للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

مُوَافَقَتُهُ عَلَى تَخْرِيجِ أَصْلِ الْحَدِيثِ عَنْ صَحَابِيِّهِ وَإِنْ وَقَعَتْ بَعْضُ الْمُخَالَفَةِ فِي بَعْضِ السِّيَاقَاتِ. وَفِيهِ مِنَ الْآثَارِ الْمَوْقُوفَةِ عَلَى الصَّحَابَةِ وَمَنْ بَعْدَهُمُ اثْنَانِ وَعِشْرُونَ أَثَرًا: أَرْبَعَةٌ مِنْهَا مَوْصُولَةٌ، وَالْبَقِيَّةٌ مُعَلَّقَةٌ.

قَالَ ابْنُ رَشِيدٍ: خَتَمَ الْبُخَارِيُّ كِتَابَ الْعِلْمِ بِبَابِ مَنْ أَجَابَ السَّائِلَ بِأَكْثَرَ مِمَّا سَأَلَ عَنْهُ إِشَارَةً مِنْهُ إِلَى أَنَّهُ بَلَغَ الْغَايَةَ فِي الْجَوَابِ عَمَلًا بِالنَّصِيحَةِ، وَاعْتِمَادًا عَلَى النِّيَّةِ الصَّحِيحَةِ. وَأَشَارَ قَبْلَ ذَلِكَ بِقَلِيلٍ بِتَرْجَمَةِ مَنْ تَرَكَ بَعْضَ الِاخْتِيَارِ مَخَافَةَ أَنْ يَقْصُرَ فَهْمُ بَعْضِ النَّاسِ عَنْهُ إِلَى أَنَّهُ رُبَّمَا صَنَعَ ذَلِكَ، فَأَتْبَعَ الطَّيِّبَ بِالطَّيِّبِ بِأَبْرَعِ سِيَاقٍ وَأَبْدَعِ اتِّسَاقٍ. رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى.

٤ - كِتَاب الْوُضُوء

١ - بَاب مَا جَاءَ فِي الْوُضُوءِ، وَقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: ﴿إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ﴾ قَالَ أَبُو عَبْد اللَّهِ: وَبَيَّنَ النَّبِيُّ أَنَّ فَرْضَ الْوُضُوءِ مَرَّةً مَرَّةً. وَتَوَضَّأَ أَيْضًا مَرَّتَيْنِ، وَثَلَاثًا، وَلَمْ يَزِدْ عَلَى ثَلَاثٍ. وَكَرِهَ أَهْلُ الْعِلْمِ الْإِسْرَافَ فِيهِ وَأَنْ يُجَاوِزُوا فِعْلَ النَّبِيِّ .

قَوْلُهُ: (بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ. كِتَابُ الْوُضُوءِ. بَابُ مَا جَاءَ فِي قَوْلِ اللَّهِ ﷿: ﴿إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ﴾ الْآيَةَ)، وَفِي رِوَايَةِ الْأَصِيلِيِّ: مَا جَاءَ فِي قَوْلِ اللَّهِ دُونَ مَا قَبْلَهُ، وَلِكَرِيمَةَ بَابٌ فِي الْوُضُوءِ وَقَوْلُ اللَّهِ ﷿. . . إِلَخْ. وَالْمُرَادُ بِالْوُضُوءِ ذِكْرُ أَحْكَامِهِ وَشَرَائِطِهِ وَصِفَتِهِ وَمُقَدِّمَاتِهِ. وَالْوُضُوءُ بِالضَّمِّ هُوَ الْفِعْلُ، وَبِالْفَتْحِ الْمَاءُ الَّذِي يُتَوَضَّأُ بِهِ عَلَى الْمَشْهُورِ فِيهِمَا، وَحُكِيَ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا الْأَمْرَانِ. وَهُوَ مُشْتَقٌّ مِنَ الْوَضَاءَةِ، وَسُمِّيَ بِذَلِكَ لِأَنَّ الْمُصَلِّيَ يَتَنَظَّفُ بِهِ فَيَصِيرُ وَضِيئًا: وَأَشَارَ بِقَوْلِهِ: مَا جَاءَ إِلَى اخْتِلَافِ السَّلَفِ فِي مَعْنَى الْآيَةِ فَقَالَ الْأَكْثَرُونَ: التَّقْدِيرُ إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ مُحْدِثِينَ. وَقَالَ آخَرُونَ: بَلِ الْأَمْرُ عَلَى عُمُومِهِ مِنْ غَيْرِ تَقْدِيرِ حَذْفٍ، إِلَّا أَنَّهُ فِي حَقِّ الْمُحْدِثِ عَلَى الْإِيجَابِ، وَفِي حَقِّ غَيْرِهِ عَلَى النَّدْبِ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: كَانَ عَلَى الْإِيجَابِ ثُمَّ نُسِخَ فَصَارَ مَنْدُوبًا.

وَيَدُلُّ لِهَذَا مَا رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَأَبُو دَاوُدَ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ أَنَّ أَسْمَاءَ بِنْتَ زَيْدِ بْنِ الْخَطَّابِ حَدَّثَتْ أَبَاهُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حَنْظَلَةَ الْأَنْصَارِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ أُمِرَ بِالْوُضُوءِ لِكُلِّ صَلَاةٍ طَاهِرًا كَانَ أَوْ غَيْرَ طَاهِرٍ، فَلَمَّا شَقَّ عَلَيْهِ وُضِعَ عَنْهُ الْوُضُوءُ إِلَّا مِنْ حَدَثٍ. وَلِمُسْلِمٍ مِنْ حَدِيثِ بُرَيْدَةَ: كَانَ النَّبِيُّ يَتَوَضَّأُ عِنْدَ كُلِّ صَلَاةٍ، فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ الْفَتْحِ صَلَّى الصَّلَوَاتِ بِوُضُوءٍ وَاحِدٍ، فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: إِنَّكَ فَعَلْتَ شَيْئًا لَمْ تَكُنْ تَفْعَلُهُ. فَقَالَ: عَمْدًا فَعَلْتُهُ أَيْ: لِبَيَانِ الْجَوَازِ. وَسَيَأْتِي حَدِيثُ أَنَسٍ فِي ذَلِكَ فِي بَابِ الْوُضُوءِ مِنْ غَيْرِ حَدَثٍ.

وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ أَيْضًا فِي مُوجِبِ الْوُضُوءِ فَقِيلَ: يَجِبُ بِالْحَدَثِ وُجُوبًا مُوَسَّعًا، وَقِيلَ بِهِ وَبِالْقِيَامِ إِلَى الصَّلَاةِ مَعًا وَرَجَّحَهُ جَمَاعَةٌ مِنَ الشَّافِعِيَّةِ، وَقِيلَ بِالْقِيَامِ إِلَى الصَّلَاةِ حَسْبُ، وَيَدُلُّ لَهُ مَا رَوَاهُ أَصْحَابُ السُّنَنِ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنِ النَّبِيِّ قَالَ: إِنَّمَا أُمِرْتُ بِالْوُضُوءِ إِذَا قُمْتُ إِلَى الصَّلَاةِ وَاسْتَنْبَطَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ مِنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ﴾ إِيجَابَ النِّيَّةِ فِي الْوُضُوءِ ; لِأَنَّ التَّقْدِيرَ: إِذَا أَرَدْتُمُ الْقِيَامَ إِلَى الصَّلَاةِ فَتَوَضَّؤُوا لِأَجْلِهَا، إِذَا رَأَيْتُ الْأَمِيرَ فَقُمْ، أَيْ لِأَجْلِهِ. وَتَمَسَّكَ بِهَذِهِ الْآيَةِ مَنْ قَالَ: إِنَّ