للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

مِنْ غَيْرِهِمَا فَعَلَى الطَّائِفَتَيْنِ.

السَّادِسَةُ: الْمَقْتُولُ فِي الزَّحْمَةِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ بَيَانُ الِاخْتِلَافِ فِيهِ فِي بَابٍ مُفْرَدٍ.

السَّابِعَةُ: أَنْ يُوجَدَ قَتِيلٌ فِي مَحَلَّةٍ أَوْ قَبِيلَةٍ، فَهَذَا يُوجِبُ الْقَسَامَةَ عِنْدَ الثَّوْرِيِّ، وَالْأَوْزَاعِيِّ، وَأَبِي حَنِيفَةَ وَأَتْبَاعِهِمْ، وَلَا يُوجِبُ الْقَسَامَةَ عِنْدَهُمْ سِوَى هَذِهِ الصُّورَةِ، وَشَرْطُهَا عِنْدَهُمْ إِلَّا الْحَنَفِيَّةُ أَنْ يُوجَدَ بِالْقَتِيلِ أَثَرٌ، وَقَالَ دَاوُدُ: لَا تُجْرَى الْقَسَامَةُ إِلَّا فِي الْعَمْدِ عَلَى أَهْلِ مَدِينَةٍ أَوْ قَرْيَةٍ كَبِيرَةٍ وَهُمْ أَعْدَاءٌ لِلْمَقْتُولِ.

وَذَهَبَ الْجُمْهُورُ إِلَى أَنَّهُ لَا قَسَامَةَ فِيهِ بَلْ هُوَ هَدَرٌ لِأَنَّهُ قَدْ يُقْتَلُ وَيُلْقَى فِي الْمَحَلَّةِ لِيُتَّهَمُوا، وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ، وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ، إِلَّا أَنْ يَكُونَ فِي مِثْلِ الْقِصَّةِ الَّتِي فِي حَدِيثِ الْبَابِ فَيُتَّجَهُ فِيهَا الْقَسَامَةُ لِوُجُودِ الْعَدَاوَةِ.

وَلَمْ تَرَ الْحَنَفِيَّةُ وَمَنْ وَافَقَهُمْ لَوْثًا يُوجِبُ الْقَسَامَةَ إِلَّا هَذِهِ الصُّورَةَ، وَحُجَّةُ الْجُمْهُورِ الْقِيَاسُ عَلَى هَذِهِ الْوَاقِعَةِ، وَالْجَامِعُ أَنْ يَقْتَرِنَ بِالدَّعْوَى شَيْءٌ يَدُلُّ عَلَى صِدْقِ الْمُدَّعَى فَيُقْسِمُ مَعَهُ وَيَسْتَحِقُّ.

وَقَالَ ابْنُ قُدَامَةَ: ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى أَنَّ الْقَتِيلَ إِذَا وُجِدَ فِي مَحَلٍّ فَادَّعَى وَلِيُّهُ عَلَى خَمْسِينَ نَفْسًا مِنْ مَوْضِعِ قَتْلِهِ فَحَلَفُوا خَمْسِينَ يَمِينًا: مَا قَتَلْنَاهُ وَلَا عَلِمْنَا لَهُ قَاتِلًا فَإِنْ لَمْ يَجِدْ خَمْسِينَ كَرَّرَ الْأَيْمَانَ عَلَى مَنْ وَجَدَ وَتَجِبُ الدِّيَةُ عَلَى بَقِيَّةِ أَهْلِ الْخُطَّةِ، وَمَنْ لَمْ يَحْلِفْ مِنَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِمْ حُبِسَ حَتَّى يَحْلِفَ أَوْ يُقِرَّ، وَاسْتَدَلُّوا بِأَثَرِ عُمَرَ أَنَّهُ أَحْلَفَ خَمْسِينَ نَفْسًا خَمْسِينَ يَمِينًا وَقَضَى بِالدِّيَةِ عَلَيْهِمْ، وَتُعُقِّبَ بِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونُوا أَقَرُّوا بِالْخَطَأ وَأَنْكَرُوا الْعَمْدَ وَبِأَنَّ الْحَنَفِيَّةَ لَا يَعْمَلُونَ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ إِذَا خَالَفَ الْأُصُولَ وَلَوْ كَانَ مَرْفُوعًا فَكَيْفَ احْتَجُّوا بِمَا خَالَفَ الْأُصُولَ بِخَبَرِ وَاحِدٍ مَوْقُوفٍ وَأَوْجَبُوا الْيَمِينَ عَلَى غَيْرِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ، وَاسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى الْقَوَدِ فِي الْقَسَامَةِ لِقَوْلِهِ: فَتَسْتَحِقُّونَ قَاتِلَكُمْ، وَفِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى دَمَ صَاحِبِكُمْ.

قَالَ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ: الِاسْتِدْلَالُ بِالرِّوَايَةِ الَّتِي فِيهَا فَيُدْفَعُ بِرُمَّتِهِ أَقْوَى مِنَ الِاسْتِدْلَالِ بِقَوْلِهِ: دَمَ صَاحِبِكُمْ لِأَنَّ قَوْلَهُ: يُدْفَعُ بِرُمَّتِهِ لَفْظٌ مُسْتَعْمَلٌ فِي دَفْعِ الْقَاتِلِ لِلْأَوْلِيَاءِ لِلْقَتْلِ، وَلَوْ أَنَّ الْوَاجِبَ الدِّيَةُ لَبَعُدَ اسْتِعْمَالُ هَذَا اللَّفْظِ وَهُوَ فِي اسْتِعْمَالِهِ فِي تَسْلِيمِ الْقَاتِلِ أَظْهَرُ، وَالِاسْتِدْلَالُ بِقَوْلِهِ: دَمَ صَاحِبِكُمْ أَظْهَرُ مِنَ الِاسْتِدْلَالِ بِقَوْلِهِ: قَاتِلِكُمْ أَوْ صَاحِبِكُمْ لِأَنَّ هَذَا اللَّفْظُ لَا بُدَّ فِيهِ مِنْ إِضْمَارٍ، فَيَحْتَمِلُ أَنْ يُضْمَرَ دِيَةُ صَاحِبِكُمْ احْتِمَالًا ظَاهِرًا، وَأَمَّا بَعْدَ التَّصْرِيحِ بِالدِّيَةِ فَيَحْتَاجُ إِلَى تَأْوِيلِ اللَّفْظِ بِإِضْمَارٍ بَدَلَ دَمِ صَاحِبِكُمْ وَالْإِضْمَارُ عَلَى خِلَافِ الْأَصْلِ وَلَوِ احْتِيجَ إِلَى إِضْمَارٍ لَكَانَ حَمْلُهُ عَلَى مَا يَقْتَضِي إِرَاقَةَ الدَّمِ أَقْرَبَ.

وَأَمَّا مَنْ قَالَ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ: دَمَ صَاحِبِكُمْ هُوَ الْقَتِيلَ لَا الْقَاتِلَ فَيَرُدُّهُ قَوْلُهُ: دَمَ صَاحِبِكُمْ أَوْ قَاتِلِكُمْ، وَتُعُقِّبَ بِأَنَّ الْقِصَّةَ وَاحِدَةٌ اخْتَلَفَتْ أَلْفَاظُ الرُّوَاةِ فِيهَا عَلَى مَا تَقَدَّمَ بَيَانُهُ فَلَا يَسْتَقِيمُ الِاسْتِدْلَالُ بِلَفْظٍ مِنْهَا لِعَدَمِ تَحَقُّقِ أَنَّهُ اللَّفْظُ الصَّادِرُ مِنَ النَّبِيِّ ﷺ.

وَاسْتَدَلَّ مَنْ قَالَ بِالْقَوَدِ أَيْضًا بِمَا أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، وَالنَّسَائِيُّ مِنْ طَرِيقِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ، وَأَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أُنَاسٍ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ أَنَّ الْقَسَامَةَ كَانَتْ فِي الْجَاهِلِيَّةِ وَأَقَرَّهَا النَّبِيُّ ﷺ عَلَى مَا كَانَتْ عَلَيْهِ مِنَ الْجَاهِلِيَّةِ وَقَضَى بِهَا بَيْنَ نَاسٍ مِنَ الْأَنْصَارِ فِي قَتِيلٍ ادَّعَوْهُ عَلَى يَهُودِ خَيْبَرَ، وَهَذَا يَتَوَقَّفُ عَلَى ثُبُوتِ أَنَّهُمْ كَانُوا فِي الْجَاهِلِيَّةِ يَقْتُلُونَ فِي الْقَسَامَةِ، وَعِنْدَ أَبِي دَاوُدَ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ بُجَيْدٍ بِمُوَحَّدَةٍ وَجِيمٍ مُصَغَّرٌ قَالَ: إِنَّ سَهْلًا يَعْنِي ابْنَ أَبِي حَثْمَةَ وَهِمَ فِي الْحَدِيثِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ كَتَبَ إِلَى يَهُودَ إِنَّهُ قَدْ وُجِدَ بَيْنَ أَظْهُرِكُمْ قَتِيلٌ فَدُوهُ فَكَتَبُوا يَحْلِفُونَ مَا قَتَلْنَاهُ وَلَا عَلِمْنَا قَاتِلًا، قَالَ فَوَدَاهُ مِنْ عِنْدِهِ، وَهَذَا رَدَّهُ الشَّافِعِيُّ بِأَنَّهُ مُرْسَلٌ، وَيُعَارِضُ ذَلِكَ مَا أَخْرَجَهُ ابْنُ مَنْدَهْ فِي الصَّحَابَةِ مِنْ طَرِيقِ مَكْحُولٍ: حَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ أَبِي خُزَاعَةَ أَنَّهُ قُتِلَ فِيهِمْ قَتِيلٌ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فَجَعَلَ الْقَسَامَةَ عَلَى خُزَاعَةَ بِاللَّهِ مَا قَتَلْنَا وَلَا عَلِمْنَا قَاتِلًا فَحَلَفَ كُلٌّ مِنْهُمْ عَنْ نَفْسِهِ وَغَرِمَ الدِّيَةَ، وَعَمْرٌو مُخْتَلَفٌ فِي صُحْبَتِهِ.

وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ بِسَنَدٍ جَيِّدٍ إِلَى إِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ قَالَ: كَانَتِ الْقَسَامَةُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ إِذَا وُجِدَ الْقَتِيلُ بَيْنَ