للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

كَافِرٍ، بَلْ يَحْرُمُ عَلَيْهِ قَتْلُ الذِّمِّيِّ وَالْمُعَاهَدِ بِغَيْرِ اسْتِحْقَاقٍ.

قَوْلُهُ: (حَدَّثَنَا صَدَقَةُ بْنُ الْفَضْلِ) ثَبَتَ فِي بَعْضِ النُّسَخِ هُنَا: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ، حَدَّثَنَا زُهَيْرٌ، حَدَّثَنَا مُطَرِّفٌ أَنَّ عَامِرًا حَدَّثَهُمْ عَنْ أَبِي جُحَيْفَةَ ح وَحَدَّثَنَا صَدَقَةُ بْنُ الْفَضْلِ إِلَخْ وَالصَّوَابُ مَا عِنْدَ الْأَكْثَرِ، وَطَرِيقُ أَحْمَدَ بْنِ يُونُسَ تَقَدَّمَتْ فِي الْجِزْيَةِ.

قَوْلُهُ: (مُطَرِّفٌ) بِمُهْمَلَةٍ وَتَشْدِيدِ الرَّاءِ هُوَ ابْنُ طَرِيفٍ بِوَزْنِ عَظِيمٍ، كُوفِيٌّ مَشْهُورٌ.

قَوْلُهُ: (سَأَلْتُ عَلِيًّا) تَقَدَّمَ فِي كِتَابِ الْعِلْمِ بَيَانُ سَبَبِ هَذَا السُّؤَالِ، وَهَذَا السِّيَاقُ أَخْصَرُ مِنْ سِيَاقِهِ فِي كِتَابِ الْعِلْمِ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ مُطَرِّفٍ، قَالَ أَحْمَدُ، عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ بِهَذَا السَّنَدِ: هَلْ عِنْدَكُمْ شَيْءٌ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ غَيْرُ الْقُرْآنِ؟ وَلَمْ يَتَرَدَّدْ فَقَالَ: لَا وَالَّذِي فَلَقَ الْحَبَّةَ وَبَرَأَ النَّسَمَةَ، إِلَّا فَهْمٌ يُؤْتِيهِ اللَّهُ رَجُلًا فِي الْقُرْآنِ وَمَا فِي هَذِهِ الصَّحِيفَةِ فَذَكَرَهُ، وَقَدْ تَقَدَّمَ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ مُطَرِّفٍ فِي الْعِلْمِ وَغَيْرِهِ مَعَ شَرْحِ الْحَدِيثِ وَبَيَانِ اخْتِلَافِ أَلْفَاظٍ نَقَلْتُهُ عَنْ عَلِيٍّ وَبَيَانِ الْمُرَادِ بِالْعَقْلِ وَفِكَاكِ الْأَسِيرِ.

وَأَمَّا تَرْكُ قَتْلِ الْمُسْلِمِ بِالْكَافِرِ فَأَخَذَ بِهِ الْجُمْهُورُ، إِلَّا أَنَّهُ يَلْزَمُ مِنْ قَوْلِ مَالِكٍ فِي قَاطِعِ الطَّرِيقِ وَمَنْ فِي مَعْنَاهُ إِذَا قَتَلَ غِيلَةً أَنْ يُقْتَلَ وَلَوْ كَانَ الْمَقْتُولُ ذِمِّيًّا اسْتِثْنَاءُ هَذِهِ الصُّورَةِ مِنْ مَنْعِ قَتْلِ الْمُسْلِمِ بِالْكَافِرِ، وَهِيَ لَا تُسْتَثْنَى فِي الْحَقِيقَةِ لِأَنَّ فِيهِ مَعْنًى آخَرَ وَهُوَ الْفَسَادُ فِي الْأَرْضِ، وَخَالَفَ الْحَنَفِيَّةُ فَقَالُوا: يُقْتَلُ الْمُسْلِمُ بِالذِّمِّيِّ إِذَا قَتَلَهُ بِغَيْرِ اسْتِحْقَاقٍ وَلَا يُقْتَلُ بِالْمُسْتَأْمَنِ، وَعَنِ الشَّعْبِيِّ، وَالنَّخَعِيِّ يُقْتَلُ بِالْيَهُودِيِّ وَالنَّصْرَانِيِّ دُونَ الْمَجُوسِيِّ، وَاحْتَجُّوا بِمَا وَقَعَ عِنْدَ أَبِي دَاوُدَ مِنْ طَرِيقِ الْحَسَنِ، عَنْ قَيْسِ بْنِ عُبَادٍ، عَنْ عَلِيٍّ بِلَفْظِ: لَا يُقْتَلُ مُؤْمِنٌ بِكَافِرٍ وَلَا ذُو عَهْدٍ فِي عَهْدِهِ.

وَأَخْرَجَهُ أَيْضًا مِنْ رِوَايَةِ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ، وَأَخْرَجَهُ ابْنُ مَاجَهْ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَالْبَيْهَقِيُّ عَنْ عَائِشَةَ وَمَعْقِلِ بْنِ يَسَارٍ، وَطُرُقُهُ كُلُّهَا ضَعِيفَةٌ إِلَّا الطَّرِيقَ الْأُولَى وَالثَّانِيَةَ فَإِنَّ سَنَدَ كُلٍّ مِنْهُمَا حَسَنٌ، وَعَلَى تَقْدِيرِ قَبُولِهِ فَقَالُوا: وَجْهُ الِاسْتِدْلَالِ مِنْهُ أَنَّ تَقْدِيرَهُ: وَلَا يُقْتَلُ ذُو عَهْدٍ فِي عَهْدِهِ بِكَافِرٍ، قَالُوا: وَهُوَ مِنْ عَطْفِ الْخَاصِّ عَلَى الْعَامِّ فَيَقْتَضِي تَخْصِيصَهُ، لِأَنَّ الْكَافِرَ الَّذِي يُقْتَلُ بِهِ ذُو الْعَهْدِ هُوَ الْحَرْبِيُّ دُونَ الْمُسَاوِي لَهُ وَالْأَعْلَى، فَلَا يَبْقَى مَنْ يُقْتَلُ بِالْمُعَاهَدِ إِلَّا الْحَرْبِيَّ فَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ الْكَافِرُ الَّذِي لَا يُقْتَلُ بِهِ الْمُسْلِمُ هُوَ الْحَرْبِيُّ تَسْوِيَةً بَيْنَ الْمَعْطُوفِ وَالْمَعْطُوفِ عَلَيْهِ، قَالَ الطَّحَاوِيُّ: وَلَوْ كَانَتْ فِيهِ دَلَالَةٌ عَلَى نَفْيِ قَتْلِ الْمُسْلِمِ بِالذِّمِّيِّ لَكَانَ وَجْهُ الْكَلَامِ أَنْ يَقُولَ: وَلَا ذِي عَهْدٍ فِي عَهْدِهِ وَإِلَّا لَكَانَ لَحْنًا، وَالنَّبِيُّ ﷺ لَا يَلْحَنُ، فَلَمَّا لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ عَلِمْنَا أَنَّ ذَا الْعَهْدِ هُوَ الْمَعْنِيُّ بِالْقِصَاصِ فَصَارَ التَّقْدِيرُ: لَا يُقْتَلُ مُؤْمِنٌ وَلَا ذُو عَهْدٍ فِي عَهْدِهِ بِكَافِرٍ.

قَالَ: وَمِثْلُهُ فِي الْقُرْآنِ: ﴿وَاللائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلاثَةُ أَشْهُرٍ وَاللائِي لَمْ يَحِضْنَ﴾ فَإِنَّ التَّقْدِيرَ: وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ، وَتُعُقِّبَ بِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ التَّقْدِيرِ، وَالْكَلَامُ مُسْتَقِيمٌ بِغَيْرِهِ إِذَا جَعَلْنَا الْجُمْلَةَ مُسْتَأْنَفَةً، وَيُؤَيِّدُهُ اقْتِصَارُ الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ عَلَى الْجُمْلَةِ الْأُولَى. وَلَوْ سُلِّمَ أَنَّهَا لِلْعَطْفِ فَالْمُشَارَكَةُ فِي أَصْلِ النَّفْيِ لَا مِنْ كُلِّ وَجْهٍ، وَهُوَ كَقَوْلِ الْقَائِلِ مَرَرْتُ بِزَيْدٍ مُنْطَلِقًا وَعَمْرٍو، فَإِنَّهُ لَا يُوجِبُ أَنْ يَكُونَ مَرَّ بِعَمْرٍو مُنْطَلِقًا أَيْضًا بَلِ الْمُشَارَكَةُ فِي أَصْلِ الْمُرُورِ.

وَقَالَ الطَّحَاوِيُّ أَيْضًا: لَا يَصِحُّ حَمْلُهُ عَلَى الْجُمْلَةِ الْمُسْتَأْنَفَةِ؛ لِأَنَّ سِيَاقَ الْحَدِيثِ فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِالدِّمَاءِ الَّتِي يَسْقُطُ بَعْضُهَا بِبَعْضٍ؛ لِأَنَّ فِي بَعْضِ طُرُقِهِ: الْمُسْلِمُونَ تَتَكَافَأُ دِمَاؤُهُمْ وَتُعُقِّبَ بِأَنَّ هَذَا الْحَصْرَ مَرْدُودٌ، فَإِنَّ فِي الْحَدِيثِ أَحْكَامًا كَثِيرَةً غَيْرَ هَذِهِ، وَقَدْ أَبْدَى الشَّافِعِيُّ لَهُ مُنَاسَبَةً فَقَالَ: يُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ لَمَّا أَعْلَمَهُمْ أَنْ لَا قَوَدَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْكُفَّارِ أَعْلَمَهُمْ أَنَّ دِمَاءَ أَهْلِ الذِّمَّةِ وَالْعَهْدِ مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ، فَقَالَ: لَا يُقْتَلُ مُسْلِمٌ بِكَافِرٍ وَلَا يُقْتَلُ ذُو عَهْدٍ فِي عَهْدِهِ.

وَمَعْنَى الْحَدِيثِ: لَا يُقْتَلُ مُسْلِمٌ بِكَافِرٍ قِصَاصًا، وَلَا يُقْتَلُ مَنْ لَهُ عَهْدٌ مَا دَامَ عَهْدُهُ بَاقِيًا، وَقَالَ ابْنُ السَّمْعَانِيِّ: وَأَمَّا حَمْلُهُمُ الْحَدِيثَ عَلَى الْمُسْتَأْمَنِ فَلَا يَصِحُّ لِأَنَّ الْعِبْرَةَ بِعُمُومِ اللَّفْظِ حَتَّى يَقُومَ دَلِيلٌ عَلَى التَّخْصِيصِ، وَمِنْ حَيْثُ