للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

إِحْيَاؤُهَا فِي عَاجِلِ النَّفْعِ مَقَامَ إِحْيَاءِ جَمِيعِ النُّفُوسِ.

قُلْتُ: وَاخْتَارَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ تَخْصِيصَ الشِّقِّ الْأَوَّلِ بِابْنِ آدَمِ الْأَوَّلِ لِكَوْنِهِ سَنَّ الْقَتْلَ وَهَتَكَ حُرْمَةَ الدِّمَاءِ وَجَرَّأَ النَّاسَ عَلَى ذَلِكَ، وَهُوَ ضَعِيفٌ لِأَنَّ الْإِشَارَةَ بِقَوْلِهِ فِي أَوَّلِ الْآيَةِ ﴿مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ﴾ لِقِصَّةِ ابْنَيْ آدَمَ فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْمَذْكُورَ بَعْدَ ذَلِكَ مُتَعَلِّقٌ بِغَيْرِهِمَا، فَالْحَمْلُ عَلَى ظَاهِرِ الْعُمُومِ أَوْلَى، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

الحديث الأول، قَوْلُهُ: (حَدَّثَنَا سُفْيَانُ) هُوَ الثَّوْرِيُّ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ ابْنَ عُيَيْنَةَ، فَسَيَأْتِي فِي الِاعْتِصَامِ مِنْ رِوَايَةِ الْحُمَيْدِيِّ عَنْهُ: حَدَّثَنَا الْأَعْمَشُ.

قَوْلُهُ: (الْأَعْمَشُ) هُوَ سُلَيْمَانُ بْنُ مِهْرَانَ.

قَوْلُهُ: (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُرَّةَ) فِي رِوَايَةِ حَفْصِ بْنِ غِيَاثٍ، عَنِ الْأَعْمَشِ: حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُرَّةَ وَهُوَ الْخَارِفِيُّ بِمُعْجَمَةٍ وَرَاءٍ مَكْسُورَةٍ وَفَاءٍ كُوفِيٌّ، وَفِي السَّنَدِ ثَلَاثَةٌ مِنَ التَّابِعِينَ فِي نَسَقٍ كُوفِيُّونَ.

قَوْلُهُ: (لَا تُقْتَلُ نَفْسٌ) زَادَ حَفْصٌ فِي رِوَايَتِهِ ظُلْمًا، وَفِي الِاعْتِصَامِ لَيْسَ مِنْ نَفْسٍ تُقْتَلُ ظُلْمًا.

قَوْلُهُ: (عَلَى ابْنِ آدَمَ الْأَوَّلِ) هُوَ قَابِيلُ عِنْدَ الْأَكْثَرِ، وَعَكَسَ الْقَاضِي جَمَالُ الدِّينِ بْنُ وَاصِلٍ فِي تَارِيخِهِ فَقَالَ: اسْمُ الْمَقْتُولِ قَابِيلُ اشْتُقَّ مِنْ قَبُولِ قُرْبَانِهِ، وَقِيلَ اسْمُهُ قَابِنُ بِنُونٍ بَدَلَ اللَّامِ بِغَيْرِ يَاءٍ، وَقِيلَ قَبِنُ مِثْلُهُ بِغَيْرِ أَلِفٍ، وَقَدْ تَقَدَّمَتِ الْإِشَارَةُ إِلَى ذَلِكَ فِي بَابِ خَلْقِ آدَمَ مِنْ بَدْءِ الْخَلْقِ، وَأَخْرَجَ الطَّبَرِيُّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: كَانَ مِنْ شَأْنِهِمَا أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ مِسْكِينٌ يَتَصَدَّقُ عَلَيْهِ، إِنَّمَا كَانَ الْقُرْبَانُ يُقَرِّبُهُ الرَّجُلُ فَمَهما قُبِلَ تَنْزِلُ النَّارُ فَتَأْكُلُهُ وَإِلَّا فَلَا.

وَعَنِ الْحَسَنِ: لَمْ يَكُونَا وَلَدَيْ آدَمَ لِصُلْبِهِ وَإِنَّمَا كَانَا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ أَخْرَجَهُ الطَّبَرِيُّ، وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ: كَانَا وَلَدَيْ آدَمَ لِصُلْبِهِ وَهَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ، وَيُؤَيِّدُهُ حَدِيثُ الْبَابِ لِوَصْفِهِ ابْنِ بِأَنَّهُ الْأَوَّلُ أَيْ أَوَّلُ مَا وُلِدَ لِآدَمَ، وَيُقَالُ إِنَّهُ لَمْ يُولَدْ فِي الْجَنَّةِ لِآدَمَ غَيْرُهُ وَغَيْرُ تَوْأَمَتِهِ، وَمِنْ ثَمَّ فَخَرَ عَلَى أَخِيهِ هَابِيلَ فَقَالَ: نَحْنُ مِنْ أَوْلَادِ الْجَنَّةِ وَأَنْتُمَا مِنْ أَوْلَادِ الْأَرْضِ، ذَكَرَ ذَلِكَ ابْنُ إِسْحَاقَ فِي الْمُبْتَدَأ.

وَعَنِ الْحَسَنِ: ذَكَرَ لِي أَنَّ هَابِيلَ قُتِلَ وَلَهُ عِشْرُونَ سَنَةً، وَلِأَخِيهِ الْقَاتِلِ خَمْسٌ وَعِشْرُونَ سَنَةً، وَتَفْسِيرُ هَابِيلَ هِبَةُ اللَّهِ، وَلَمَّا قُتِلَ هَابِيلُ وَحَزِنَ عَلَيْهِ آدَمُ وُلِدَ لَهُ بَعْدَ ذَلِكَ شِيثُ، وَمَعْنَاهُ عَطِيَّةُ اللَّهِ، وَمِنْهُ انْتَشَرَتْ ذُرِّيَّةُ آدَمَ.

وَقَالَ الثَّعْلَبِيُّ: ذَكَرَ أَهْلُ الْعِلْمِ بِالْقُرْآنِ أَنَّ حَوَّاءَ وَلَدَتْ لِآدَمَ أَرْبَعِينَ نَفْسًا فِي عِشْرِينَ بَطْنًا أَوَّلُهُمْ قَابِيلُ وَأُخْتُهُ إِقْلِيمَا وَآخِرُهُمْ عَبْدُ الْمُغِيثِ وَأَمَةُ الْمُغِيثِ ثُمَّ لَمْ يَمُتْ حَتَّى بَلَغَ وَلَدُهُ وَوَلَدُ وَلَدِهِ أَرْبَعِينَ أَلْفًا وَهَلَكُوا كُلُّهُمْ فَلَمْ يَبْقَ بَعْدَ الطُّوفَانِ إِلَّا ذُرِّيَّةَ نُوحٍ وَهُوَ مِنْ نَسْلِ شِيثَ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: ﴿وَجَعَلْنَا ذُرِّيَّتَهُ هُمُ الْبَاقِينَ﴾ وَكَانَ مَعَهُ فِي السَّفِينَةِ ثَمَانُونَ نَفْسًا وَهُوَ الْمُشَارُ إِلَيْهِمْ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَمَا آمَنَ مَعَهُ إِلا قَلِيلٌ﴾ وَمَعَ ذَلِكَ فَمَا بَقِيَ إِلَّا نَسْلُ نُوحٍ فَتَوَالَدُوا حَتَّى مَلَئُوا الْأَرْضَ، وَقَدْ تَقَدَّمَ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ تَرْجَمَةَ نُوحٍ مِنْ أَحَادِيثِ الْأَنْبِيَاءِ.

قَوْلُهُ: (كِفْلٌ مِنْهَا) زَادَ فِي الِاعْتِصَامِ: وَرُبَّمَا قَالَ سُفْيَانُ مِنْ دَمِهَا، وَزَادَ فِي آخِرِهِ: لِأَنَّهُ مَنْ سَنَّ الْقَتْلَ، وَهَذَا مِثْلُ لَفْظِ حَفْصِ بْنِ غِيَاثٍ الْمَاضِي فِي خَلْقِ آدَمَ، وَالْكِفْلُ بِكَسْرِ أَوَّلِهِ وَسُكُونِ الْفَاءِ النَّصِيبُ، وَأَكْثَرُ مَا يُطْلَقُ عَلَى الْأَجْرِ وَالضِّعْفِ عَلَى الْإِثْمِ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ﴾ وَوَقَعَ عَلَى الْإِثْمِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَمَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً سَيِّئَةً يَكُنْ لَهُ كِفْلٌ مِنْهَا﴾ وَقَوْلُهُ: لِأَنَّهُ أَوَّلُ مَنْ سَنَّ الْقَتْلَ فِيهِ أَنَّ مَنْ سَنَّ شَيْئًا كُتِبَ لَهُ أَوْ عَلَيْهِ، وَهُوَ أَصْلٌ فِي أَنَّ الْمَعُونَةَ عَلَى مَا لَا يَحِلُّ حَرَامٌ، وَقَدْ أَخْرَجَ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ جَرِيرٍ: مَنْ سَنَّ فِي الْإِسْلَامِ سُنَّةً حَسَنَةً كَانَ لَهُ أَجْرُهَا وَأَجْرُ مَنْ عَمِلَ بِهَا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَمَنْ سَنَّ فِي الْإِسْلَامِ سُنَّةً سَيِّئَةً كَانَ عَلَيْهِ وِزْرُهَا وَوِزْرُ مَنْ عَمِلَ بِهَا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى مَنْ لَمْ يَتُبْ مِنْ ذَلِكَ الذَّنْبِ.

وَعَنِ السُّدِّيِّ: شَدَخَ قَابِيلُ رَأْسَ أَخِيهِ بِحَجَرٍ فَمَاتَ. وَعَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ: تَمَثَّلَ لَهُ إِبْلِيسُ فَأَخَذَ بِحَجَرٍ فَشَدَخَ بِهِ رَأْسَ طَيْرٍ فَفَعَلَ ذَلِكَ قَابِيلُ وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى جَبَلِ ثَوْرٍ، وَقِيلَ عَلَى عَقَبَةِ حِرَاءٍ، وَقِيلَ بِالْهِنْدِ، وَقِيلَ بِمَوْضِعِ الْمَسْجِدِ الْأَعْظَمِ