للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وَالدَّهْرِيَّةِ وَالْمُعَطِّلَةِ وَعَبَدَةِ الشَّيَاطِينِ وَالْمَلَائِكَةِ وَغَيْرِهِمْ. وَلَمْ يَجْزِمِ الْمُصَنِّفُ بِالْحُكْمِ هَلْ يَكْفُرُ الْحَالِفُ بِذَلِكَ أَوْ لَا، لَكِنَّ تَصَرُّفَهُ يَقْتَضِي أَنْ لَا يَكْفُرَ بِذَلِكَ لِأَنَّهُ عَلَّقَ حَدِيثَ مَنْ حَلَفَ بِاللَّاتِ وَالْعُزَّى فَلْيَقُلْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يَنْسُبْهُ إِلَى الْكُفْرِ. وَتَمَامِ الِاحْتِجَاجِ أَنْ يَقُولَ: لِكَوْنِهِ اقْتَصَرَ عَلَى الْأَمْرِ بِقَوْلِ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ يَقْتَضِي الْكُفْرَ لَأَمَرَهُ بِتَمَامِ الشَّهَادَتَيْنِ، وَالتَّحْقِيقُ فِي الْمَسْأَلَةِ التَّفْصِيلُ الْآتِي، وَقَدْ وَصَلَ الْحَدِيثَ الْمَذْكُورَ فِي الْبَابِ الَّذِي قَبْلَهُ، وَأَوْرَدَهُ فِي كِتَابِ الْأَدَبِ فِي بَابُ مَنْ لَمْ يَرَ إِكْفَارَ مَنْ قَالَ ذَلِكَ مُتَأَوِّلًا أَوْ جَاهِلًا وَقَدَّمْتُ الْكَلَامَ عَلَيْهِ هُنَاكَ.

قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: اخْتُلِفَ فِيمَنْ قَالَ أَكْفُرُ بِاللَّهِ وَنَحْوَ ذَلِكَ إِنْ فَعَلْتُ ثُمَّ فَعَلَ، فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ، وَأَبُو هُرَيْرَةَ، وَعَطَاءٌ، وَقَتَادَةُ وَجُمْهُورُ فُقَهَاءِ الْأَمْصَارِ: لَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ وَلَا يَكُونُ كَافِرًا إِلَّا إِنْ أَضْمَرَ ذَلِكَ بِقَلْبِهِ. وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ، وَالثَّوْرِيُّ وَالْحَنَفِيَّةُ وَأَحْمَدُ، وَإِسْحَاقُ: هُوَ يَمِينٌ وَعَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ. قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ لِقَوْلِهِ: مَنْ حَلَفَ بِاللَّاتِ وَالْعُزَّى فَلْيَقُلْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يَذْكُرْ كَفَّارَةً زَادَ غَيْرُهُ: وَلِذَا قَالَ: مَنْ حَلَفَ بِمِلَّةٍ غَيْرِ الْإِسْلَامِ فَهُوَ كَمَا قَالَ فَأَرَادَ التَّغْلِيظَ فِي ذَلِكَ حَتَّى لَا يَجْتَرِئَ أَحَدٌ عَلَيْهِ. وَنَقَلَ أَبُو الْحَسَنِ بْنُ الْقَصَّارِ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ عَنِ الْحَنَفِيَّةِ أَنَّهُمُ احْتَجُّوا لِإِيجَابِ الْكَفَّارَةِ بِأَنَّ فِي الْيَمِينِ الِامْتِنَاعَ مِنَ الْفِعْلِ، وَتَضَمَّنَ كَلَامُهُ بِمَا ذُكِرَ تَعْظِيمًا لِلْإِسْلَامِ، وَتُعُقِّبَ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا فِيمَنْ قَالَ وَحَقِّ الْإِسْلَامِ إِذَا حَنِثَ لَا تَجِبُ عَلَيْهِ كَفَّارَةً فَأَسْقَطُوا الْكَفَّارَةَ إِذَا صَرَّحَ بِتَعْظِيمِ الْإِسْلَامِ وَأَثْبَتُوهَا إِذَا لَمْ يُصَرِّحْ.

قَوْلُهُ: (حَدَّثَنَا مُعَلَّى بْنُ أَسَدٍ، حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ) تَقَدَّمَ فِي بَابُ مَنْ أَكْفَرَ أَخَاهُ عَنْ مُوسَى بْنِ إِسْمَاعِيلَ، عَنْ وُهَيْبٍ كَالَّذِي هُنَا، وَقِيلَ ذَلِكَ فِي بَابُ مَا يُنْهَى مِنَ السِّبَابِ وَاللَّعْنِ مِنْ كِتَابِ الْأَدَبِ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ عَلِيِّ بْنِ الْمُبَارَكِ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ بِسَنَدِهِ بِزِيَادَةٍ وَلَيْسَ عَلَى ابْنِ آدَمَ نَذْرٌ فِيمَا لَا يَمْلِكُ وَسِيَاقُهُ أَتَمُّ مِنْ سِيَاقِ غَيْرِهِ، فَإِنَّ مَدَارَهُ فِي الْكُتُبِ السِّتَّةِ وَغَيْرِهَا عَلَى أَبِي قِلَابَةَ، عَنْ ثَابِتِ بْنِ الضَّحَّاكِ، وَرَوَاهُ عَنْ أَبِي قِلَابَةَ، خَالِدٌ الْحَذَّاءُ، وَيَحْيَى بْنُ أَبِي كَثِيرٍ، وَأَيُّوبُ فَأَخْرَجَهُ الْمُصَنِّفُ فِي الْجَنَائِزِ مِنْ رِوَايَةِ يَزِيدَ بْنِ زُرَيْعٍ، عَنْ خَالِدٍ الْحَذَّاءِ فَاقْتَصَرَ عَلَى خَصْلَتَيْنِ: الْأُولَى مَنْ قَتَلَ نَفْسَهُ بِحَدِيدَةٍ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مِنْ طَرِيقِ الثَّوْرِيِّ، عَنْ خَالِدٍ، وَمِنْ طَرِيقِ شُعْبَةَ، عَنْ أَيُّوبَ كَذَلِكَ، وَأَشَرْتُ إِلَى رِوَايَةِ عَلَيِّ بْنِ الْمُبَارَكِ، عَنْ يَحْيَى، وَأَنَّهُ ذَكَرَ فِيهِ خَمْسَ خِصَالٍ، الْأَرْبَعُ الْمَذْكُورَاتُ فِي الْبَابِ وَالْخَامِسَةُ الَّتِي أَشَرْتُ إِلَيْهَا، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مِنْ طَرِيقِ هِشَامٍ الدَّسْتُوَائِيِّ، عَنْ يَحْيَى فَذَكَرَ خَصْلَةَ النَّذْرِ وَلَعْنِ الْمُؤْمِنِ كَقَتْلِهِ، وَمَنْ قَتَلَ نَفْسَهُ بِشَيْءٍ عُذِّبَ بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَلَمْ يَذْكُرِ الْخَصْلَتَيْنِ الْبَاقِيَتَيْنِ، وَزَادَ بَدَلَهُمَا وَمَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِينِ صَبْرٍ فَاجِرَةٍ، وَمَنِ ادَّعَى دَعْوَى كَاذِبَةً لِيَتَكَثَّرَ بِهَا لَمْ يَزِدْهُ اللَّهُ إِلَّا قِلَّةً. فَإِذَا ضُمَّ بَعْضُ هَذِهِ الْخِصَالِ إِلَى بَعْضٍ اجْتَمَعَ مِنْهَا تِسْعَةٌ.

وَتَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَى قَوْلِهِ وَلَعْنُ الْمُؤْمِنِ كَقَتْلِهِ هُنَاكَ، وَالْكَلَامُ عَلَى قَوْلِهِ: وَمَنْ رَمَى مُؤْمِنًا بِكُفْرٍ فَهُوَ كَقَتْلِهِ فِي بَابُ مَنْ أَكْفَرَ أَخَاهُ وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ عَلِيِّ بْنِ الْمُبَارَكِ وَمَنْ قَذَفَ بَدَلَ رَمَى وَهُوَ بِمَعْنَاهُ. وَأَمَّا قَوْلُهُ: وَمَنْ حَلَفَ بِغَيْرِ مِلَّةِ الْإِسْلَامِ فَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ عَلِيِّ بْنِ الْمُبَارَكِ مَنْ حَلَفَ عَلَى مِلَّةٍ غَيْرَ الْإِسْلَامِ وَفِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ مَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِينٍ بِمِلَّةٍ غَيْرِ الْإِسْلَامِ كَاذِبًا مُتَعَمِّدًا فَهُوَ كَمَا قَالَ.

قَالَ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ: الْحَلِفُ بِالشَّيْءِ حَقِيقَةً هُوَ الْقَسَمُ بِهِ، وَإِدْخَالُ بَعْضِ حُرُوفِ الْقَسَمِ عَلَيْهِ كَقَوْلِهِ وَاللَّهِ وَالرَّحْمَنِ، وَقَدْ يُطْلَقُ عَلَى التَّعْلِيقِ بِالشَّيْءِ يَمِينٌ كَقَوْلِهِمْ مَنْ حَلَفَ بِالطَّلَاقِ، فَالْمُرَادُ تَعْلِيقُ الطَّلَاقِ وَأُطْلِقَ عَلَيْهِ الْحَلِفُ لِمُشَابَهَتِهِ بِالْيَمِينِ فِي اقْتِضَاءِ الْحِنْثِ وَالْمَنْعِ، وَإِذَا تَقَرَّرَ ذَلِكَ فَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ الْمَعْنَى الثَّانِي لِقَوْلِهِ كَاذِبًا مُتَعَمِّدًا وَالْكَذِبُ يَدْخُلُ الْقَضِيَّةَ الْإِخْبَارِيَّةَ الَّتِي يَقَعُ مُقْتَضَاهَا تَارَةً وَلَا يَقَعُ أُخْرَى، وَهَذَا بِخِلَافِ قَوْلِنَا وَاللَّهِ وَمَا أَشْبَهَهُ فَلَيْسَ الْإِخْبَارُ بِهَا عَنْ أَمْرٍ