرْتُ الشَّيْءَ أُثِيرُهُ إِثَارَةً كَأَنَّهَا بَقِيَّةٌ تُسْتَخْرَجُ فَتُثَارُ، الثَّانِي مِنَ الْأَثَرِ وَهُوَ الرِّوَايَةُ، الثَّالِثُ مِنَ الْأَثَرِ وَهُوَ الْعَلَامَةُ.

قَوْلُهُ: (تَابَعَهُ عُقَيْلٌ، وَالزُّبَيْدِيُّ، وَإِسْحَاقُ، الْكَلْبِيُّ، عَنِ الزُّهْرِيِّ) أَمَّا مُتَابَعَةُ عُقَيْلٍ فَوَصَلَهَا مُسْلِمٌ مِنْ طَرِيقِ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ عَنْهُ، وَقَدْ بَيَّنْتُ مَا فِيهَا، وَلِلَّيْثِ فِيهِ سَنَدٌ آخَرُ، رَوَاهُ عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ فَجَعَلَهُ مِنْ مُسْنَدِهِ، وَقَدْ مَضَى فِي الْأَدَبِ. وَأَمَّا مُتَابَعَةُ الزُّبَيْدِيِّ فَوَصَلَهَا النَّسَائِيُّ مُخْتَصَرَةً مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ حَرْبٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْوَلِيدِ الزُّبَيْدِيِّ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَالِمٍ، عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ أَخْبَرَهُ عَنْ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: إِنَّ اللَّهَ يَنْهَاكُمْ أَنْ