للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وَيُسْتَفَادُ مِنْهُ وَمِنْ الحَدِيثِ عَلِيٍّ الْمُتَقَدِّمِ وَمِنْ قِصَّةِ أَبِي شَاهٍ أَنَّ النَّبِيَّ أَذِنَ فِي كِتَابَةِ الْحَدِيثِ عَنْهُ، وَهُوَ يُعَارِضُ حَدِيثَ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ قَالَ لَا تَكْتُبُوا عَنِّي شَيْئًا غَيْرَ الْقُرْآنِ رَوَاهُ مُسْلِمٌ. وَالْجَمْعُ بَيْنَهُمَا أَنَّ النَّهْيَ خَاصٌّ بِوَقْتِ نُزُولِ الْقُرْآنِ خَشْيَةَ الْتِبَاسِهِ بِغَيْرِهِ، وَالْإِذْنَ فِي غَيْرِ ذَلِكَ. أَوْ أَنَّ النَّهْيَ خَاصٌّ بِكِتَابَةِ غَيْرِ الْقُرْآنِ مَعَ الْقُرْآنِ فِي شَيْءٍ وَاحِدٍ وَالْإِذْنَ فِي تَفْرِيقِهِمَا، أَوِ النَّهْيَ مُتَقَدِّمٌ وَالْإِذْنَ نَاسِخٌ لَهُ عِنْدَ الْأَمْنِ مِنَ الِالْتِبَاسِ وَهُوَ أَقْرَبُهَا مَعَ أَنَّهُ لَا يُنَافِيهَا.

وَقِيلَ: النَّهْيُ خَاصٌّ بِمَنْ خُشِيَ مِنْهُ الِاتِّكَالُ عَلَى الْكِتَابَةِ دُونَ الْحِفْظِ، وَالْإِذْنُ لِمَنْ أُمِنَ مِنْهُ ذَلِكَ، وَمِنْهُمْ مَنْ أَعَلَّ حَدِيثَ أَبِي سَعِيدٍ وَقَالَ: الصَّوَابُ وَقْفُهُ عَلَى أَبِي سَعِيدٍ، قَالَهُ الْبُخَارِيُّ وَغَيْرُهُ. قَالَ الْعُلَمَاءُ: كَرِهَ جَمَاعَةٌ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ كِتَابَةَ الْحَدِيثِ، وَاسْتَحَبُّوا أَنْ يُؤْخَذَ عَنْهُمْ حِفْظًا كَمَا أَخَذُوا حِفْظًا، لَكِنْ لَمَّا قَصُرَتِ الْهِمَمُ وَخَشِيَ الْأَئِمَّةُ ضَيَاعَ الْعِلْمِ دَوَّنُوهُ، وَأَوَّلُ مَنْ دَوَّنَ الْحَدِيثَ ابْنُ شِهَابٍ الزُّهْرِيُّ عَلَى رَأْسِ الْمِائَةِ بِأَمْرِ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ، ثُمَّ كَثُرَ التَّدْوِينُ ثُمَّ التَّصْنِيفُ، وَحَصَلَ بِذَلِكَ خَيْرٌ كَثِيرٌ. فَلِلَّهِ الْحَمْدُ.

١١٤ - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سُلَيْمَانَ، قَالَ: حَدَّثَنِي ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي يُونُسُ، عَنْ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: لَمَّا اشْتَدَّ بِالنَّبِيِّ وَجَعُهُ قَالَ: ائْتُونِي بِكِتَابٍ أَكْتُبْ لَكُمْ كِتَابًا لَا تَضِلُّوا بَعْدَهُ. قَالَ عُمَرُ: إِنَّ النَّبِيَّ غَلَبَهُ الْوَجَعُ، وَعِنْدَنَا كِتَابُ اللَّهِ حَسْبُنَا، فَاخْتَلَفُوا، وَكَثُرَ اللَّغَطُ. قَالَ: قُومُوا عَنِّي، وَلَا يَنْبَغِي عِنْدِي التَّنَازُعُ، فَخَرَجَ ابْنُ عَبَّاسٍ يَقُولُ: إِنَّ الرَّزِيَّةَ كُلَّ الرَّزِيَّةِ مَا حَالَ بَيْنَ رَسُولِ اللَّهِ وَبَيْنَ كِتَابِهِ.

[الحديث ١١٤ - أطرافه في: ٧٣٦٦، ٥٦٦٩، ٤٤٣٢، ٤٤٣١، ٣١٦٨، ٣٠٥٣]

قَوْلُهُ: (أَخْبَرَنِي يُونُسُ) هُوَ ابْنُ يَزِيدَ.

قَوْلُهُ: (عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ) أَيِ: ابْنِ عُتْبَةَ بْنِ مَسْعُودٍ.

قَوْلُهُ: (لَمَّا اشْتَدَّ) أَيْ: قَوِيَ.

قَوْلُهُ: (وَجَعُهُ) أَيْ: فِي مَرَضِ مَوْتِهِ كَمَا سَيَأْتِي. وَلِلْمُصَنِّفِ فِي الْمَغَازِي وَلِلْإِسْمَاعِيلِيِّ: لَمَّا حَضَرَتِ النَّبِيَّ الْوَفَاةُ وَلِلْمُصَنِّفِ مِنْ حَدِيثِ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ أَنَّ ذَلِكَ كَانَ يَوْمَ الْخَمِيسِ وَهُوَ قَبْلَ مَوْتِهِ بِأَرْبَعَةِ أَيَّامٍ.

قَوْلُهُ: (بِكِتَابٍ) أَيْ: بِأَدَوَاتِ الْكِتَابِ، فَفِيهِ مَجَازُ الْحَذْفِ. وَقَدْ صُرِّحَ بِذَلِكَ فِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ قَالَ: ائْتُونِي بِالْكَتِفِ وَالدَّوَاةِ وَالْمُرَادُ بِالْكَتِفِ عَظْمُ الْكَتِفِ؛ لِأَنَّهُمْ كَانُوا يَكْتُبُونَ فِيهَا.

قَوْلُهُ: (أَكْتُبْ) هُوَ بِإِسْكَانِ الْبَاءِ جَوَابُ الْأَمْرِ، وَيَجُوزُ الرَّفْعُ عَلَى الِاسْتِئْنَافِ، وَفِيهِ مَجَازٌ أَيْضًا، أَيْ: آمُرُ بِالْكِتَابَةِ. وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ عَلَى ظَاهِرِهِ كَمَا سَيَأْتِي الْبَحْثُ فِي الْمَسْأَلَةِ فِي كِتَابِ الصُّلْحِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. وَفِي مُسْنَدِ أَحْمَدَ مِنْ حَدِيثِ عَلِيٍّ أَنَّهُ الْمَأْمُورُ بِذَلِكَ وَلَفْظُهُ أَمَرَنِي النَّبِيُّ أَنْ آتِيَهُ بِطَبَقٍ - أَيْ: كَتِفٍ - يَكْتُبُ مَا لَا تَضِلُّ أُمَّتُهُ مِنْ بَعْدِهِ.

قَوْلُهُ: (كِتَابًا) بَعْدَ قَوْلِهِ: بِكِتَابٍ فِيهِ الْجِنَاسُ التَّامُّ بَيْنَ الْكَلِمَتَيْنِ، وَإِنْ كَانَتْ إِحْدَاهُمَا بِالْحَقِيقَةِ وَالْأُخْرَى بِالْمَجَازِ.

قَوْلُهُ: (لَا تَضِلُّوا) هُوَ نَفْيُ وَحُذِفَتِ النُّونِ فِي الرِّوَايَاتِ الَّتِي اتَّصَلَتْ لَنَا؛ لِأَنَّهُ بَدَلٌ مِنْ جَوَابِ الْأَمْرِ، وَتَعَدُّدُ جَوَابِ الْأَمْرِ مِنْ غَيْرِ حَرْفِ الْعَطْفِ جَائِزٌ.

قَوْلُهُ: (غَلَبَهُ الْوَجَعُ) أَيْ: فَيَشُقُّ عَلَيْهِ إِمْلَاءُ الْكِتَابِ أَوْ مُبَاشَرَةُ الْكِتَابَةِ، وَكَأَنَّ عُمَرَ فَهِمَ مِنْ ذَلِكَ أَنَّهُ يَقْتَضِي التَّطْوِيلَ، قَالَ الْقُرْطُبِيُّ وَغَيْرُهُ: ائْتُونِي أَمْرٌ، وَكَانَ حَقُّ الْمَأْمُورِ أَنْ يُبَادِرَ لِلِامْتِثَالِ، لَكِنْ ظَهَرَ لِعُمَرَ مَعَ طَائِفَةٍ أَنَّهُ لَيْسَ عَلَى الْوُجُوبِ، وَأَنَّهُ مِنْ بَابِ الْإِرْشَادِ إِلَى الْأَصْلَحِ، فَكَرِهُوا أَنْ يُكَلِّفُوهُ مِنْ ذَلِكَ مَا يَشُقُّ