للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

مُحَمَّدًا فِي امْرَأَةٍ كَرِهَتْ زَوْجَهَا وَامْتَنَعَ مِنْ فِرَاقِهَا فَمَكَّنَتِ ابْنَ زَوْجِهَا مِنْ نَفْسِهَا فَإِنَّهَا تَحْرُمُ عِنْدَهُمْ عَلَى زَوْجِهَا بِنَاءً عَلَى قَوْلِهِمْ إِنَّ حُرْمَةَ الْمُصَاهَرَةِ تَثْبُتُ بِالزِّنَا، قَالَ فَقُلْتُ لِمُحَمَّدٍ: الزِّنَا لَا يُحَرِّمُ الْحَلَالَ لِأَنَّهُ ضِدُّهُ وَلَا يُقَاسُ شَيْءٌ عَلَى ضِدِّهِ فَقَالَ: يَجْمَعُهُمَا الْجِمَاعُ، فَقُلْتُ: الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ الْأَوَّلَ حُمِدَتْ بِهِ وَحَصَّنَتْ فَرْجَهَا وَالْآخَرُ ذُمَّتْ بِهِ وَوَجَبَ عَلَيْهَا الرَّجْمُ، وَيَلْزَمُ أَنَّ الْمُطَلَّقَةَ ثَلَاثًا إِذَا زَنَتْ حَلَّتْ لِزَوْجِهَا، وَمَنْ كَانَ عِنْدَهُ أَرْبَعُ نِسْوَةٍ فَزَنَى بِخَامِسَةٍ أَنْ تَحْرُمَ عَلَيْهِ إِحْدَى الْأَرْبَعِ إِلَى آخِرِ الْمُنَاظَرَةِ.

وَقَدْ أَشْكَلَ قَوْلُ الْبُخَارِيِّ فِي التَّرْجَمَةِ فَإِنْ أَهْلَكَهَا بِأَنَّ الْإِهْلَاكَ لَيْسَ مِنَ الْحِيَلِ بَلْ هُوَ مِنْ إِضَاعَةِ الْمَالِ، فَإِنَّ الْحِيلَةَ إِنَّمَا هِيَ لِدَفْعِ ضَرَرٍ أَوْ جَلْبِ مَنْفَعَةٍ وَلَيْسَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَوْجُودًا فِي ذَلِكَ، وَيَظْهَرُ لِي أَنَّهُ يُتَصَوَّرُ بِأَنْ يَذْبَحَ الْحِقَّتَيْنِ مَثَلًا وَيَنْتَفِعَ بِلَحْمِهِمَا فَتَسْقُطَ الزَّكَاةُ بِالْحِقَّتَيْنِ وَيَنْتَقِلَ إِلَى مَا دُونَهُمَا.

قَوْلُهُ: (يَكُونُ كَنْزُ أَحَدِكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ شُجَاعًا أَقْرَعَ) الْمُرَادُ بِالْكَنْزِ الْمَالُ الَّذِي يُخَبَّأُ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُؤَدِّيَ زَكَاتَهُ كَمَا تَقَدَّمَ تَقْرِيرُهُ فِي كِتَابِ الزَّكَاةِ، وَوَقَعَ هُنَاكَ فِي رِوَايَةِ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ بِلَفْظِ: مَنْ أَعْطَاهُ اللَّهُ مَالًا فَلَمْ يُؤَدِّ زَكَاتَهُ مُثِّلَ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ شُجَاعًا أَقْرَعَ فَذَكَرَ نَحْوَهُ، وَبِهِ تَظْهَرُ مُنَاسَبَةُ ذِكْرِهِ فِي هَذَا الْبَابِ.

قَوْلُهُ: (أَنَا كَنْزٌ) هَذَا زَائِدٌ فِي هَذِهِ الطَّرِيقِ.

قَوْلُهُ: (وَاللَّهِ لَنْ يَزَالَ) فِي رِوَايَةِ الْكُشْمِيهَنِيِّ لَا بَدَلَ لَنْ.

قَوْلُهُ: (حَتَّى يَبْسُطَ يَدَهُ) أَيْ صَاحِبُ الْمَالِ.

قَوْلُهُ: (فَيُلْقِمَهَا فَاهُ) يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ فَاعِلُ يُلْقِمَهَا الْكَانِزُ أَوِ الشُّجَاعُ، وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ أَبِي صَالِحٍ فَيَأْخُذَ بِلِهْزِمَتَيْهِ أَيْ يَأْخُذَ الشُّجَاعُ يَدَ الْكَانِزِ بِشِدْقَيْهِ وَهُمَا اللِّهْزِمَتَانِ كَمَا أَوْضَحْتُهُ هُنَاكَ.

قَوْلُهُ: (وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ هُوَ مَوْصُولٌ بِالسَّنَدِ الْمَذْكُورِ، وَهُوَ مِنْ نُسْخَةِ هَمَّامٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَقَدْ أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ، عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ فقَدَّمَ هَذَا عَلَى الَّذِي قَبْلَهُ.

قَوْلُهُ: (إِذَا مَا رَبُّ النَّعَمِ) مَا زَائِدَةٌ وَالرَّبُّ الْمَالِكُ وَالنَّعَمِ بِفَتْحَتَيْنِ الْإِبِلُ وَالْغَنَمُ وَالْبَقَرُ، وَقِيلَ الْإِبِلُ وَالْغَنَمُ فَقَطْ حَكَاهُ فِي الْمُحْكَمِ، وَقِيلَ الْإِبِلُ فَقَطْ، وَيُؤَيِّدُ الْأَوَّلَ قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿وَمِنَ الأَنْعَامِ حَمُولَةً وَفَرْشًا﴾ ثُمَّ فَسَّرَهُ بِالْإِبِلِ وَالْبَقَرِ وَالْغَنَمِ، وَيُؤَيِّدُ الثَّالِثَ اقْتِصَارُهُ هُنَا عَلَى الْإخْفَافِ فَإِنَّهَا لِلْإِبِلِ خَاصَّةً، وَالْمُرَادُ بِقَوْله: حَقَّهَا زَكَاتَهَا وَصَرَّحَ بِهِ فِي حَدِيثِ أَبِي ذَرٍّ كَمَا تَقَدَّمَ فِي الزَّكَاةِ أَتَمَّ مِنْهُ.

قَوْلُهُ: (وَقَالَ بَعْضُ النَّاسِ فِي رَجُلٍ لَهُ إِبِلٌ فَخَافَ أَنْ تَجِبَ عَلَيْهِ الصَّدَقَةُ فَبَاعَهَا بِإِبِلٍ مِثْلِهَا أَوْ بِغَنَمٍ أَوْ ببَقَرٍ أَوْ بِدَرَاهِمَ فِرَارًا مِنَ الصَّدَقَةِ بِيَوْمٍ احْتِيَالًا فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَهُوَ يَقُولُ إِنْ زَكَّى إِبِلَهُ قَبْلَ أَنْ يَحُولَ الْحَوْلُ بِيَوْمٍ أَوْ سَنَةٍ جَازَتْ عَنْهُ) فِي رِوَايَةِ الْكُشْمِيهَنِيِّ أَجْزَأَتْ عَنْهُ وَيُعْرَفُ، تَقْرِيرُ مَذْهَبِ الْحَنَفِيَّةِ مِمَّا مَضَى، وَقَدْ تَأَكَّدَ الْمَنْعُ بِمَسْأَلَةِ التَّعْجِيلِ قَبْلَ تَوْجِيهِ إِلْزَامِهِمُ التَّنَاقُضَ أَنَّ مَنْ أَجَازَ التَّقْدِيمَ لَمْ يُرَاعِ دُخُولَ الْحَوْلِ مِنْ كُلِّ جِهَةٍ، فَإِذَا كَانَ التَّقْدِيمُ عَلَى الْحَوْلِ مُجْزِئًا فَلْيَكُنِ التَّصَرُّفُ فِيهَا قَبْلَ الْحَوْلِ غَيْرَ مُسْقِطٍ وَأَجَابَ عَنْهُمُ ابْنُ بَطَّالٍ بِأَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ لَمْ يَتَنَاقَضْ فِي ذَلِكَ لِأَنَّهُ لَا يُوجِبُ الزَّكَاةَ إِلَّا بِتَمَامِ الْحَوْلِ وَيَجْعَلُ مَنْ قَدَّمَهَا كَمَنْ قَدَّمَ دَيْنًا مُؤَجَّلًا قَبْلَ أَنْ يَحُلَّ انْتَهَى.

وَالتَّنَاقُضُ لَازِمٌ لِأَبِي يُوسُفَ لِأَنَّهُ يَقُولُ إِنَّ الْحُرْمَةَ تُجَامِعُ الْفَرْضَ كَطَوَافِ الْعَارِي، وَلَوْ لَمْ يَتَقَرَّرِ الْوُجُوبُ لَمْ يَجُزِ التَّعْجِيلُ قَبْلَ الْحَوْلِ.

وَقَدِ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِيمَنْ بَاعَ إِبِلًا بِمِثْلِهَا فِي أَثْنَاءِ الْحَوْلِ: فَذَهَبَ الْجُمْهُورُ إِلَى أَنَّ الْبِنَاءَ عَلَى حَوْلٍ الْأَوْلَى لِاتِّحَادِ الْجِنْسِ وَالنِّصَابِ، وَالْمَأْخُوذُ عَنِ الشَّافِعِيِّ قَوْلَانِ وَاخْتَلَفُوا فِي بَيْعِهَا بِغَيْرِ جِنْسِهَا فَقَالَ الْجُمْهُورُ: يَسْتَأْنِفُ لِاخْتِلَافِ النِّصَابِ، وَإِذَا فَعَلَ ذَلِكَ فِرَارًا مِنَ الزَّكَاةِ أَثِمَ، وَلَوْ قُلْنَا يَسْتَأْنِفُ.

وَعَنْ أَحْمَدَ إِذَا مَلَكَهَا سِتَّةَ أَشْهُرٍ ثُمَّ بَاعَهَا بِنَقْدٍ زَكَّى الدَّرَاهِمَ عَنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ يَوْمِ الْبَيْعِ. وَنَقَلَ شَيْخُنَا ابْنُ الْمُلَقِّنِ عَنِ ابْنِ التِّينِ أَنَّهُ قَالَ: إِنَّ الْبُخَارِيَّ إِنَّمَا أَتَى بِقَوْلِهِ: مَانِعُ الزَّكَاةِ لِيَدُلَّ عَلَى أَنَّ الْفِرَارَ مِنَ الزَّكَاةِ