للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

٦٩٦٦ - حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ ﵄ عَنْ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: لِكُلِّ غَادِرٍ لِوَاءٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يُعْرَفُ بِهِ.

قَوْلُهُ: (بَابُ إِذَا غَصَبَ جَارِيَةً فَزَعَمَ أَنَّهَا مَاتَتْ فَقُضِيَ) بِالضَّمِّ عَلَى الْبِنَاءِ لِلْمَجْهُولِ أَيْ حُكِمَ، وَيَجُوزُ بِنَاؤُهُ لِلْمَعْلُومِ أَيْ حَكَمَ الْقَاضِي عَلَى الْغَاصِبِ.

قَوْلُهُ: (بِقِيمَةِ الْجَارِيَةِ الْمَيِّتَةِ ثُمَّ وَجَدَهَا صَاحِبُهَا) أَيِ اطَّلَعَ عَلَى أَنَّهَا لَمْ تَمُتْ (فَهِيَ لَهُ) أَيْ لِصَاحِبِهَا الْمَغْصُوبَةِ مِنْهُ (وَتُرَدُّ الْقِيمَةُ) أَيْ عَلَى الْغَاصِبِ (وَلَا تَكُونُ الْقِيمَةُ ثَمَنًا) أَيْ لِعَدَمِ جَرَيَانِ بَيْعٍ بَيْنَهُمَا، وَإِنَّمَا أَخَذَ الْقِيمَةَ بِنَاءً عَلَى عَدَمِ الْجَارِيَةِ فَإِذَا زَالَ ذَلِكَ وَجَبَ الرُّجُوعُ إِلَى الْأَصْلِ.

قَوْلُهُ: (وَقَالَ بَعْضُ النَّاسِ: الْجَارِيَةُ لِلْغَاصِبِ لِأَخْذِهِ الْقِيمَةَ) أَيْ مِنَ الْغَاصِبِ.

قَوْلُهُ: (وَفِي هَذَا احْتِيَالٌ لِمَنِ اشْتَهَى جَارِيَةَ رَجُلٍ لَا يَبِيعُهَا فَغَصَبَهَا وَاعْتَلَّ) أَيِ احْتَجَّ، أَيْ وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَتِ الصُّورَةُ فِي غَيْرِ الْجَارِيَةِ مِنْ مَأْكُولٍ أَوْ غَيْرِهِ وَادَّعَى فَسَادَهُ، وَكَذَا لَوْ غَصَبَ حَيَوَانًا مَأْكُولًا فَذَبَحَهُ.

قَوْلُهُ: (فَتَطِيبُ لِلْغَاصِبِ جَارِيَةُ غَيْرِهِ) أَيْ وَكَذَا قَالَ غَيْرُهُ.

قَوْلُهُ: (قَالَ النَّبِيُّ ﷺ أَمْوَالُكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ) هَذَا طَرَفٌ مِنْ حَدِيثٍ وَصَلَهُ مِنْ حَدِيثِ أَبِي بَكْرَةَ مُطَوَّلًا فِي أَوَاخِرِ الْحَجِّ وَأَحَلْتُ بِشَرْحِهِ عَلَى كِتَابِ الْفِتَنِ.

قَالَ الْكِرْمَانِيُّ: ظَاهِرُ قَوْلِهِ: أَمْوَالُكُمْ عَلَيْكُمْ مُقَابَلَةُ الْجَمْعِ بِالْجَمْعِ فَيُفِيدُ التَّوْزِيعَ فَيَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ مَالُ كُلِّ شَخْصٍ عَلَى كُلِّ شَخْصٍ حَرَامًا فَيَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ مَالُهُ عَلَيْهِ حَرَامًا، وَلَيْسَ كَذَلِكَ وَإِنَّمَا هُوَ مِثْلُ قَوْلِهِمْ قَتَلَ بَنُو فُلَانٍ أَنْفُسَهُمْ أَيْ قَتَلَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا، فَفِيهِ مَجَازٌ لِلْقَرِينَةِ الصَّارِفَةِ عَنِ الظَّاهِرِ.

قَوْلُهُ: (وَلِكُلِّ غَادِرٍ لِوَاءٌ) أَيْ وَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ لِكُلِّ غَادِرٍ لِوَاءٌ إِلَخْ، وَقَدْ وَصَلَهُ فِي الْبَابِ عَنِ ابْنِ عُمَرَ، وَسُفْيَانَ فِي سَنَدِهِ هُوَ الثَّوْرِيُّ، وَمَضَى شَرْحُهُ مُسْتَوْفًى فِي الْجِهَادِ.

وَالِاحْتِجَاجُ بِهِ ظَاهِرٌ لِأَنَّ دَعْوَى الْغَاصِبِ أَنَّهَا مَاتَتْ خِيَانَةٌ وَغَدْرٌ فِي حَقِّ أَخِيهِ الْمُسْلِمِ، قَالَ ابْنُ بَطَّالٍ: خَالَفَ أَبَا حَنِيفَةَ الْجُمْهُورُ فِي ذَلِكَ فَاحْتَجَّ هُوَ بِأَنَّهُ لَا يَجْتَمِعُ الشَّيْءُ وَبَدَلُهُ فِي مِلْكِ شَخْصٍ وَاحِدٍ، وَاحْتُجَّ لِلْجُمْهُورِ بِأَنَّهُ لَا يَحِلُّ مَالُ الْمُسْلِمِ إِلَّا عَنْ طِيبِ نَفْسِهِ، وَلِأَنَّ الْقِيمَةَ إِنَّمَا وَجَبَتْ بِنَاءً عَلَى صِدْقِ دَعْوَى الْغَاصِبِ أَنَّ الْجَارِيَةَ مَاتَتْ فَلَمَّا تَبَيَّنَ أَنَّهَا لَمْ تَمُتْ فَهِيَ بَاقِيَةٌ عَلَى مِلْكِ الْمَغْصُوبَةِ مِنْهُ لِأَنَّهُ لَمْ يَجْرِ بَيْنَهُمَا عَقْدٌ صَحِيحٌ فَوَجَبَ أَنْ تُرَدَّ إِلَى صَاحِبِهَا، قَالَ: وَفَرَّقُوا بَيْنَ الثَّمَنِ وَالْقِيمَةِ بِأَنَّ الثَّمَنَ فِي مُقَابَلَةِ الشَّيْءِ الْقَائِمِ وَالْقِيمَةَ فِي الشَّيْءِ الْمُسْتَهْلَكِ وَكَذَا فِي الْبَيْعِ الْفَاسِدِ، وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْغَصْبِ وَالْبَيْعِ الْفَاسِدِ أَنَّ الْبَائِعَ رَضِيَ بِأَخْذِ الثَّمَنِ عِوَضًا عَنْ سِلْعَتِهِ وَأَذِنَ لِلْمُشْتَرِي بِالتَّصَرُّفِ فِيهَا، فَإِصْلَاحُ هَذَا الْبَيْعِ أَنْ يَأْخُذَ قِيمَةَ السِّلْعَةِ إِنْ فَاتَتْ، وَالْغَاصِبُ لَمْ يَأْذَنْ لَهُ الْمَالِكُ فَلَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَتَمَلَّكَهُ الْغَاصِبُ إِلَّا إِنْ رَضِيَ الْمَغْصُوبُ مِنْهُ بِقِيمَتِهِ.

قُلْتُ: وَمَحَلُّ الصُّورَةِ الْمَذْكُورَةِ أَوَّلًا عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ أَنْ يَدَّعِيَ الْمُسْتَحِقُّ عَلَى الْغَاصِبِ بِالْجَارِيَةِ فَيُجِيبُ بِأَنَّهَا مَاتَتْ فَيُصَدِّقَهُ أَوْ يُكَذِّبَهُ فَيُقِيمَ الْغَاصِبُ الْبَيِّنَةَ أَوْ يَسْتَحْلِفَهُ فَيَنْكُلَ عَنِ الْيَمِينِ فَيَكُونَ الْمُسْتَحَقُّ حِينَئِذٍ عَلَى الْغَاصِبِ الْقِيمَةَ لِرِضَا الْمُدَّعِي بِالْمُبَادَلَةِ بِهَذَا الْقَدْرِ حَيْثُ ادَّعَاهُ، أَمَّا لَوْ أَخَذَ الْقِيمَةَ بِقَوْلِ الْغَاصِبِ مَعَ حَلِفِهِ أَنَّهَا مَاتَتْ فَالْمُدَّعِي حِينَئِذٍ بِالْخِيَارِ إِذَا ظَهَرَ كَذِبُ الْغَاصِبِ إِنْ شَاءَ أَمْضَى الضَّمَانَ وَإِنْ شَاءَ اسْتَعَادَ الْجَارِيَةَ وَرَدَّ الْعِوَضَ، وَاسْتَدَلُّوا بِأَنَّ الْمَالِكَ مَلَكَ بَدَلَ الْمَغْصُوبِ رَقَبَةً وَبَدَنًا فَزَالَ مِلْكُهُ عَنِ الْمُبْدَلِ لِكَوْنِهِ قَابِلًا لِلنَّقْلِ فَلَمْ يَقَعِ الْحُكْمُ لِلتَّعَدِّي مَحْضًا بَلْ لِلضَّمَانِ الْمَشْرُوطِ وَلَوْ نَشَأَ مِنْهُ فَوَاتُ الْجَارِيَةِ عَلَى صَاحِبِهَا بِالْحِيلَةِ وَلَوْ تَرَتَّبَ الْإِثْمُ عَلَى الْغَاصِبِ بِذَلِكَ لِأَنَّهُ لَا يُنَافِي صِحَّةَ الْعَقْدِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

وَقَالَ ابْنُ الْمُنِيرِ مَا مُلَخَّصُهُ: أَلْزَمَ بَعْضُ الْحَنَفِيَّةِ مَالِكًا بِأَنَّهُ يَقُولُ فِي الْآبِقِ إِذَا أَخَذَ الْمَالِكُ قِيمَتَهُ مِمَّنْ وَجَدَهُ فَغَصَبَهُ أَنَّ الْغَاصِبَ يَمْلِكُهُ، فَلَوْ مَوَّهَ الْغَاصِبُ بِأَنَّهُ مُسْتَمِرُّ الْإِبَاقِ أَوْ أَوْهَمَ مَوْتَهُ ثُمَّ ظَهَرَ خِلَافُ ذَلِكَ فَلِلْمَالِكِ أَخْذُهُ،