للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

اللَّامِ أَيْ يُهْدَرُ.

قَوْلُهُ: (فَوَدَاهُ مِائَةً) فِي رِوَايَةِ الْكُشْمِيهَنِيِّ بِمِائَةٍ، وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ أَبِي لَيْلَى فَوَدَاهُ مِنْ عِنْدِهِ، وَفِي رِوَايَةِ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ فَعَقَلَهُ النَّبِيُّ ﷺ مِنْ عِنْدِهِ أَيْ أَعْطَى دِيَتَهُ، وَفِي رِوَايَةِ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ مِنْ قِبَلِهِ بِكَسْرِ الْقَافِ وَفَتْحِ الْمُوَحَّدَةِ أَيْ مِنْ جِهَتِهِ، وَفِي رِوَايَةِ اللَّيْثِ عَنْهُ فَلَمَّا رَأَى ذَلِكَ النَّبِيُّ ﷺ أَعْطَى عَقْلَهُ.

قَوْلُهُ: (مِنْ إِبِلِ الصَّدَقَةِ) زَعَمَ بَعْضُهُمْ أَنَّهُ غَلَطٌ مِنْ سَعِيدِ بْنِ عُبَيْدٍ لِتَصْرِيحِ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ بِقَوْلِهِ: مِنْ عِنْدِهِ وَجَمَعَ بَعْضُهُمْ بَيْنَ الرِّوَايَتَيْنِ بِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ اشْتَرَاهَا مِنْ إِبِلِ الصَّدَقَةِ بِمَالٍ دَفَعَهُ مِنْ عِنْدِهِ، أَوِ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ: مِنْ عِنْدِهِ أَيْ بَيْتِ الْمَالِ الْمُرْصَدِ لِلْمَصَالِحِ، وَأُطْلِقَ عَلَيْهِ صَدَقَةٌ بِاعْتِبَارِ الِانْتِفَاعِ بِهِ مَجَّانًا لِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ قَطْعِ الْمُنَازَعَةِ وَإِصْلَاحِ ذَاتِ الْبَيْنِ، وَقَدْ حَمَلَهُ بَعْضُهُمْ عَلَى ظَاهِرِهِ فَحَكَى الْقَاضِي عِيَاضٌ عَنْ بَعْضِ الْعُلَمَاءِ جَوَازَ صَرْفِ الزَّكَاةِ فِي الْمَصَالِحِ الْعَامَّةِ وَاسْتَدَلَّ بِهَذَا الْحَدِيثِ وَغَيْرِهِ.

قُلْتُ: وَتَقَدَّمَ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ فِي كِتَابِ الزَّكَاةِ فِي الْكَلَامِ عَلَى حَدِيثِ أَبِي لَاسٍ قَالَ: حَمَلَنَا النَّبِيُّ ﷺ عَلَى إِبِلٍ مِنْ إِبِلِ الصَّدَقَةِ فِي الْحَجِّ وَعَلَى هَذَا فَالْمُرَادُ بِالْعِنْدِيَّةِ كَوْنُهَا تَحْتَ أَمْرِهِ وَحُكْمِهِ، وَلِلِاحْتِرَازِ مِنْ جَعْلِ دِيَتِهِ عَلَى الْيَهُودِ أَوْ غَيْرِهِمْ.

قَالَ الْقُرْطُبِيُّ فِي الْمُفْهِمِ فَعَلَ ﷺ ذَلِكَ عَلَى مُقْتَضَى كَرَمِهِ وَحُسْنِ سِيَاسَتِهِ وَجَلْبًا لِلْمَصْلَحَةِ وَدَرْءًا لِلْمَفْسَدَةِ عَلَى سَبِيلِ التَّأْلِيفِ، وَلَا سِيَّمَا عِنْدَ تَعَذُّرِ الْوُصُولِ إِلَى اسْتِيفَاءِ الْحَقِّ، وَرِوَايَةُ مَنْ قَالَ مِنْ عِنْدِهِ أَصَحُّ مِنْ رِوَايَةِ مَنْ قَالَ مِنْ إِبِلِ الصَّدَقَةِ وَقَدْ قِيلَ إِنَّهَا غَلَطٌ وَالْأَوْلَى أَنْ لَا يَغْلَطَ الرَّاوِي مَا أَمْكَنَ، فَيَحْتَمِلُ أَوْجُهًا مِنْهَا فَذَكَرَ مَا تَقَدَّمَ وَزَادَ: أَنْ يَكُونَ تَسَلَّفَ ذَلِكَ مِنْ إِبِلِ الصَّدَقَةِ لِيَدْفَعَهُ مِنْ مَالِ الْفَيْءِ، أَوْ أَنَّ أَوْلِيَاءَ الْقَتِيلِ كَانُوا مُسْتَحِقِّينَ لِلصَّدَقَةِ فَأَعْطَاهُمْ، أَوْ أَعْطَاهُمْ ذَلِكَ مِنْ سَهْمِ الْمُؤَلَّفَةِ اسْتِئْلَافًا لَهُمْ وَاسْتِجْلَابًا لِلْيَهُودِ، انْتَهَى.

وَزَادَ أَبُو لَيْلَى فِي رِوَايَتِهِ قَالَ سَهْلٌ فَرَكَضَتْنِي نَاقَةٌ، وَفِي رِوَايَةِ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ، عَنْ يَحْيَى أَدْرَكَتْهُ نَاقَةٌ مِنْ تِلْكَ الْإِبِلِ فَدَخَلَتْ مِرْبَدًا لَهُمْ فَرَكَضَتْنِي بِرِجْلِهَا.

وَفِي رِوَايَةِ شَيْبَانَ بْنِ بِلَالٍ لَقَدْ رَكَضَتْنِي نَاقَةٌ مِنْ تِلْكَ الْفَرَائِضِ بِالْمِرْبَدِ، وَفِي رِوَايَةِ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ فَوَاللَّهِ مَا أَنْسَى نَاقَةَ بَكْرَةَ مِنْهَا حَمْرَاءُ ضَرَبَتْنِي وَأَنَا أَحُوزُهَا، وَفِي حَدِيثِ الْبَابِ مِنَ الْفَوَائِدِ مَشْرُوعِيَّةُ الْقَسَامَةِ.

قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ: هَذَا الْحَدِيثُ أَصْلٌ مِنْ أُصُولِ الشَّرْعِ وَقَاعِدَةٌ مِنْ قَوَاعِدِ الْأَحْكَامِ وَرُكْنٌ مِنْ أَرْكَانِ مَصَالِحِ الْعِبَادِ، وَبِهِ أَخَذَ كَافَّةُ الْأَئِمَّةِ وَالسَّلَفِ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَعُلَمَاءِ الْأُمَّةِ وَفُقَهَاءِ الْأَنْصَارِ مِنَ الْحِجَازِيِّينَ وَالشَّامِيِّينَ وَالْكُوفِيِّينَ وَإِنِ اخْتَلَفُوا فِي صُورَةِ الْأَخْذِ بِهِ، وَرُوِيَ التَّوَقُّفُ عَنِ الْأَخْذِ بِهِ عَنْ طَائِفَةٍ فَلَمْ يَرَوُا الْقَسَامَةَ وَلَا أَثْبَتُوا بِهَا فِي الشَّرْعِ حُكْمًا، وَهَذَا مَذْهَبُ الْحَكَمِ بْنِ عُتَيْبَةَ، وَأَبِي قِلَابَةَ، وَسَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، وَسُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ، وَقَتَادَةَ، وَمُسْلِمِ بْنِ خَالِدٍ، وَإِبْرَاهِيمَ بْنِ عُلَيَّةَ وَإِلَيْهِ يَنْحُو الْبُخَارِيُّ، وَرُوِيَ عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ بِاخْتِلَافٍ عَنْهُ.

قُلْتُ: وَهَذَا يُنَافِي مَا صَدَرَ بِهِ كَلَامُهُ أَنَّ كَافَّةَ الْأَئِمَّةِ أَخَذُوا بِهَا، وَقَدْ تَقَدَّمَ النَّقْلُ عَمَّنْ لَمْ يَقُلْ بِمَشْرُوعِيَّتِهَا فِي أَوَّلِ الْبَابِ، وَفِيهِمْ مَنْ لَمْ يَذْكُرْهُ الْقَاضِي، قَالَ: وَاخْتَلَفَ قَوْلُ مَالِكٍ فِي مَشْرُوعِيَّةِ الْقَسَامَةِ فِي قَتْلِ الْخَطَأ، وَاخْتَلَفَ الْقَائِلُونَ بِهَا فِي الْعَمْدِ هَلْ يَجِبُ بِهَا الْقَوَدُ أَوِ الدِّيَةُ؟ فَمَذْهَبُ مُعْظَمِ الْحِجَازِيِّينَ إِيجَابُ الْقَوَدِ إِذَا كَمَلَتْ شُرُوطُهَا، وَهُوَ قَوْلِ الزُّهْرِيِّ، وَرَبِيعَةَ، وَأَبِي الزِّنَادِ، وَمَالِكٍ، وَاللَّيْثِ، وَالْأَوْزَاعِيِّ، وَالشَّافِعِيِّ فِي أَحَدِ قَوْلَيْهِ وَأَحْمَدَ، وَإِسْحَاقَ، وَأَبِي ثَوْرٍ، وَدَاوُدَ، وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ بَعْضِ الصَّحَابَةِ كَابْنِ الزُّبَيْرِ، وَاخْتُلِفَ عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ.

وَقَالَ أَبُو الزِّنَادِ: قَتَلْنَا بِالْقَسَامَةِ وَالصَّحَابَة مُتَوَافِرُونَ، إِنِّي لَأَرَى أَنَّهُمْ أَلْفُ رَجُلٍ فَمَا اخْتَلَفَ مِنْهُمُ اثْنَانِ.

قُلْتُ: إِنَّمَا نَقَلَ ذَلِكَ أَبُو الزِّنَادِ، عَنْ خَارِجَةَ بْنِ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ كَمَا أَخْرَجَهُ سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ، وَالْبَيْهَقِيُّ مِنْ رِوَايَةِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ أَبِيهِ، وَإِلَّا فَأَبُو الزِّنَادِ لَا يَثْبُتُ أَنَّهُ رَأَى عِشْرِينَ مِنَ الصَّحَابَةِ فَضْلًا عَنْ أَلْفٍ.

ثُمَّ