للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

الْحَدِّ، وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْحَدِيثَ يُفَسِّرُ بَعْضُهُ بَعْضًا، وَقَدْ وَقَعَ التَّصْرِيحُ فِي قِصَّةِ الْعَسِيفِ مِنْ لَفْظِ النَّبِيِّ ﷺ أَنَّ عَلَيْهِ جَلْدَ مِائَةٍ وَتَغْرِيبَ عَامٍ، وَهُوَ ظَاهِرٌ فِي كَوْنِ الْكُلِّ حَدَّهُ، وَلَمْ يُخْتَلَفْ عَلَى رَاوِيهِ فِي لَفْظِهِ فَهُوَ أَرْجَحُ مِنْ حِكَايَةِ الصَّحَابِيِّ مَعَ الِاخْتِلَافِ.

وَمِمَّا يُؤَيِّدُ كَوْنَ حَدِيثَيِ الْبَابِ وَاحِدًا مَعَ أَنَّهُ اخْتُلِفَ عَلَى ابْنِ شِهَابٍ فِي تَابِعِيِّهِ وَصَحَابِيِّهِ أَنَّ الزِّيَادَةَ الَّتِي عَنْ عُمَرَ عِنْدَ عَبْدِ الْعَزِيزِ فِي حَدِيثِ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ وَقَعَتْ عِنْدَ عُقَيْلٍ فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ، فَفِي آخِرِ رِوَايَةِ حَجَّاجِ بْنِ مُحَمَّدٍ الَّتِي أَشَرْتُ إِلَيْهَا عِنْدَ الْإِسْمَاعِيلِيِّ قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: وَكَانَ عُمَرُ يَنْفِي مِنَ الْمَدِينَةِ إِلَى الْبَصْرَةِ وَإِلَى خَيْبَرَ، وَفِيهِ إِشَارَةٌ إِلَى بُعْدِ الْمَسَافَةِ وَقُرْبِهَا فِي النَّفْيِ بِحَسَبِ مَا يَرَاهُ الْإِمَامُ وَأَنَّ ذَلِكَ لَا يَتَقَيَّدُ.

وَالَّذِي تَحَرَّرَ لِي مِنْ هَذَا الِاخْتِلَافِ أَنَّ فِي حَدِيثَيِ الْبَابِ اخْتِصَارًا مِنْ قِصَّةِ الْعَسِيفِ وَأَنَّ أَصْلَ الْحَدِيثِ كَانَ عِنْدَ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَزَيْدِ بْنِ خَالِدٍ جَمِيعًا، فَكَانَ يُحَدِّثُ بِهِ عَنْهُمَا بِتَمَامِهِ، وَرُبَّمَا حَدَّثَ عَنْهُ عَنْ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ بِاخْتِصَارٍ، وَكَانَ عِنْدَ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَحْدَهُ بِاخْتِصَارٍ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

وَفِي الْحَدِيثِ جَوَازُ الْجَمْعِ بَيْنَ الْحَدِّ وَالتَّعْزِيرِ - خِلَافًا لِلْحَنَفِيَّةِ - إِنْ أُخِذَ بِظَاهِرِ قَوْلِهِ: مَعَ إِقَامَةِ الْحَدِّ، وَجَوَازُ الْجَمْعِ بَيْنَ الْجَلْدِ وَالنَّفْيِ فِي حَقِّ الزَّانِي الَّذِي لَمْ يُحْصَنْ خِلَافًا لَهُمْ أَيْضًا إِنْ قُلْنَا إِنَّ الْجَمِيعَ حَدٌّ.

وَاحْتَجَّ بَعْضُهُمْ بِأَنَّ حَدِيثَ عُبَادَةَ الَّذِي فِيهِ النَّفْيُ مَنْسُوخٌ بِآيَةِ النُّورِ؛ لِأَنَّ فِيهَا الْجَلْدَ بِغَيْرِ نَفْيٍ، وَتُعُقِّبَ بِأَنَّهُ يُحْتَاجُ إِلَى ثُبُوتِ التَّارِيخِ، وَبِأَنَّ الْعَكْسَ أَقْرَبُ؛ فَإِنَّ آيَةَ الْجَلْدِ مُطْلَقَةٌ فِي حَقِّ كُلِّ زَانٍ فَخُصَّ مِنْهَا فِي حَدِيثِ عُبَادَةَ الثَّيِّبُ، وَلَا يَلْزَمُ مِنْ خُلُوِّ آيَةِ النُّورِ عَنِ النَّفْيِ عَدَمُ مَشْرُوعِيَّتِهِ كَمَا لَمْ يَلْزَمْ مِنْ خُلُوِّهَا مِنَ الرَّجْمِ ذَلِكَ.

وَمِنَ الْحُجَجِ الْقَوِيَّةِ أَنَّ قِصَّةَ الْعَسِيفِ كَانَتْ بَعْدَ آيَةِ النُّورِ؛ لِأَنَّها كَانَتْ فِي قِصَّةِ الْإِفْكِ، وَهِيَ مُتَقَدِّمَةٌ عَلَى قِصَّةِ الْعَسِيِفِ؛ لِأَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ حَضَرَهَا وَإِنَّمَا هَاجَرَ بَعْدَ قِصَّةِ الْإِفْكِ بِزَمَانٍ.

٣٣ - بَاب نَفْيِ أَهْلِ الْمَعَاصِي وَالْمُخَنَّثِينَ

٦٨٣٤ - حَدَّثَنَا مُسْلِمُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنَا هِشَامٌ، حَدَّثَنَا يَحْيَى، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ ﵄ قَالَ: لَعَنَ النَّبِيُّ ﷺ الْمُخَنَّثِينَ مِنْ الرِّجَالِ، وَالْمُتَرَجِّلَاتِ مِنْ النِّسَاءِ. وَقَالَ: أَخْرِجُوهُمْ مِنْ بُيُوتِكُمْ، وَأَخْرَجَ فُلَانًا، وَأَخْرَجَ عُمَرُ فُلَانًا.

قَوْلُهُ: (بَابُ نَفْيِ أَهْلِ الْمَعَاصِي وَالْمُخَنَّثِينَ) كَأَنَّهُ أَرَادَ الرَّدَّ عَلَى مَنْ أَنْكَرَ النَّفْيَ عَلَى غَيْرِ الْمُحَارِبِ، فَبَيَّنَ أَنَّهُ ثَابِتٌ مِنْ فِعْلِ النَّبِيِّ ﷺ وَمَنْ بَعْدَهُ فِي حَقِّ غَيْرِ الْمُحَارِبِ. وَإِذَا ثَبَتَ فِي حَقِّ مَنْ لَمْ يَقَعْ مِنْهُ كَبِيرَةٌ فَوُقُوعُهُ فِيمَنْ أَتَى كَبِيرَةً بِطَرِيقِ الْأَوْلَى، وَقَدْ تَقَدَّمَ ضَبْطُ الْمُخَنَّثِ فِي بَابِ مَا يَنْهَى مِنْ دُخُولِ الْمُتَشَبِّهِينَ بِالنِّسَاءِ عَلَى الْمَرْأَةِ فِي أَوَاخِرِ النِّكَاحِ.

قَوْلُهُ: (هِشَامٌ) هُوَ الدَّسْتُوَائِيُّ، وَيَحْيَى هُوَ ابْنُ أَبِي كَثِيرٍ، وَقَدْ تَقَدَّمَ بَيَانُ الِاخْتِلَافِ عَلَى هِشَامٍ فِي سَنَدِهِ فِي كِتَابِ اللِّبَاسِ فِي بَابِ إِخْرَاجِ الْمُتَشَبِّهِينَ بِالنِّسَاءِ مِنَ الْبُيُوتِ مَعَ بَقِيَّةِ شَرْحِهِ.

قَوْلُهُ: (وَأَخْرَجَ عُمَرُ فُلَانًا) سَقَطَ لَفْظُ عُمَرَ مِنْ رِوَايَةِ غَيْرِ أَبِي ذَرٍّ، وَقَدْ أَخْرَجَ أَبُو دَاوُدَ الْحَدِيثَ عَنْ مُسْلِمِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ شَيْخِ الْبُخَارِيِّ فِيهِ بَعْدَ قَوْلِهِ: وَقَالَ: أَخْرِجُوهُمْ مِنْ بُيُوتِكُمْ وَأَخْرِجُوا فُلَانًا وَفُلَانًا، يَعْنِي الْمُخَنَّثِينَ، وَتَقَدَّمَ فِي اللِّبَاسِ عَنْ مَعَاذِ بْنِ فَضَالَةَ، عَنْ هِشَامٍ كَرِوَايَةِ أَبِي ذَرٍّ هُنَا، وَكَذَا عِنْدَ أَحْمَدَ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ هَارُونَ وَغَيْرِهِ عَنْ هِشَامٍ، وَذَكَرْتُ هُنَاكَ اسْمَ مَنْ نَفَاهُ النَّبِيُّ ﷺ مِنَ الْمَدِينَةِ وَلَمْ أَذْكُرِ اسْمَ الَّذِي نَفَاهُ عُمَرُ.

ثُمَّ وَقَفْتُ فِي كِتَابِ الْمُغْرِبِينَ لِأَبِي الْحَسَنِ الْمَدَايِنِيِّ مِنْ طَرِيقِ الْوَلِيدِ بْنِ سَعِيدٍ قَالَ: سَمِعَ عُمَرُ قَوْمًا يَقُولُونَ: أَبُو ذُؤَيْبٍ أَحْسَنُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ، فَدَعَا بِهِ فَقَالَ: أَنْتَ لَعَمْرِي، فَاخْرُجْ عَنِ الْمَدِينَةِ